ملك الأثاث وكرسي بوكاسا – عادل سعد

ملك الأثاث وكرسي بوكاسا – عادل سعد

تذهلني كثيراً شخصيات تمتلك ارادة متعددة المواهب ، تواظب عليها في توزيع هرموني ، يتناغم بعضه مع بعض ليكون سلسلةً من الانجازات دون ان تسيطر عليهم واحدة منها، وهكذا يظلون امناء  لتلك السلسلة من الانجازات المتحققة  ومتابعتها  برصيد من المثابرة العميقة الخالية من اي جزع.

لقد استوقفتني حقاً شخصية الراحل عامر العاني احد الضباط المحنكين في الجيش العراقي، تعارفنا منذ بداية العقد الثامن من القرن الماضي عندما كنت رئيساً للقسم السياسي في مجلة الف باء ، واصبحنا صديقين لا نفترق بعد احالته على التقاعد  الى ان غادر الدنيا قبل عدة سنوات .

كان غزيراً في معارفه العسكرية وبعد تقاعده ظل يتابع تطوير معلوماته العسكرية ، وحين  سألته عن فائدة استمرار اهتمامه بهذه المعلومات كان يقول لي (معارف الانسان مثل اشجار البستان اذا لم تديمها جميعاً يصيبها الاضمحلال ، الواحدة تلو الاخرى على اساس نظرية الاواني المستطرقة). كان في الكثير من الاحيان يصطحبني معه الى بيته الواقع خلف جامع ام الطبول لنمضي السهرة في حوارات عسكرية وسياسية وثقافية في خلطة من المناقشات  نؤجل خلاصاتها الى لقاءات اخرى.كان من اقرب الاصدقاء إلينا الفنان الراحل طالب القره غولي ، والراحل الشاعر زامل سعيد فتاح والمطرب المعروف سعدون جابر وعدد من المهتمين بالثقافة والفن، واذكر هنا اننا  في احد الليالي امضينا سهرة في بيت سعدون جابر، ومن بين المدعوين الدكتور سعدي الحديثي الباحث المتعمق في التراث الغنائي البدوي وصاحب الصوت الغنائي الفريد وتخلل الجلسة حوار عن اصالة هذا التراث وحينها اثنى الحديثي اندهشاً على ما لدى العاني من معلومات ورؤية تحليلية غاية في الاهمية، واذكر أيضاً وما اكثر الذكريات معه انه جاءني في يوم من الايام منزعجاً معبراً عن استيائه لفقر لغة ومعاني المسلسلات التي تبثها اذاعة بغداد وما تتضمن من هزالة  الخطاب المعرفي، واعلن عن تصميمه في رفد الاذاعة بكتابة مسلسلات، وفي الحال اصطحبني معه الى شارع المتنبي واشترى رواية الارض الطيبة للكاتبة الامريكية بيرل بيرك واعدها مسلسلة لإذاعة بغداد وقد تابعت الاستماع لها بعد أن رجاني رأياً بشأنها وكانت بحق من انضج المسلسلات التي بثتها الاذاعة آنذاك، وبعدها اعد مسلسلة اخرى من رواية انا كارلينا للكاتب الروسي تولستوي.

كان الراحل عامر العاني سخياً وكنت امازحه قائلاً (ماذ ابقيت لحاتم الطائي) وكانت زوجته ام رافد تنافسه في الكرم، تحتفي بالضيوف في اطلالات من الحشمة والوقار والاخوة الفاضلة ، بل وتتفقد عوائل اصدقائه.

آخر منجزات الصديق عامر العاني قبل مغادرته الدنيا بسنوات انصرافه إلى الاهتمام بالموبيليا وصناعة الاثاث معطياً للاثاث التراثي حيزه الذي يستحقه.

لقد صار احد اهم المبدعين الذين شاركوا في معارض للاثاث بعواصم عربية  دمشق وبيروت وعمان والقاهرة وابو ظبي وحصد جوائز من مشاركاته تلك، وعندما كنت أزوره في معرض ومعمل النجارة الذي يديره كنت أجده منهمكاً في تقديم شروحات لنجّارين عاملين لديه بقدرة استاذ متمرس، وفي يوم اخر كنا في  معرض الموبليات الذي يملكه في حي (الكرادة خارج)، ودخل علينا شخص تبدو عليه علامات الجاه الحكومي وقدم نفسه على انه من القصرالجمهوري، كان بيده ملف انيق فيه صور لكرسي مأخوذة من عدة زوايا، وهنا بادره ابو رافد وهو يتفحص الصور هذه لكرسي (بوكاسا) امبراطور دولة افريقيا الوسطى، فعقدت الدهشة ملامح الضيف وطلب تصنيع نسخة من الكرسي نفسه على ان يعود مجددا للاتفاق النهائي وبعد مغادرة ذلك الشخص المعرض سألت ابو رافد، من اين عرفت انه كرسي بوكاسا ففتح مجراً واضعاً امامي مجموعة ألبومات لعشرات الصور لكراسي بعضها غريب الشكل حقاً. قد ادهشتني كثيراً صديقي الراحل ابو رافد، كنت بحق موسوعةً بشريةً في معلوماتك، وحسك التراثي الوطني، ومقارعتك للجهل، وصبرك على الاخرين حتى يتعلموا، بل كنت مخلصاً ميدانياً للتوصية التي تقول (أنر الزاوية التي انت فيها).

مشاركة