معرض الأربعة بالرباط
رؤية جماعية جمالية لوظيفة الفن
فيصل عبد الحسن
المعرض الاخير الجماعي بمعرض الفنون وسط مدينة الرباط حمل لمتابعي معارض الفن التشكيلي والنحت في المغرب الكثير من الغبطة والدهشة.
لما عرض في هذا المعرض من أبتكارات حديثة في فن التشكيل، وأعمال إكليريك، وأعمال كولاج اللصق والمشغولات النحتية.
فقد شارك فنانو المعرض وهم من المغرب، الفنانة التشكيلية مريم الشرايبي، وريم اللعبي، ومن تونس النحات صاحبي شتيوي ومن العراق محمد قريش باعمال حديثة، حملوها إلى هذا المعرض كلوحات الفنان العراقي محمد قريش المقيم بكندا، والفنان صاحبي شتيوي القادم من تونس.
وقد أتسم المعرض من حيث عرض اللوحات التشكيلية بأنسجام الموضوعات المطروحة، والتي أتسمت بميزة الأعمال المتكاملة، فهي تتكامل فيما بينها برؤية فنية حديثة، ومن غرابة المعرض أن هناك لوحات تمزج بين النحت والرسم التشكيلي، وهي الأعمال التي قدمتها الفنانة ريم اللعبي.
بينما كانت لوحات الشرايبي تعبر عن الرسم التشكيلي النقي، ومشغولات شتيوي هي أعمال نحتية نقية، بينما راوح الفنان قريش في لوحاته بين أعمال الكولاج، والتشكيل النقي، مما جعل لكثير من لوحاته المعروضة بعداً ثالثاً، لكل لوحة تشعره بوجود سمك للوحة بارز.
قدرات مختلفة
لقد أتصفت اللوحات التي زادت على العشرين لوحة للتشكيليين مريم الشرايبي ومحمد قريش، بينما شكلت أعمال ريم اللعبي التي هي بين التشكيل والنحت أكثر من عشرة أعمال.
وربت المشغولات النحتية لصاحبي شتيوي أكثر من خمس وعشرين مشغولة، كبيرة ومتوسطة الحجم، وصغيرة مكتبية .
وقد أزدانت الساحة التي كانت في الأعوام السابقة مكاناً لمحلات بيع باقات الورود، بأعمال الفنان صاحبي شتيوي النحتية، التي أنتصبت وسط الساحة بين مقاهي القهوة، المنتشرة حولها، مما أضاف على الساحة جمالاً آخاذاً، وجعل من يمر بها وهو ويرى المشغولات يحلق بخياله مع موضوعات الفنان وأبتكاراته.
لقد شكل المعرض الجماعي بادرة طيبة لخلق التعاون بين قدرات فنية مختلفة، لكنها تتكامل في رؤيتها الفنية، وأستجابتها للتحديات التي يواجهها الفنان في الدول العربية.
ومن هذه التحديات الصعوبات التي يواجهها عادة النحاتون في نقل منحوتاتهم الثقيلة وعرضها في معارض محدودة المساحة الأرضية.
وكذلك ما تلاقيه اللوحة التشكيلية العميقة المضامين، فنياً وفكرياً من غربة حقيقية، وسط موجة الرسم السياحي الهابط، الذي يجد سوقاً رائجة لدى الباحثين عن تذكارات فنية عند زيارتهم للمغرب.
مما جعل العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من دائرة الأهتمام، لما يعانيه الكثيرون من جهل بشروط الفن الحقيقي، وبحثهم عن السطحي والشائع لأشغال فراغ الجدران في صالوناتهم وغرف نومهم، وأمكنة أعمالهم.
طي أوراق الجرائد
والصعوبات التي واجهها النحات شتيوي في نقل أعماله إلى هذا المكان وأكمال الناقص من مشغولاته أضطرته إلى بيع سيارته الخاصة، ليتمكن من أتمام مشاركته في معرض الأربعة بالرباط بهذا العدد الكبير من أعمال النحت.
وكانت الأعمال التشكيلية المعروضة تراوح بين الطبيعية والتجريدية، وحملت أعمال الأكليريك للفنانة ريم اللعبي ذات المضامين التي تؤكد عليها دائماً في اعمالها الفنية السابقة.
وهي نقل رسائل المحبة بين الناس، وإعادة سرد ذكرياتها القديمة من خلال تضمين اللوحات لموجودات شخصية أحتفظت بها الفنانة لفترات طويلة لديها قبل أن تجعلها من ضمن أعمالها الفنية.
ففي إحدى لوحاتها المصنوعة من طي اوراق الجرائد، وتقويتها بانواع من المواد اللاصقة والأصباغ ضمنت المشغولة حقيبة صغيرة تلقتها هدية من صديق طفولتها في اليونان، للتعبير عن فرحها القديم بهدية ذلك الصديق.
الذي فارقته في بلد بعيد من سنوات كثيرة، ولا تدري ما حل به لتنقلها الدائم بحكم عمل والدها في السلك الدبلوماسي المغربي.
لقد بنت ريم اللعبي مشغولاتها التشكيلية، على أصداف ألتقطتها من سواحل مرت بها في فترات حياتها السابقة، ورمال جمعتها من أمكنة مختلفة، وورد جوري جاف، وشفلح وحناء وأغصان ياس، وأغطية رأس وسروج خيول وأوشحة فرسان مطرزة بالورود.
تكامل الرؤية
أن التناغم الذي يمكن ملاحظته بسهولة بين لوحات تشكيلية لمحمد قريش ومريم الشرايبي، يؤكد الرؤية المشتركة لفنانين تفرق بينهما مسافات بعيدة، وجغرافيات مدن مختلفة ومزاجات مختلفة.
فأعمال قريش والشرايبي التجريدية والطبيعية، تؤكدان على نقل الهم الإنساني الواحد سواء في الشرق العربي أو الغرب الكندي، إلى اللون، وإلى ذات الذائقة في تجميع الكولاج، و تشكيل الموضوع الفني من خطوط ورؤى تشترك في حلمها المشترك، برموزه وإيحاءاته اللونية.
فالشرايبي تعكس أحلامها ورؤاها في لوحاتها من خلال رمزها للإنسان بشكله العام المتكرر في كل لوحة بأعداد كبيرة مستنسخة، وتراه وهو يتقلب في فضاء اللوحة، مرة وهو أسود وأخرى، وهو أبيض، وفي احيان كثيرة يأخذ اللون الوردي والأحمر. بينما ينقل قريش هواجسه من خلال إعلانات بلغة أنجليزية تدين الحروب وتقف ضد العنف، ويضمن تلك اللوحات ضمن لوحاته، فينقل للرائي أحساس الفجيعة ومرارتها، ورفض الفنان لكل عنف مهما كانت أسبابه.
كما ان بعض لوحات قريش اتسمت بنقله المتكرر للسلم كوسيلة للصعود، وكذلك الأشكال الهندسية والرسومات المعمارية، كتجميع للمساقط العليا والجانبية والتحتية، مما يعكس مجسمات بنائية ومعمارية في عدد من لوحاته. المعرض الجماعي للفنانين الأربعة وسط مدينة الرباط أعاد لفن التشكيل والنحت المغربي الكثير مما أفتقده المهتمون في معارض أخرى، فقد وجدوا في هذا المعرض اصرار الفنانين على عرض تجاربهم الفنية، ونقل بصماتهم الشخصية للرائي عبر أعمال راقية.
لقد نقل المعرض الجماعي للفنانين الأربعة مريم الشرايبي، ريم اللعبي، محمد قريش، وصاحبي شتيوي تكامل الرؤية لدى هؤلاء الفنانين، بما يعبر عن هواجسهم، وأحلامهم وتصوراتهم للغد، وأفراحهم الصغيرة، وذكرياتهم إلى الآخرين.
وقد نجح المعرض في نقل رؤية جماعية جمالية لوظيفة الفن من خلال تكامل مواهب المشتركين في المعرض الجماعي.
AZP09