نبض القلم
مقارنة واقعية بين تجارب إنسانية – طالب سعدون
الكهرباء بشقيها (الوطني) و(الأهلي) عادت من جديد لتتصدرالاهتمامات لتكون موضوعا خلال الايام الماضية في حراك الشعب والبرلمان والحكومة ووعودها لتحسين أداء (الوطنية) لترتفع بانتاجها وزيادة ساعات التجهيز في الصيف علها تخفف من معاناة المواطن مع (الاهلية) ..
لا ننكر أن هناك زيادة في الانتاج ، لكنه لا يسد الحاجة الفعلية للمنازل والشوارع والمكاتب والمصانع وخاصة في فصل الصيف لدولة مثل العراق بملايينها الاربعين ويزيد وبتاريخ ( كهربائي ) تتقدم به على الدول العربية بوضعها المعروف انذاك .. فهو اول بلد تدخله الكهرباء عام 1917 ثم تاسست فيما بعد محطة كهرباء الدورة في عهد الملك فيصل الثاني ..
سنوات طويلة والكهرباء تتصدر العناوين الرئيسة لتكون موضوعا في نشرات الاخبار والحراك الشعبي وأحاديث العراقيين واحلامهم التي تراجعت كثيرا ، فاصبحت أمنية الاماني عندهم أن يتمتعوا بساعات ( وطنية ) تناسب حرارة الصيف القوية والتخلص من المولدات الاهلية التي تثقل كاهل العائلة العراقية باجورها وسمومها وانتشارها وصخبها أمام البيوت وفي الشوارع والازقة الضيقة دون تحسب لاثارها البيئية واحتمالات الحرائق خاصة في الصيف .. لتلك الاسباب طالبنا كثيرا بابعاد المولدات الاهلية عن الازقة الضيقة ومن أمام البيوت لتكون في الساحات الكبيرة والشوارع الواسعة لتفادي الحوادث والحرائق التي سجلت ارتفاعا في احصاءات الجهات المعنية ، وتأمين راحة المواطن في بيته .
قضية الكهرباء لوحدها توكد بدون الحاجة الى إستطلاع أو إستبيان العجز عن تلبية حاجات المواطنين الاساسية في مقدمتها هذه الحاجة التي تعد عصب الحياة ، وعلاقتها بالتنمية والبناء و فرص العمل ونسبة البطالة ونسبة الفقر العالية لما لها من دور كبير في تشغيل المعامل والمزارع ومفاصل الاقتصاد المختلفة .. وأتساءل في كل مرة..هل ستأخذ قضية الكهرباء ، أوغيرها من القضايا التي تضغط على الشعب كل هذا الوقت والاموال والمعاناة من دولة الصين مثلا التي شهدت في خمسينيات القرن الماضي ما عرف بانه أسوا المجاعات في التاريخ الانساني أو من اليابان – التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مهزومة ، مثخنة بالجراح ؟ … وهل تأخذ من مصر وهي الدولة العربية المعروفة بكثافتها السكانية العالية ومواردها المحدودة مثل هذه المدة والتكاليف والمعاناة ..؟ وهذه ( موريتانيا ) مثال أخر فقد دشنت محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية النظيفة بكلفة عشرين مليون دولار فقط … ومهما كانت القدرة لهذه المحطة او الكلفة ، لكنها تعالج قضية مهمة في حياة المواطن وتناسب الحالة ، وهو مبلغ بسيط لا يشكل شيئا تجاه ايرادات النفط العالية لدولة نفطية مثلا .
تلك حالات أشرت اليها لغرض المقارنة والاستدلال بها على قدرة الانسان على تجاوز الظروف الصعبة .. فهناك دول مرت بظروف أصعب من ظروفنا وليست لها تلك الثروة التي نمتلكها واستطاعت خلال مدة قصيرة عبور الازمة والتربع على القمة في الانجاز ..
التجارب الانسانية تظهر الفوارق بين البشرودور النخب السياسية في تحقيق إنجازات تعبر بها الازمة لتستقر في القمة .. فهناك تجارب جعلت النخب السياسية من الهزيمة درسا تتعلم منه كيف تخدم شعبها – وهي تبدأ من الصفر – ليكون هو الثروة ، عندما يكون هو استثمارها الأمثل ، وتكون السلطة ليست هدفا لذاتها ، أو ( مشروعا شخصيا للاثراء ) ، أو( مغانم ) تتزاحم عليها الاحزاب ، وانما أداة للتغيير، وعبور الهزيمة وبناء الانسان بالانموذج الذي تقدمه في تحقيق الهدف ، في حين هناك تجارب قد تكون الثروة ضارة ومخربة للبلاد ، وبدلا من أن تدفع حياة الانسان الى الافضل تجعلها تتراجع الى الوراء عندما لا تستثمر الاستثمار الافضل ، وفي المكان الصحيح…
وبينما ينشغل العراق ببرمجة الكهرباء وساعات التجهيز تطالعنا الصين بانجاز كبير وقصة تطور عظيمة جديدة بابتكارشمس صناعية تفوق حرارتها 160 مليون درجة مئوية ، أي ما يعادل عشرة أضعاف حرارة الشمس الطبيعية لانتاج كميات هائلة من الطاقة باستخدام الطاقة النووية المتقدمة .. وبذلك تكون الصين قد حققت انجازا نوويا يسجل لها تقترب به من هدف انتاج طاقة نظيفة غير محدودة بتقليد عملية الاندماج النووي التي تستخدمها الشمس الحقيقية ، وهي انجاز نووي كبير يمكن للصين به ان تنقذ الارض من عملية تغير المناخ .
اين نحن من ذلك ..؟؟ وما قيمة الثروة والنفط ان لم يحققا مثل هذه الانجازات الكبيرة ..
لا يشكل احتياطي العملة الصعبة في البنوك المركزية لدول نفطية بعد ارتفاع اسعار النفط شيئا عندما تقارنها بارباح شركات فردية عالمية عملاقة فأرباح شركة سامسونج على سبيل المثال بلغت في عام واحد 327 ملياردولار … فيما بلغ ربح ( بل غيتس ) مؤسس شركة ما يكروسوفت 226 دولارا في الثانية …
فكم من السنين نحتاجها نحن أو غيرنا من الدول النفطية العملاقة في الانتاج لجمع هذا المبلغ الكبير؟ !! ..
ليس المهم بأن تملك أموالا أو ثروات طبيعية ، بل الاهم هو مدى إستفادتك مما تملك في تطوير حياتك ، وسد حاجاتك … فما قيمة أن تصنف دولة ما ، بأنها من الدول التي تملك ثروات طبيعية كثيرة وغنية تقدر بالمليارات والترليونات من الدولارات ، فيما يشير واقع الحال الى تخلف مريع وتدني في مختلف مجالات الحياة ، ونسب فقر عالية لا تتناسب مع تلك الثروات .
اليابان إستطاعت في أقل من خمسين عاما أن تتصدر العالم بالتكنولوجيا والاتصالات ، وتحصل منها على أضعاف أضعاف ثروة البترول في دول كثيرة ، ويكون ربح شخص واحد ، أو شركة واحدة في الاتصالات على سبيل المثال أكثر من عائد عدة دول بترولية مجتمعة …
والصين تمكنت في أقل من سبعين عاما أن تكون معجزة اقتصادية ليس في العالم فقط بل في التاريخ .. وها هي تحث الخطى وتسابق الزمن لكي تتقدم وتسعى لتقفز من المرتبة الثانية لتكون القوة الاولى اقتصاديا على العالم كما هو متوقع لها …
تجارب كثيرة مهمة تظهر قيمة الثروة ودور الانسان وقدرته على البناء ، وانه ليس هناك مستحيل أمام ارادته .. وان الاوطان لا تبنى بالنفط وحده ..
أين موقع ثروتنا ودور انساننا منها ..؟
وهل بنى النفط لنا تجربة خاصة في التطور أم كان سببا في التراجع والفساد واطماع الاجنبي واحتلاله لارضنا ..؟
– الواقع يجيب ..
{ { { {
كلام مفيد :
(إن اكرمكم عند الله أتقاكم) … هذا هو مقياس التفاضل بين البشر عند الله سبحانه وتعالى ، وليس أقواكم ، أو أغناكم …