معرض تشكيلي لسيروان باران بمراكش
ذاكرة عراقية وميثولوجيا كردية
فيصل عبد الحسن
أفتتح في مراكش مؤخراً معرض الفنان العراقي التشكيلي سيروان باران، وقد تميز هذا المعرض عن معارضه السابقة، بكونه ضم أعمالأً نحتية ورسوماً تشكيلية مهمة.
أطلع عليها الجمهور المغربي بكثير من المحبة والتقدير، لهذا الفنان القادم من كردستان العراق حاملاً معه ميثلوجيا كاملة لقومية يعتز بها العراقيون والعرب جميعاً.
المعرض الأخير للفنان سيروان باران أفتتح برواق ماتيس وسط مراكش، وضم أربعاً وثلاثين لوحة تشكيلية بمختلف الأحجام ومنحوتتين وعملاً من نوع أرت بوك.
وقد تميزت منحوتات المعرض في صب الفنان لها من معادن متنوعة، وقد ادهش الجمهور منظر قدم إحدى المنحوتتين، التي نحتت من مادة الذهب الخالص عيار 21 وبوزن 43 غرام مع الريزنة واستخدام مادة نفيسة، كالذهب، وهي شائعة الأستخدام في منحوتات وادي الرافدين الآثرية.
ميثلوجيا الأكراد
والفنان سيروان باران من مواليد بغداد 1968، وقد حصل على بكالوريوس فنون جميلة من جامعة بابل، وهو عضو نقابة الفنانين العراقيين وعضو جمعية التشكيليين العراقية، وعضو اللجنة الوطنية للفنون التشكيلية، و عضو الرابطة الدولية المعروفة AIAP” ” .
ولقد ضم معرضه الآخير بمراكش لوحات بأحجام كبيرة تراوحت بين 2 متر في 1.75 متر، ومتر في 0.75 متر، كما ضم لوحة من نوع أرت بوك ضمنها ما يشبه اليوميات بالرسم التشكيلي، لما رآه وأنعكس على وعيه الفني من أشكال الأستعراض الأنتخابي الكاذب.
ان الخيالات الموجوعة بالأحداث التي مرت على العراق وأهله تبدو واضحة في مختلف أعمال هذا الفنان، فالمأساة تطل من لوحاته، التي تشع باللون الأزرق، وقد ضمت معارض سابقة للفنان من قبل لوحات تستعرض الحياة في كردستان، وتسجل ميثلوجيا القومية الكردية، حرفهم وفولكلورهم، وطبيعة أرضهم الساحرة.
وكانت معظم تلك اللوحات أنطباعية وواقعية، وتقترب بألوانها وطريقة تناول الفنان فيها لموضوعاته للتعبير عن فرحه بالحياة واحتفاله بها بطريقته الخاصة.
تفكيك المرئيات
وقد كتب عنه الناقد الفني فريد زاهي في التقديم للمعرض الأخير، واصفاً أياه بالفنان المتفرد بتفكيك المرئيات وإعادة تركيبها أن سيروان باران يملك فتنة ساحرة وخفية في أعماله.
إنه إحساس يغامر بالمأساوي المركب، ودهشة تتلعثم أمام التشوه الفائق للكائن، وفتنة لا تقاوم أمام الغيرية التي تسكننا وتنزع عنا شخصيتنا كي تحولنا إلى قناع.
إنه قناع الوجود الذي يتحول إلى جوهر للمظهر وظاهر للباطن، وهكذا فإن فن التشخيص والتجسيم لدى باران يغدو فن افتكاك التشخيص، والتشويه الجذري للمرئي والمعيش وتجريده من لبوسه الخلْقي والخُلقي.
وهو بذلك إعادة تركيب للمرئي، الذي يساميه كي يسبر فيه تلك الشذرات الخفية التي تصوغ المظهري والحضوري وتعيد صياغتهما، لقد قدم الفنان باران في معرضه الاخير تجربة تعبيرية تجريدية خيالية حيوية تقوده إلى تخوم الهوية الإنسانية والذاتية والجسدية.
يدخل الجسد الحلبة التشكيلية باعتباره مساحة لا أطراف ولا ملامح، هلامية مثل جسد متخلق منذور لعشق يجعله يصل لحظة الوجد التي تفقده هويته البشرية. يتبدى باران مسافراً بين شذرات الجسد وحواسه وأعضائه.
يقوم بذلك من خلال الانزلاقات، ويأخذ وقته كي يسبر كل عضو على حدة الوجه والأذن ثم اليد كي يحدد فيها بصماتها ورمزيتها.
كلاب وذئاب
أما لوحات المعرض الآخير فقد أتسمت بأنها تجريدية، واخرى أنطباعية معاصرة تمزج بين التجريد والتشكيل غير الكامل للمخلوقات والحيوانات، التي أختارها في لوحاته.
وكان للكلب والذئب حصة الأسد، في لوحات المعرض، لطرح النموذج المتوحش للديمقراطية الوافدة عبر صناديق الأقتراع المزّورة رسماً، والذي أبتليت بها بلدان الشرق الأوسط.
ففي لوحة كبيرة ومهمة في المعرض غلب عليها لون الحزن الأزرق نرى من يهمس بأذن مواطنة، ما أن عليها أن تدرج أسماً محدداً في ورقة الأنتخاب، وإلى جواره ينتصب كلب أو ذئب فاغراً خطمه المرعب، كاشفاً عن أسنان مدببة، لتهديد المواطنة بضرورة حسم أختيارها بما يريده صاحب الذئب.
وفي لوحة أخرى غلب عليها اللون الأزرق أيضاً، نجد الكلاب أو الذئاب قد أنشبت أنيابها في المواطن الذي أدى دوره وأنتخب من يراه مناسباً، على عكس رغبة الأقوياء .
وفي لوحة أخرى يستحوذ على صندوق الأقتراع صاحب الكلب المتوحش، الذي يبدو في هذه اللوحة، وقد تحول إلى أسد مستنفر، يقود خطى صاحب الصندوق، ويفسح له الطريق للتقدم إلى الإمام.
الفنان التشكيلي العراقي سيروان باران عرض بمراكش لوحات لصناديق الأقتراع المحروسة بالذئاب، وأمتع المشاهدين برؤية فنية متكاملة بين النحت والرسم التشكيلي والرؤية السياسية الواضحة عما يحدث في ساحاتنا من خداع للناس البسطاء، بدعاوى الديمقراطية والأنتخابات.
بينما تجري الأنتخابات في العادة بطريقة جمع الناس بسيارات الحمل من مزارعهم، وقراهم البعيدة، الفقيرة والمحرومة بالأغراء والتهديد أو بدعاوى المذهبية، والقومية، والطائفية والعشائرية، ليجددوا للمسؤولين الفاسدين أنتخابهم.
ثيمة صناديق الأقتراع
لقد عمل الفنان سيروان في معرضه المراكشي على ثيمة رئيسية تناولت صناديق الأنتخابات كمظهر من مظاهر الديمقراطية الجديدة في بلداننا.
وقد كانت فرشاة الرسام سيروان التي رسم بها لوحاته أشد من عشرات الأقلام الناقدة لهذا المظهر المزيف في ديمقراطياتنا الوليدة من خضم الدكتاتوريات والتوريث والحكم القبلي والطائفي.
لقد أحاط بالظاهرة من جميع جوانبها، بإبداعه الفني المختلف من لوحة إلى أخرى سواء بالاكريليك على الكانفاس أوبالحبر على الورق، أو بنحت الأشكال الشائهة، التي ذكرت الجمهور في وجه من وجوهها بعجل السامري الذهبي.
العجل المنحوت من الذهب الخالص، الذي خدع به السامري اليهود، وأخبرهم أنه ربهم، وعليهم عبادته بدل إله موسى على نبينا محمد وآله وعليه الصلاة والسلام.
فأستجاب لدعوة السامري معظم اليهود ووقعوا في الإشراك بالله تعالى، والقصة معروفة كما جاءت في القرآن الكريم بقول الله تعالى
وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِى من آية83 إلى آية 88 سورة طه
وهنا يداخل الفنان سيروان باران صندوق الأقتراع الأنتخابي بهذه القصة القرآنية الكريمة، معتبراً الصندوق هو العجل الجديد، الذي يضل به الأقوياء الضعفاء في أوطاننا، لقد ذَكَرَ المعرض الجمهور المركشي بضلالات السامري.
AZP09