نصّ سردي
مغالطة
مهدي علي ازبيِّن
أجساد يافعة تتراكض ، تتابع الكرة باندفاعات غير متناسقة . الحكم يتوسّطهم ، يطلق صافرة تتحكم بأقدام اللاعبين في ساحة تسيّجها أشباح ناتئة لجمهور تلاعب الغبار بسحناتهم .
ينثلم السياج الشبحي ، تنسرب الأجساد ، تتلملم عند طرف الحيّ ببيوته المتناثرة ، يتبعهم المتبارون و هم في حمّى التنافس ، يتكاثرون ، يتحلّقون حول نقطة ، و صافرة الحكم تخربش في الجوّ الكالح ، تلاحق الأسماع المتباعدة ، تلفظ أنفاسها وهي ترى حاملها يتقافز ، يشقّ سحب الغبار الراكض خلف الكتل البشرية .
بدنه الغضّ يتغلغل في غابة الأرجل ليصل إلى مركز الدائرة ، رائحة العرق الممزوج بذرات الهواء يفتّق غدد الدمع في عينيه . من خلال الأغصان البشرية و السيقان يخالس نظره هيكل امرأة عجوز يجلّلها صمت وقور وعباءة خلقة ، تتناثر حولها قطع ملابس و أوانٍ عركها الزمن ، تتنكّب ركبتيها ، دمعتان تتسابقان ، تقتفيان آثارًا تركتها السنون على صفحتي خديها ، ينوس لسانها
– سامحك الله
تتداخل أدوات الاستفهام مع التعجّب ، الزعيق ينازع الهمس ؛ فيشغلان مستويات متعددة .
– أنزلها أحدهم من سيارة وقحة ، ورمى أغراضها
تقدح عيناه ، يتناوب مشطا قدميه الحافيتين ضرب الأرض بخطوات لاهثة ، نعلاه كفّان بيديه ، يتبادلان التقدم و الرجوع . ينطلق الناي من حنجرته في باحة الدار ، لتخرس ضلفة الباب الموارب و هي ترتجّ .
– هناك عجوز رماها ولدها مع أغراضها.
يطبق الليل نوافذه على نهار وجه الأب ، عقب سيجارة يغادر شفتين متوثّبتين ، يُلقى على الأرض ، يهرسه نعل ثقيل . ينطلق صوت متخّشب موشّى بالدخان
– اِهرعوا ولدي ..واِجلبوها
تقرقع أطباق و أغطية الأواني المعدنية .. يرافقها صوت امراة
– غرفتنا لا تسع شخصًا آخر .
تتطاير قطع الخشب المتكسّر . فيستكين وقع المعادن .
– لنجلبها ونرى .
ترقب الشمس الصبا و الشباب ، أربعة سيقان تخوض في ذؤابات النور المغبرّ ، تحمرّ وجنتاها ، تنزل خلف البيوت ، تتلبّس نقاب الأفق ، تسحب آخر خيوط الضوء .
يصلان ساحة اللعب و الأنحاء يتوسّدها الفراغ ، الغابة البشرية حطّبها فأس الظلام حزمًا متوزّعةً على علب البيوت . يستقطبان ردودًا لتكتم سؤالاً واحدًا
– اِلتقطها أحدهم في سيارة .
تتوهّج السيجارة بالآم احتراق تبغها بين السبابة و الوسطى ، أضلاعها تتخسّف ، تمصّها شفتان ، نتفثها دخانًا يتكاثف حسراتٍ أمام سحنة علّقها تعاقب الأيام على شمّاعة الصامة ، مزروعة على باب سياج تعِب .تتوضّح ملامح شبحين فينفر لسن قلق.
– أينها ؟
فيهرب الجواب من الشفاه البريئة ، ويطبق على حافة السؤال .
– سبقنا أحدهم .. و اختطفها .
تتراشق الحروف ، تتلاوى / تنفرش- تتوازى خطوط أجراسها ، تلج الدار ، تخفت ، تخفيها الجدران و الدخان يلفّ … يلفّ ، ويتبدّد .