معرض المغربي عبد الله أوشاكور
عودة الروح للفنان في تافراوت
فيصل عبد الحسن
الرباط
أُفتتح معرض الفنان عبدالله أوشاكورفي قاعة النادرة وسط مدينة الرباط قبل أيام قليلة بمناسبة ليلة الأروقة.
وما ان تقلب النظر في أكثر من 60 لوحة، التي عرضها الفنان في النادرة إلا وتجد في فرشاة الفنان عبد الله أوشكور الوفاء لأهله، وما حفظه في صدره عن أسواقهم، سحنات وجوههم، مواسم أعراسهم، ودروس صبيانهم للقرآن الكريم في زوايا الجوامع.
وتسمع آذان المغرب يصدح من منائر المدينة، المنائر التي تراها بعينيك في لوحاته، وتسمع صوت مؤذنها بقلبك، وهو يؤذن ” الله أكبر .. الله أكبر “، وترى في إحدى لوحاته المصلين، وهم يتقاطرون بأتجاه الجامع بجلاليبهم البيض الصوفية، وفوق رؤوسهم قببها المخروطية.
الجامع في الكثير من لوحات الفنان يبدو شامخاً من خلال مأذنته المرتفعة، والفنان أوشكور يتميز برسم الجوامع بهذه الطريقة المبتكرة، لأنه يريد أن يقول في كل لوحة ” أن الله أكبر من كل شيء” وأنه معنا أينما ذهبنا في أنحاء المدينة أو إلى خارجها، إن ذهبنا إلى أمريكا أو إلى كل بقاع العالم الأخرى، فنحن تحت رحمته سبحانه وتعالى.
حكايات الجنوب النائم
لوحات أنطباعية وتجريدية نقلت بألوان ساخنة مشاعر الفنان أتجاه مدينته تافراوت، فمرة نراها وقد غلب على اللوحة اللون البني، وأتشحت الجبال المطلة على المدينة بالبياض الداكن، وبدت المدينة واقعة تحت رحمة الجبل والصخور البُنية اللون في مشهد تراجيدي لا يتكرر.
لقد تشبعت لوحات المعرض بروح الحميمية لما نقلته عيناه المُحبتان لمدينته من خلال فرشاته من مشاعر وأحساسات، فقد جملت الغربة، وسنوات الحنين لمسقط الرأس ما اختزنته ذاكرته عن المغرب وأهل ميدنته.
فقد بدا مرتادو الأسواق الشعبية في لوحاته، وكأنهم أشباح يؤدون واجباً ملقى على عواتقهم لتأثيث اللوحة فقط، وتسيد المكان جميع فضاءات اللوحات المعروضة.
وحتى أشكال الشيوخ الثلاثة الجالسين، الذين لم تظهر وجوههم في اللوحة، وبدت ظهورهم فقط، ورؤوسهم المعممة بعمامات أهل تافراوت، وقد أنشغلوا في البحث في أمر خطر أو عن خلاص لأوضاعهم المزرية التي يعيشونها، وهم ينظرون إلى ضوء بعيد بدا كالسراب للرائي.
وهيمن الزي المغربي على كامل فضاء اللوحة، وفي لوحة أخرى لمدينة الفنان الجنوبية يطل عليها الناظر من خلال بوابة أثرية، ومن خلالها يغمس الرسام فرشاته بألوان الأرض لينقل لنا عبر الضوء والظل، حكايات الجنوب النائم على أرث السنين والعادات والتقاليد.
جمال الصورة
أول معارض الفنان عبد الله أوشاكور كانت من خلال معرض جماعي في مدينة مراكش عام 1996 وتوالت معارضه الجماعية والفردية بعد ذلك، في الرباط عام 1998 وفي تطوان 1999.
وأشترك في معرض جماعي عام 2001 في أمريكا في كاليري” Art a Whirl Neaama . Mn. ” بعد مغادرته الوطن للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتوالت بعد ذلك معارضه في الولايات المتحدة الأمريكية إلى عشرة معارض، أثنان منها معارض فردية وثمانية معارض جماعية، كان أخرها فردياً في كاليري “Pangaa World Theater. Mn. USA ” عام 2012.
الفنان عبد الله أوشاكور بعد رحلة عمر طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية قضاها في الدراسة خلال الفترة” 2000 ـــ 2005 ” في كلية للفنون الجميلة والتصميم في ولاية مينيسوتا بأمريكا هي” Fine Art. Minneapolis College of Art and Design. Mn. USA ” وحصل على بكالوريوس منها.
وعمل هناك بعد ذلك لعدة سنوات، لا يزال ذلك الطفل الذي أدهشته الصور الفوتغرافية التي رآها لأول مرة في أستوديو أفتتح في مدينته الجنوبية تافراوت في السبعينيات، وشاء الله تعالى له أن يتأمل لأول مرة جمال الصورة، وما تخلف في داخله من مشاعر وأحساسات عميقة لم يألفها من قبل.
ولا تزال رغبة الفنان أوشاكور جامحة بتسجيل لحظات أبدية لمدينته وهي تعانق السماء، ويطل من فوق بيوتاتها الحجرية الجبل بشموخه، وصخوره الناتئة، العصية على المتسلقين، لشدة أنحدارها.
وتبدو المدينة تحته، كالصقر فوق عصفور صغير، وأن تبدو ظلاله المهيمنة فوق المدينة، التي بدت بيوتها، وكأنما شُيدّت للّعب الأطفال.
عودة الروح
يقول الفنان عبد الله أوشاكور في بوستر معرضه بالنادرة، أنه دهش حين رأى بلده بعد غيابه الطويل، ودهشته نابعة، مما رآه من نهضة فنية ملفتة للنظر، ومن التغيير في الكثير من مفردات الحياة، و منها ما تغير في نظرالجمهور للفن التشكيلي، وللفنانين وتقديرهم لما هو مسموع ومرئي من الفنون والثقافة.
وأن مغرب عام 2000 ليس هو مغرب عام 2013 وحين نتحدث عنهما ــ يقول الفنان ــ كأنما نتحدث عن مغربين لا علاقة بينهما، خصوصاً في تقييم الفن والفنانين، وأتاحة الفرص للفنانين للألتقاء بالجمهور العريض عبر قنوات الإتصال الجماهيرية كالمعارض ووسائل الإعلام.
وأختيار هذا الفنان المغترب ليعرض لوحاته في هذه الليلة، هو في الحقيقة تكريم خاص لهذا الفنان، الذي عاد مؤخراً من أمريكا لوطنه المغرب بعد غياب زاد على ثلاثة عشر عاماً.
“ليلة الأروقة ” التي أختير فيها الفنان عبد الله أوشاكور ليقيم معرضه خلالها، هي ليلة أثيرة لدى الكثيرين من الفنانين والمتابعين للفنون المغربية، وذلك لأفتتاح عشرات المعارض الفنية ومعارض الكتب، وإقامة الأمسيات الثقافية في مختلف المدن المغربية في توقيت واحد، وفي ليلة واحدة، وهذا تقليد سنوي متبع للأحتفاء بالثقافة والفنون في المملكة المغربية منذ سنوات.
معرض الفنان عبد الله أوشاكور في النادرة هي عودة للفن التشكيلي المغربي الأصيل، للنظر إلى الذات المغربية وتأصيلها في أعمال فنية تعيد للجمهور ثقته بوطنه وتأريخه وتراثه.
الفنان أوشاكور الذي غادر المغرب عام 2000 لم يغادره فعلاً، فروحه بقيت في مدينته الجنوبية ” تافراوت” وعودته إليها هي عودة الروح للفنان، التي كانت تراقب ذلك الجنوب البهي بعاداته وحياة أهله البسطاء، فجاءت حياتهم في معظم لوحات معرضه الجديد التي رسمها في أمريكا.