معركة الهوية والأرض – جاسم مراد

 معركة الهوية والأرض – جاسم مراد

بعد 70عاما من الاحتلال والتهويد والممارسات العنصرية الصهيونية ، لم تستطيع إسرائيل طمس هوية العرب الفلسطينيون في مدن عكا وحيفا ويافا والناصرة والرملة ، فالمعركة كانت واحدة من غزة البطلة الى القدس وأم الفحم ونابلس ورام الله وكل الأرض الفلسطينية ، فمثلما تقدم غزة بغزارة الشهداء ، مثلها القدس تقدم الشهداء وعكا المدينة التاريخية الفلسطينية تتقدم في مواجهة العنصريين الصهاينة والشرطة مما دفع بأحد المسؤولين الإسرائيليين الطلب من الجيش التدخل . وبذلك كان مصيباً الشهيد ياسر عرفات أبو عمار عندما قال هذا شعب الجبارين تهتز الجبال ولم يهتز .

المقاومة المسلحة في غزة تجاوزت كل حسابات المخططين والعسكريين الإسرائيليين ، عندما اطلقت  حركة حماس صاروخا بمدى  250كيلو مترا  على مطار ريمون  وهو من المطارات العسكرية المهمة  ومئات الصواريخ الأخرى التي غطت معظم خارطة فلسطين المحتلة بما فيها تل ابيب التي عجزت معظم الأنظمة العربية تهديدها ، بل راح البعض متوسلا خانعاً .

هي بالتحديد معركة الهوية والأرض والوجود ، فبعد قرن من المؤامرات وتغييب الحقوق ، توحدت الإرادة الفلسطينية في داخل الأرض المحتلة عام 1948 مع شعب الضفة الغربية المحتلة عام 1967 ومع غزة التي طردت       بمعاركها الثورية المتواصلة الوجود الإسرائيلي وهي الان تتقدم الصفوف في أروع معارك التحرر الوطني والانتصار للقدس الشريف والاقصى ومركز نهوض رسالة السيد المسيح في كنيسة القيامة ، إنها ارض مباركة برسالات الرسل والانبياء ومباركة بالتاريخ والحضور الكوني  والإنساني ، وما يدعوه دهاقنة الصهاينة من ارث في حائط المبكى ما هو الا هرطقـات لا فكار مزعومة .+

معظم شعوب أوروبا والولايات المتحدة الامريكية انتصرت للقدس وشجبت بدراية ووعي محاولات إسرائيل ترحيل أبناء الشيخ جراح من منازلهم واسكان العنصريين الصهاينة مكانهم . كما إن هذه الشعوب عبرت عن تضامنها مع شعب القدس لبسالته وشجاعته في التصدي للمستوطنين وقوات الاحتلال بصدور عارية .

المعركة الدائرة بين الشعب والمقاومة الباسلة من جهة وحكومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي من الجهة المقابلة ، اسقطت اسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وأكدت لكل من فكر ويفكر بأن إسرائيل يمكنها أن تشكل قوة دعم له ، فهذه المقاومة والهبة الشعبية في مناطق فلسطين اكدت بأن هذا الكيان أضعف في مواجهة ثورة الشعب ، أما إذا تحرك محور المقاومة فيقيناً إن الكثير من المعادلات ستتغير .

لقد كان الموقف العربي الرسمي دون أن يعبر عن مواقف شعوب المنطقة وهذا التناقض بين الموقفين يشكل في المرحلة المقبلة خاصة إذا ما اشتدت المعارك الى حالات من التصادم ، والمؤسف إن الأنظمة لم تعد لديها ما يبرر مواقفها الراهنة من القضية الفلسطينية وهذا يشير الى حالة التداعيات لتلك الأنظمة ، فهي قد فقدت بوصلة عروبتها ، واصبح الاستسلام لمشورات جهلة ومراهقي واشنطن مسألة تعبر عن حالة الضعف والخواء لقادة أمة  شكلت عبر التاريخ قواعد النهوض للبشرية .

مئات الشهداء والاف الجرحى جلهم من الأطفال والنساء وتدمير عشرات المنازل والمراكز السكنية للمحتاجين ، يعبر هذا عن حالتين واضحتين الأولى افلاس العدو في وقف الصواريخ المقاومة فلجأ الى هذا التمير الشامل لمساكن المواطنين ، والثانية لقد افزعه التضامن الشعبي مع المقاومة من اللد الى الناصرة ومن القدس الى نابلس ورام الله ومن حيفا ويــافا وعكا الى غزة .

هذا التطور في النضال الفلسطيني ، وهذا التماسك والتلاحم الشعبي يؤكدان بأنه لم يعد أمام الكيان الإسرائيلي وواشنطن سوى الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

ثمة مسألة أساسية يجب أن يعرفها ساسة واشنطن وتل ابيب ،  بأن المقدسات الدينية لا يمكن القبول المساس بها مطلقا ، فالقدس وشوارعها العتيقة مزروعة في عقول وافئدة الشعب ، فهو مستعد للمواجهة المستمرة مع الصهاينة إذا ما تم المساس بها ، وقد لاحظ العالم كله كيف تمترس الفلسطينيون بقدسهم وباب الشيخ جراح والأماكن المقدسة المسيحية الأخرى ، وكيف دخل وصلى الالاف في الحرم القدسي رغم الإرهاب الصهيوني المفرط ، إنها بحق ملحمة كبرى أفاقت النائمين من القيادات الرسمية العربية  وجعلت من المطبعين في وضع لا يحسد عليه ، فمن منهم يستطيع المشي في الحرم القدسي أو الشوارع العتيقة للمدينة المقدسة دون أن يكون محميا بالمخابرات والجيش الصهيوني ، هم عرب لكنهم لا يستطيعون المشي في الأسواق العربية ، ومن هنا الحليم تكفيه الإشارة .

اثبت التاريخ بأن الشعوب لا يمكن أن تتساهل بحقوقها في الأرض والهوية ، وتقادم الزمن يترتب علية تفاعلات وطنية شعبية اكبر ، وهذا الذي يجري في فلسطين يثبت هذه الحقائق ، فبمرور 100 عام على الكفاح الفلسطيني بات يتجدد واحتلال عكا ويافا وحيفا والرملة منذ عام 1948 لم يمنع التحاقها بنضال المقدسيين ، فتوحد الشعب في معركة الهوية والأرض ، وهذا ما أصاب الصهاينة بمقتل ، ومن هنا على دول العالم وبالخصوص واشنطن أن تدرس إن توزيع  الأرض والمدن في القدس والجولان السوري المحتل كهدية للكيان الصهيوني ما هو إلا إضافة الكره والعداوة لأمريكا وستبقى لأهلها واوطانها ، فهل يستطيع أياً كان أن يعطي نيويورك للمكسيك ، إن هذا التصرف بحق يعبر عن مدى الاسفاف بالعقلية الامريكية الحاكمة ويجسد بشكل واضح عن عدم احترامها للحضور الرسمي العربي ..

إنها المعركة الدائمة حتى لو تم تسوية الموقف الراهن من الصراع ، فبوابات الصراع ستستمر مفتوحة وليس مستبعد في المراحل اللاحقة أن تكون عبر جبهتين جبهة محور المقاومة وجبهة الكيان الصهيوني ومن معه ، حتى تنجز الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

مشاركة