مكاتيب عراقية ـ بقّتي الجميلة ـ علي السوداني

مكاتيب عراقية ـ بقّتي الجميلة ـ علي السوداني
أظنني أفتيت الاسبوع الفائت، بأنّ الوضع خطيرٌ في بلادي. سأضيف الليلة مقطوعة هامّة فوق قطعة الإسبوع البائد، وأفتي بأنّ الوضع جدُّ خطير. سيقول قائل منكم، أو كثرة كاثرة، أننا نشمّ من مفتتح مكتوبك هذا، رائحة خديعة لغوية تمشي على أربع. سأفهم الأمر وأقطع، وأبدّل وجهة المكتوب. وجهتي الجديدة تلبط الآن قدّام حكاية، أشتهي الليلة ثردها فوق مواعين الكلام المباح. ثمة بقّة حرمسة محرمسة تطنطن الآن على سور مائدتي. ألبقّة البعوضة لم تقترب منّي ولم تلسعني بعد، لكنّ طنينها الواضح على مبعدة شعرة من صيوان أذني، جعلني أحكّ ظهري، وأخمش خشمي، وأهلس تسع شعرات بيض من سمين لحيتي. ألحقّ هو أن لا رغبة لديّ في قتل تلك الطائرة المسكينة، والصحيح جداً هو أنني جاهدت كثيراً، لإرهابها بحركات عشوائية، وكنسها خارج سور مائدتي، لكنها عاندت وأصرت وألحّت، ولم تلتفت صوب عرضي الرحيم. هششتها سبعين مرة ومرة فلم أفلح. كانت تطير مبتعدة، وتلفّ وتصنع دائرة، ثم تهبط مثل صقر يحوم حول فريسة منتقاة، فتفوز بمصّة من دمي الفائر. فتّشتُ عن لغة تواصل مشتركة، أصل من خلالها إلى إقناع البقّة، بأنّ مائدتي الليلة، مفروشة بطيّب الطعام، وعذب الشراب، وما اشتهت الأنفس من البوارد والحوامض والموالح، وزجاجة شراب تعتّقتْ سنة في قبو أمّ رمزي الطيبة، حتى صار منقوعها المسحور، على فائدة ولذة وسلطان. يا بقّتي الصغيرة المغرورة، أرجو أن تعلمي أنّ بعبّي من الأحابيل والحيل والفخاخ، ما لا تقوين على مواجهته، فأنت صغيرة مسكينة عريانة، لا ساتر يقيك، ولا مصدّ رمل يحميك، فأحذري غضبتي وهي غضبة حليم صابر، واعلمي أنني إن استمكنتك في واحدة من سكناتك الحمقاء فوق الحائط، سأهوي عليك بكفّي الثقيلة التي لا تثنّي، فتكوني من بعدها أيتها المغفلة، من الخاسرات. لا تجعليني أقرط إصبعي نادماً، لأنني عفوت عنك قبل لحيظة من الآن، إذ كنت قاب حرفين من يميني. أنت ضعيفة وطائحة حظّ ومقاسك من مقاس عفطة ريح، وأنا قويّ جبار ذكيّ، أقوم على مائة وسيلة، أوّلها العفو عند التمكن والمقدرة، فخذي جناحيك والريح وما مصصت من دمي، وشفطت من زمني، واستغفري من فطرك وسوّاك وقوّمك على هذه الخلقة، وتذكّري أنّ لك أطفالاً تنطر، وزوجاً يسعل، وصباحاً قد يكون أسعد سعدين. إكسري ــ يا ابنة الحلال ــ شرّ الليلة، فليس في الجسم حيل على مرأى بقّة ضعيفة صغيرة خبلة، وهي تتفلّش على حائط الصبر الجميل. طيّب، ماذا لو شاركتِني مائدتي الموحشة، فكما ترين إلى صاحبها الدرويش، وحيداً غريباً مستوحشاً، يسوق كأسه وحده، مرة يشفطها ويكرّز الأصدقاء، وثانية يكرعها صرفاً، ويدخّن الأيام الساخمات. تعالي أيتها الحرمسة المبروكة المحظوظة. إدني منّي فأنا السند والمتكأ. سأعمّر لك كأساً طيبة، وسأغنّي لك ما تشائين وتشتهين. حنجرتي قوية جداً. أقوى من حنجرة صاحبي الحميم سعد السيلاوي. بمستطاعي أن أجوّد وأرتّل كلّ المقامات والسلالم والبسْتات والطقاطيق. إنْ كنت تنفرين من شمّة ضوع الخمر، فتعالي يا حلوتي، وانزرعي فوق وجنتي، ومصّي واحلبي ما تيسّر من بعض دمي. هذه خوخة غير معضوضة. ذوقيها ولن تندمي. إنْ صرت الآن على رغبة ملحاحة في أن تطمسي ساقيك بماعون الجاجيك، فسوف أكون ممتنّاً جداً لهذا الفعل الجميل. عندي الآن فكرة مذهلة. سأغني لك خلطة مسحورة، من شعر كامل العامري، وتنويح حسين نعمة، وملحون محمد جواد أمّوري. إنصتي إليّ صديقتي، لكن من دون بكاء
جاوبْني تدري الوكتْ، بو اته غفلاوي
موش انت نبعة عش ، بالحسن متغاوي
ليش المعاتب كَلِفْ.. والشو سكتاوي
ا وين أوَدّي الح ي، واتعاتب ويامنْ.
مرّن فخاتي الصبح، نشدنّي وين اهوايْ
سمعنّي لمةْ فرحْ، وَي مشيتك بهدايْ
ذبلان لبي اشكثر، وانت العطش والمايْ
ا وين أودّي الح ي، واتعاتب ويامنْ
AZP20
ALSO

مشاركة