مكاتيب عراقية ـ قلبي عليك دمشق ـ علي السوداني

مكاتيب عراقية ـ قلبي عليك دمشق ـ علي السوداني
شوفوا هذا التضاد العظيم، وجبل العواطف المتعاركة، الذي ننام عليه، وربما تنامون. بعد أزيد من أربعين سنة من حكم آل الأسد، سوريا، تذكّرت العرب العاربة والمستعربة وما بينهما، أنّ بلاد الشام محكومة من قبل أقلية شيعية، بمواجهة أغلبية سنّية. عندما تضامنت سوريا الأسد مع ايران الخميني، في حربه القذرة الباطلة الطائفية المجنونة ضد العراق، كانت العربان تنام على صمت مريب. ذهبت سوريا الى مطبخ حفر الباطن الجائف، وتشكّل مزاد اثنان زائد ستة والعرب على نومتهم يرتاحون. عندما حاصر الوحوش أبناء الهمج الأمريكان بلاد الرافدين، وأنتجوا أعظم مقبرة جماعية فوق أرضها، كان بمستطاع سوريا الأسد، أن تصنع الكثير من أجل خلق ثلمة في جدر الحصار، الا أنها لم تفعل، بل واصلت لعبتها الانتهازية، واحتضنت كل أصناف وأنواع المعارضة العراقية، فقط من أجل اسقاط رجل واحد اسمه صدام حسين، وانْ كلّف الأمر حيوات ربع العراقيين. سوريا القومية طالبت العراق بزيادة النسبة الضريبية على مرور نفطه عبر أرض الشام، مباشرة بعد قرار العراق تأميم النفط، وبعد سنة من هذا الموقف المشين، وقعت حرب تشرين عام 1973 فأرسل العراق خيرة صنوف جيشه البطل، ليعين السوريين ضد الاسرائيليين، وليحمي دمشق من سقوط وشيك. سوريا الأسد رفضت كل مبادرة صلح مع العراق، اقترحها قوميون واسلاميون ويساريون، من أجل تخفيف الحمل عن ظهر البلاد المكسور بثقل الهمجية والدونية الأمريكية الحديثة. ثمة الكثير مما يمكن أن يقال ويكتب في باب الغصة تلك، وقد نعود اليها في مكتوب آخر وهذا أمرٌ هام، لكن ثمة أمر لا يقلّ أهمية عنه، وينبغي تمحيصه وتحميصه واجلاسه مجلس صدق معلن، تراه الرعية من دون غفلة أو خديعة ألكترونية معتبرة، ألا وهو أنّ العمائم واللحى المتهتكة التي كفّرت نظام الأسد، وأفتت بالجهاد في أرض الشام، تحت ذريعة طائفية سخيفة. زرتُ دمشق قبل خرابها سبع مرات، فوجدتها كما انولدت في مخّي أوّل مرة. سيدة أموية حلوة مذهلة، تمشي الهوينى، فتتعطر الدروب والحارات والحانات بزخّة ياسمين. ارتقيتُ جبل قاسيون، فوجدت المدللة دلال شمالي على وقفتها تجوّدْ من قاسيون أُطلُّ يا وطني، فأرى بغدادَ تعانقُ الشُهبا. ألسيدة دمشق حلوة وطيبة ومعطار، أينما حللت وتعلقت بأحد أذيالها، مثل طفل عيد مشاكس يتمرجح بعباءة أمٍّ رحوم. من سوق الحميدية وختمته جامع بني أمية الذي ان دخلته، فسوف تختلط في اذنيك، ترتيلات مقددة صحبة رقصة خيل وقعقعة صفاح بيض. في مقهى الروضة، حيث قعدة الكائن الرافديني الحميم لبيد أبو حالوب، بمستطاعك أن تبوس الشام من كلِّها، وتنسى أن ثمة تمثال متصخّر في الجوار، يرقبك بعنف. لم تكن دمشق شيعية، كما اكتشف الأوغاد بعد نومة أربعين سنة، ولا سنّية ولا مسيحية، وأزيد الظنّ أنّ دكتاتورها الداهية، لم يكن يريدها أن تصبح كذلك، وفضّل التسبيح والشغل وفق نظرية شعرة معاوية أول براغماتية متطورة في التاريخ الأجدد. أما نهير بردى، فلقد وجدت القوم والحاكم، يزقّونه بممصوصات ما تيسر من ماء فائض عند المبتعدات، كي لا تخرج روحه من خشمه. أمريكا التي لم تشبع من دماء العراقيين، تريد تحطيم الكرة الأرضية كلها، من أجل نظرية عنصرية حرامية قذرة نازية دونية شاذة أسمها الفوضى الخلاقة. بفوضى أمريكا القحبة، صار بمقدورنا أن نرى وحشاً على صورة بشر، يمثّل بجثة أخيه في الدين ونظيره في الخلق، فيُخرج قلبه ويأكله، متلذذاً بسحل واقعة وقعت وبادت قبل أربعة عشر قرناً. أمريكا واسرائيل تتطارحان الآن في مخدع المتعة، وترنّان الكأس بالكأس، في صحة حرب شيعية سنية أفتى بها، مقمّلون مقطّمون، ينام واحدهم فوق خزنة ذهب عملاقة، وعشيرة نساء. عربان يمنعون نساءهم من سياقة سيارة، وترشح لانتخابات، وقيادة عشرة رجال، ورعيتهم حرام عليها التظاهر والاعتراض على الحاكم، ووعاظهم تفتي بالجهاد في الشام، وتتفرّج على فلسطين الشهيدة المنكوبة. لا نقول هزلت وربّ الكعبة، لأنها خربانة من زمان. لعنة ألله ورسله وملائكته والبشر أجمعين، على النذلة أمريكا التي اذا دخلت بلدةً، أمرضتها وخرّبتها ونهبتها وأهانتها. اصحوا أيها الناس… اصحوا رجاءً.
AZP20
ALSO