ملينا.. صديقتي الأمريكية
عوّاد ناصر
عثرت على ملينا عبر الإنترنت، أو تعثرت بها، لأتعلق بها منذ أول كلمة.. وصرت أهاتفها في أي ساعة من ساعات اليوم حتى أوشكت أن أنفق نصف معاشي في فاتورة الهاتف.كان هذا آخر ما خطر ببالي الوقوع في غرام أمريكية.تلفنت لملينا في الساعة الثانية فجراً بتوقيت ديترويت. هذا ليس بعدل.. إنني نائمة، أيها العربي المتخلف لكنني لم استطع الانتظار حتى تستقيظي من النوم. حسناً، أنا قادمة إلى دمشق الأسبوع المقبل.. آمل أن تستقبلني في المطار. لو كان بمقدوري لفرشت لك السجاد الأحمر من سلم الطائرة حتى بيتي. ماذا تحب أجلب لك هدية؟ كتاب هنري ميلر مدار الجدي . هل تقرأ الإنكليزية؟ لدي النسخة العربية وسأقارنها بالإنكليزية لأتعلم لغتك الأم.ثمة أناس يسافرون في منتهى السهولة عبر قارات الأرض.ملينا قطة على وشك السفر.البنت، يا جماعة، لا تسلب الألباب، حسب، بل تسلب القدرات البشرية كلها حتى أكثر الأخيلة جموحاً.ها هي ملينا، أخيراً، بعد أن أمضيت شطراً ليس بالقصير من حياتي حالماً بالنساء الجميلات من بنت الجيران حتى مارلين مونرو، مروراً بالممثلات والمذيعات والمعلمات.. حلمت مرة بجاكلين كنيدي في الباص الحكومي الذاهب إلى مطار دمشق، كان صوت عبد الحليم ينطلق من مسجلة الباص ومشيت ياليل مشوار طويل» ولا قلت مرّة مستحيل .عدت إلى زمن عويص، طويل عريض مثقل بالأحلام واليأس والكوابيس.انتفاضة فلسطينية جبارة سلاحها الحجارة طلعت من تحت أرض كنعان لتعلن للعالم الأرض بتتكلم عربي .كيف ستبرر ملينا حراسة بلدها لإسرائيل؟لن أطرح مثل هذه الموضوعات كي لا أفقد ملينا التي ستكون آخر امرأة تتولى عذاباتي المعتقة وأنا أعد شعرها الذهبي شعرة شعرة وأقيس عطرها الراكض خلف أذنيها بأنفاسي حتى انقطاع النفس.تذكرت أمي وأخواتي وأبناءهن ودجاجاتنا في مدينة الثورة ورسمت سيناريو لا يخلو من مفارقات كأن تزورني ملينا هناك، في ذاك البيت الفقير الذي يتكون من غرفة واحدة ستمتلئ بالجميع لاستقبال ملينا.في الغرفة الوحيدة، تلك، ننام ونستقبل ضيوفنا ونطبخ ونستحم تستحم أمي عندما أكون في المدرسة، وأنا أستحم عندما تذهب إلى سوق الخضار.تسخن أمي الماء على البريمس ثم تأتي بالطست يتوسط الغرفة. ملينا، رجاء استحمي في الفندق. ليس لدينا حمام. هل هناك بيت في العالم بلا حمام؟ نعم، إنه بيتنا.ستكون الزيارة المنتظرة أشهر من قصة زيارة راي برادبري وزيارة أنور السادات إلى تل أبيب. نتناول طعامنا، يا ملينا، جلوساً على الأرض، هل جربت هذا؟ يعني ليس عندكم طاولة طعام؟ لا، ليس ثمة طاولة طعام.. ليس لدينا حتى طعام أحياناً ستكون تجربة مثيرة النهاية .. THE END
وصلت ملينا. كانت أحلى من صورها التي بعثتها لي في الإيميلات رغم وعثاء السفر .. والحقيقة ليست هناك أية وعثاء فملينا تخطو باتجاهي كعارضات الأزياء على الـ CATWALK.
تعانقنا، كالأطفال، ببراءة غريبة لأن اللقاء وجهاً لوجه غير اللقاء عبر الحواسيب الإلكترونية.قلت لملينا أستعجلها الباص على وشك التحرك.قالت سنستقل تاكسي.خجلت، بل أحرجت، لأنني لا أملك ثمن أجرة تاكسي من مطار دمشق حتى مساكن برزة بدمشق.لكن حال وصولنا بادرت ملينا لدفع أجرة التاكسي بالدولار.أخذت ملينا حماماً سريعاً.. يا إلهي، كان شعرها المبلول مثل حزمة سنابل مغسولة بالمطر.الساعة تقارب السابعة مساء، الآن، وهو أجمل وقت للتنزه في حارات دمشق.طرق عنيف على الباب.. خرجت لأفتح. كانوا خمسة أشخاص مدنيين. تفضلوا معنا، أنت وضيفتك الأمريكية.. الأمر لن يستغرق أكثر من دقائق. من أنتم؟
ستعرف فيما بعد.
AZP09