معنى أول رئيس مدني لمصر
فاتح عبدالسلام
ما يحدث في مصر من تحولات لا تأتي أهميتها من زاوية واحدة مهما كانت مهمة وخطيرة. والزاوية التي تبدو الأكثر أهمية هي انتصار الاختيار المباشر الحر لرئيس أكبر دولة عربية، الى جانب صعود نجم حركة الاخوان المسلمين التي لم تزل غير معترف ومرخص لها بالعمل في مصر ذاتها بعد ثمانين سنة من الكفاح من اجل الوصول إلى السلطة.
حيث إنَّ الدكتور محمد مرسي هو أول رئيس ذو خلفية مدنية في رئاسة جمهورية مصر التي حكمها أربع رؤساء عسكريون في عهد ما بعد الملكية، وكانوا محمد نجيب وجمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك على التوالي.
وبذلك تكون القطيعة الأولى مع حكم العسكر قد تمت في مصر التي لم تعرف حكماً سواه.
لكن ذلك ليس أمراً متناقضاً مع بنية وهيكلية الدولة المصرية التي كانت تحت حكم العسكر طوال ستة عقود. حيث جاء الاعلان الدستوري المكمل ليجعل المجلس العسكري الأعلى في مصر محتفظاً بصلاحيات القائد العام للقوات المسلحة ذلك المنصب الذي لن يكون لرئيس الجمهورية المنتخب الاّ إذا أقرّه مستقبلاً الدستور المصري الجديد. كما تمَّ الاحتفاظ لصالح المجلس العسكري بصلاحية اعلان الحرب التي كانت على وفق دستور مصر الصادر 1971 من صلاحية رئيس الجمهورية بالتشاور مع مجلس الشعب المصري.
فضلاً عن ان الرئيس الجديد سيبقى محتفظاً بهواجسه ازاء احتفاظ المجلس العسكري بحق نقض اي بند في مشروع الدستور المقبل لا يتفق مع المصالح العليا لمصر على صعيد الأمن والجيش والدولة عامة. وهو بند ربّما سيكون مفتاح القوة لدى المجلس العسكري الأعلى ليضبط أية نصوص دستورية مقبلة تريد تغيير الهوية المدنية للدولة المصرية وهو العنصر الأكثر اثارة لهواجس الخوف من انكفاء دور مصر وبرامج حياتها الاجتماعية وعلاقتها مع العالم.
الرئيس الجديد فائز بقوة ثلاثة عشر مليون صوت من 51 مليون ناخب لم يشترك منهم في التصويت سوى 26 مليون ناخب، اي انَّ هناك 37 مليون ناخب مصري لم يصوتوا لمرسي فعلاً، أو لم يرغبوا بالذهاب إلى الانتخابات أصلاً. وهذه مسؤولية جسيمة أمام الرئيس المنتخب ليثبت انه رئيساً لجميع المصريين كما تعهد في خطاب ما بعد الفوز في ظل احتمال قيام معارضة قوية يرجح أن لا تكون صبورة على الرئيس الجديد في استيعاب واقع مصر المتداعي منذ ما يزيد على سنة ونصف السنة من عمر الثورة المباركة بدماء الشهداء.
لقد جرت مبالغات كثيرة في تخويف الناس من حكم الإخوان المسلمين، وهي مبالغات ليست في محلها لأنَّ مصر اليوم لا يحكمها رئيس بلا هيئات ومؤسسات كما كانت في عهد قامع نهضة مصر والمسيء الى سمعتها العربية حسني مبارك.
من التعسف النظر الى مشروع الدكتور مرسي من زاوية دينية أو اسلامية، فهو أمام مسؤولية حضارية مدنية تعامل معها مبكراً من خلال الانتخابات ذلك الشرط الأساس في الحياة المدنية وليس الدينية، وأمامه شروط أخرى لتحقيق هوية مصر الحقيقية المستقلة.
/6/2012 Issue 4235 – Date 26 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4235 التاريخ 26»6»2012
AZP20