معجم العناوين

معجم العناوين
المتبحر في دقة العناوين وروعة اختيارها ، يرى أن لطريقة اختيار العنوان موهبة أخرى ، هي موهبة الدقة في اختيار العناوين ، وهذا جزء من مهمة تتويج النص شكلا ومضمونا ، ولذلك نجد أن المبدعين العباقرة في هذا المجال ، يصيبون دقة اختيار العنوان ، ودقة إجادة المضمون ، في لحظة إخصاب إبداعي واحدة ، بل يستطيع الحاذق منهم أن يقدم لك من ثرائه وجدوى بديهيته ، أكثر من عنوان مذهل يعالج به فقر الحالة لدى الغير ، فهو يقدم هذه الاختيارات بغية توسيم وليده الجديد ، وهذا ينبع من عمل دؤوب لماكنة كتابية نوعية ، لاتكل ولا تمل ، فابتداء أنت تجد أن المتمكن في هذا المجال يتقن صيرورة موضوعه وصولا إلى تتويج العنوان ، وفي اللحظة ذاتها من اختصار الزمن الكتابي تجده يتقن صيرورة اختيار عنوانه وصولا إلى تتويج المضمون ، فيخيل إليك والي أن الموضوع يعتمد على موهبة كما أسلفت ، ويقوم كذلك في أدائه على دقة متناهية لاتقبل التحريف والتغيير ، فهو كأي جهاز مركب من عضوين احدهما يكمل الأخر ، فلا يمكنك أن تضع ماهو خارج جسم الجهاز ، أو ماليس منه ، في مكان ما منه ، وتنتظر اشتغاله ، فهذا مستحيل منطقيا ، وكذلك يستحيل أن نضع عنوانا لمضمون ينفره ، ولا ينجذب إليه أريد أن أوصلك من كل هذا إلى أن هنالك في عالم الكتابة والتأليف، مخاض عجيب من التوليف والمهارة ، والحذق والذوق المسلم به ، بحيث وصلت الدقة فيما يثار من منظومة( ر- ش- مصدرا ، ومرجعا ، وباحثا ) ، إلا انه أصبح للنثر طائفة عناوين لاتليق بالشعر ، كما أن هنالك طائفة عناوين من معجم العناوين المتخيل خاصة بالشعر ، ولا تليق بالنثر ، ثم إذا ولجنا أكثر في دقة هذا المعنى ، نجد أن عنوان المقال ، مقر في معجم العناوين ،بآلية خاصة ، لاتسمح له أن يصبح عنوانا لخطبة ، أو قصة ، أو رواية ، أو مقامة ، او .. الخ ، وكذلك عنوان القصة القصيرة ، له خاصيته التي لاتسمح له أن يكون ناطقا باسم الرواية ، أو المقال ، وكذلك عنوان الرواية ، المقرر في معجم العناوين المتخيلة ، له ملحته التي قد يفقدها إذا مااريد منه أن يدل على جنس أدبي آخر لايحاكيه ، وإذا ولجت في عالم الشعر متوخيا الدقة في هذه المسألة ، وجدت انك أمام اختبار لهذه القضية بنفس الطريقة ، فللقصيدة العمودية مثلا طائفة عناوين مقررة في معجم العناوين ، لاتتناسب ومضمون القصيدة الحرة ، أو قصيدة النثر ، او .. الخ ، وكذلك لقصيدة النثر عنوانها المقرر ، في معجم العناوين ، فلا يصح عنوانا لغيرها وهذا يشبه تنظيرا ما أثرته سابقا ، من أن لغة ومفردات نص الجنس الأدبي تختلف تماما عن لغة ومفردات ، وأفكار نص من جنس أدبي آخر ، فكما اختلف نفس القصيدة العمودية اللغوي ، ومزاجها وإيقاعها ، عن نفس ومزاج ، وإيقاع قصيدة التفعيلة ، أو النثر ، فكذلك اختلف نفس العنوان ، وليس هذا فحسب ، وإنما هنالك معجم مقرر في الخيال الإبداعي للعناوين التاريخية والجغرافية ، والرياضية والاقتصادية ، والفلسفية والدينية ، والاجتماعية ، والنفسية ، والهندسية ، والطبية ، وو..الخ
وأقول : معجما متخيلا ، حتى لايتوهم من تخدعه الغفلة ، بأني أتحدث عن العناوين التي طرحت سابقا ، وإنما أردت أن ادلل على أن لدى الأثرياء من المبدعين قائمة عناوين متخيلة مصدرها سرعة بديهيتهم في التقاط العنوان ، وهي قدرة تسعفهم لحظة بلحظة ، وتقيهم من الوقوع في مطب العناوين المكررة ، ومن ثم تقيهم من تبعات جريرة سرقة العناوين ، او تناصها أو التراكل بحوافرها الوعرة أحيانا ، علما أن السرقة في العناوين سريعة الانكشاف والفضح ، بينما مازالت سرقة المضمون ، أو المعنى ، تؤتي أكل مدارها الذي يتحدى العقل ، وتثير الصخب في أروقة النقاش ، من غير فائدة ، أو حسم ، والعنوان بعد ذلك سجل مشترك لهوية النص ، والمؤلف معا ، فأنت تجد في تفاصيل هذه الهوية معلومات غريبة ، منها أن المؤلف والنص توأمان ، وان أمهما هي لحظة إخصاب إبداعي ، وان أبوهما قلم يعشق القرطاس ، وان مسقط رأسهما موهبة الكتابة .. وفي تنظير آخر أقول : ولليونة عنوان ، وللصلابة عنوان مضاد ، وللتفاؤل عنوان ، وللتشاؤم عنوان مضاد ، ، وللركاكة عنوان ، وللقوة عنوان آخر ، وللحرب والحماسة عنوان ، وللسلام والدعة عنوان مضاد ، وللسخرية عنوان ، وللجد عنوان مضاد، وللزيف عنوان ، وللأصالة عنوان مضاد ، وفي غير المتضادات أقول : وللرثاء عنوان ، وللمدح عنوان آخر ، كما للهجاء والفخر والنسيب عناوين مختلفة ، وللشهرة الحقة عنوان يبعث الارتياح ، بينما للتغييب المجحف ، عنوان يبعث الانطفاء ، والعنوان بعد ذلك مرشد ، فإذا كان صادقا أرشدك إلى ضالتك ، وإن كان كاذبا ، أوقعك في ضالته ، ولذلك تجد في عالم اليوم الكتابي كثيرا من العناوين البراقة التي خدعت القراء ، فعادوا من مضامينها خائبين مولولين ، مرددين قوله تعالى : قل أعوذ برب الناس ملك الناس – اله الناس ، من شر الوسواس الخناس – الذي يوسوس في صدور الناس- من الجنة والناس” ثم صدقوا باسم الله العظيم وأغلقوا دفة العناوين البراقة من غير إشراق إلى الأبد!
رحيم الشاهر- كربلاء
AZPPPL

مشاركة