مكاتيب عراقية: شخابيط من دفتر الكآبة
علي السوداني
لا جديد فوق أول وريقات روزنامة السنة. لست قلقاً من معمعة السنة الكبيسة، ولست مكترثاً بالتوقيت الشتوي أو التوقيت الصيفي. القطط تتعارك بشراسة، خارج الدار، من أجل اعادة انتاج حياة ممكنة. هو شهر شباط اللباط الذي ينام مرة علي ثمان وعشرين ليلة، ومرة علي ربع ليلة مضافة. معمعة حسابية فجة لزيادة فخاخ أسئلة نصف السنة، والانقضاض علي ما تبقي من أولاد شاطرين بدرس الدين. ثمة صعود ساحق في منسوب الكآبة، والمشاكل ” بنات عمّ ” كما سمعتها أول مرة، من أمي المبروكة التي أدمت ظهري، بليفة الخيش، وشحة الرغوة. سأكتب أي هراء كي أحشو هذه المساحة من فصل المقال. كبسة مطر وبرد وثلج، أثّثت ليالي الوحشة. شلت من التلفزيون، نشرة الأخبار المهينة، وبرنامج “أمكافش من الروس، آنه وزماني، عضّيته من علباه، عضني من اذاني” ويممت عينيّ، صوب برامج الطوبة والطبخ والنفخ والرقص والغناء، واعلانات مبهجة، عن نسوان حلوات مشعّات، واحدة استعملت شامبو مطروق بصفار البيض، فصار شعرها، أنعم من الحرير، وثانية رشّت أبطيها بعطر، فسحلت خلفها، سبعين وسيماً الي باب الدار، وثالثة كانت تعاني من قرقرة معيبة في معدتها، فاستعملت صنفاً جباراً من أصناف اللبن الرائب، الذي يذهب القرقرة، ويجعل قعودها لصق حبيبها، خال من العار أو الشنار. الاعلان الرابع كان يصور فتاة مزروعة كما وردة فواحة، بباب صيدلية. كان وجه الصبية، مشعاً بالثقة والعافية، وأسنانها مثل عقد لؤلؤ، واستدارة رقبتها العنقاء، مثل تلك التي موتت رياض أحمد، وخشمها، لا يطعنك بشعرة نافرة، وجسمها شطبة ريحان، وكانت تشيل بيمينها، شيشة دواء فخمة مثل قارورة عطر، ومن قوة التأثير، قمت بتدوين اسم ذلك الدواء السحري، فوق راحة يدي، وكم يحزنني أن ليس بمقدوري أن أبوح لكم ــ حبيباتي وأحبتي ــ باسم ذلك الشافي الوافي، خوفاً من أن يدمغني، ربع مليون واحد، ونصف مليون واحدة منكن، بجريرة التخابر مع معمل أدوية سامراء. أظن أن من مساوئ هذا الاعلان، هو أن نصف الأزواج المخلصين المحترمين، قد ناموا ليلتهم تلك، مانحين ظهورهم لزوجاتهم الطيبات، مستعيدين بشغف ساحق، منظر اليتيم عبد الحليم حافظ، في شريط ” الوسادة الخالية “. ليس من اشهارات كثيرة عن الرجال، باستثناء ذلك الاعلان الصاخب اللاهب الذي يظهر فيه، شاب رقيع، ملامحه توحي بأنه أرعن ابن أرعن، ووجهه مصبوغ بحيرة وبلبلة، وصفرة مستلة من أول مساء مقبرة، حتي قيّض له القدر، شاباً بعمره، يشيل فلّينة، ببطنها أربعة قوالب ثلج محطمة، يلبط تحته ــ تحت الثلج ــ، بطل يشبه بطل البيرة، وما هو ببيرة. بحركة تشبه تماماً، تلك التي صنعها المارد الرحيم المتبخر من بطن القمقم، أخرج الشاب المخلّص، الزجاجة من تحت أنقاض قوالب الثلج، وقدّمها، منداة مطقوقة، للشاب الحائر، وما هي الّا كرعة واحدة، حتي انخلع الأرعن من منبته، وطار سابحاً في سماوات الرب، وبين الراسيات العاليات، وناطحات السحاب المذهلات، وحيث حطّ علي الأرض الأم، كانت الزجاجة ما زالت محبوسة بيمينه، وكان وجهه عامراً بنور اليقين، وقلبه خال من كل وسواس، وثمة بنت حلوة، جرّتها الكاميرا من عمق المشهد. ابتسمت البنوتة بوجه الشاب الذي لم يعد أرعن، وزرعت شفتيها الممتلئتين، عند شحمة اذن الفتي، ووشوشته بجملة عظيمة خدرانة، أظنني سآتي عليها، في خاصرة الأسبوع الجاي. شكراً جداً!!
/2/2012 Issue 4128 – Date 21- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4128 – التاريخ 21/2/2012
AZP20
ALSO