مقبرة الغرباء – سامي ال كصاد
منذ أكثر من ثلاث عقود وشعبنا ينتابه الخوف والحرمان والبؤس لأسباب يعرفها الجميع منها اقتصادية وأمنية وسياسية وهذه الأسباب جعلت شريحة الشباب يفكرون بالهجرة أضطرارا بسبب ظروفهم الصعبة وتضاؤل أملهم بمستقبل أفضل . أن الحيف الذي وقع عليهم كبير وشعروا أنهم الأكثر تضررا ، لذا سعوا لحياة جديدة تنتشلهم من واقعهم المرير وهنا بدأت أفكارهم تتبلور وأصبح همهم الشاغل هو ترك الوطن والعيش في وطن يكفلهم ويؤمن لهم حياة كريمة .
فبدأت الهجرة الأولى في تسعينيات القرن الماضي والسبب الحصار الاقتصادي المفروض ، أما بعد 2003 فكانت الأقليات الدينية في طليعة المهاجرين لأسباب أمنية واستهدافهم بالمباشر من خلال تلقيهم رسائل ومكالمات تهديد، لذا كان حلمهم هو اللجوء والهجرة خوفا على أرواحهم قبل ممتلكاتهم .أضافة للفوضى التي تعيشها البلاد وتراجع المستوى الأمني والاقتصادي وغياب كل الحلول حينها .
لقد بدأت رحلة العراقيون للجوء، بالطرق الشرعية من خلال سفرهم للدول المجاورة للعراق أولا ، فأستغلوا تواجدهم هناك للعمل ومن ثم تقديمهم عبر مكاتب الأمم المتحدة للهجرة الى بلدان بعيدة عن العراق بآلاف
الأميال وهي استراليا وكندا والولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية وغيرها وكانت
الأجراءات تتطلب وقت طويل قد يصل لثلاث سنوات .
أن تأخير طلب اللجوء جعل الكثيرين منهم يفكرون بطرق غير شرعية ، مثل التهريب عن طريق تركيا الى اليونان ومن ثم الى بقية البلدان ، ويتم ذلك عن طريق البحر والبر وهذا الأمر فيه الكثير من الصعوبات والمخاطر بأرواح المهاجرين وعوائلهم وأطفالهم ، فلجأوا الى تلك المخاطر في سبيل تحقيق الحلم والمستقبل في المهجر .
وقد تحدث كثير من المهاجرين عن المخاطر التي واجهتم ، منها الغابات المترامية الأطراف والأنهار التي غرق فيها الكثيرون ، وشبح الموت الذي يطاردهم ، فقد فقدوا كثير من احبتهم بسبب الجوع والعطش بعد أن فقدوا بوصلتهم بتلك الغابات ، وبعضهم واجهوا قوات عسكرية على حدود تلك البلدان وقد بطشت بهم وأرجعتهم الى نقطة البداية . أما من سلك طريق البحر وخطورته ، فقد لجأوا الى ركوب القوارب المطاطية الصغيرة والتي لاتتحمل أعدادهم الكبيرة ، فتنتهي هذه الرحلات بالغرق، وقد دفن الكثير من العراقيين في مقبرة الغرباء في اليونان بعد غرقهم في بحر ايجه خلال رحلة اللجوء، وقد تحدث الكثير عن الآف الجثث لضحايا هذه القوارب التي أسموها قوارب الموت ، فقد ملئت المقابر التركية واليونانية بالعراقيين والسوريين ، اضافة الى الكثير من المفقودين اللذين لايعرف مصيرهم لحد الآن .
أن المانيا والسويد وفلندا والولايات المتحدة هم أكثر الدول التي استقبلت اللاجئين العراقيين ، أما بقية الدول فلديها ضوابط وتعليمات شديدة بالحد منهم ، ان العراق يشجع العودة الطوعية ، لكنه يرفض الترحيل القسري ، الذي تمارسه بعض الدول بحق اللاجئين العراقيين .
أن الحكومة العراقية تدخلت لحل مشكلة المهاجرين في بعض الدول ، لكن الخدمات لم تصل لمستوى الرقي الذي يرضي المهاجرين ،كون أعدادهم كبيرة ، والسفارات تواجه صعوبات بالوصول اليهم بالشكل السريع والمطلوب .
أن الكثير من اللاجئين لايرغبون بالعودة الى وطنهم رغم ظروفهم القاسية ، لأنهم يشعرون بالاحباط واليأس والضياع بسبب عدم أحتضان الدولة لهم وتوفير الحياة الحرة الكريمة وأبسط متطلباتها من مأكل ومسكن وعمل وتوظيف لأصحاب الشهادات كي نجني ثمارالقوة الكامنة لشبابنا ويصبح وطنهم قبلة لهم كي يعمروه بقدراتهم وحبهم لهذه الأرض .