مصر إلى أين؟

مصر إلى أين؟
صباح علي الشاهر
هل سيختلف نظام مرسي عن نظام مبارك، وإلى أي حد؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نبين أن الاختلاف من أجل أن يكون اختلافاً، ينبغي أن يكون متوافقاً مع أهداف ومبادىء الحراك الشعبي المصري الذي تم اعلانها في ميدان التحرير في القاهرة وبقية الميادين في مصر كلها، وليس بريئاً وفق أي تصور ذلك الفصل الاعتباطي بين شرعية الميدان أي الثورة ، وشرعية صناديق الاقتراع أي الديمقراطية، فلولا شرعية الميدان ماكانت شرعية صناديق الاقتراع، وهذه ينبغي أن لاتنفصل عن تلك، وفق أي فصل شكلي، فالعلاقة ما بين الاثنين علاقة جدلية، الا اذا كان المُراد سرقة حراك الجماهير المصرية، أو التسلق على اكتافها، وجعلها سلماً يرتقيه الطامحون للوصول لكراسي الحكم، وبهذا يكون الجبل قد تمخض فولد فأراً، وتصبح الحسبة ليست أكثر من ذهب مبارك … جاء مرسي..
وقبل الخوض في هذا الموضوع علينا أن نتثبت من حقيقة الرئيس الجديد، هل هو مرسي الاخواني أم مرسي رئيس مصر كلها ؟ ..
من الواضح أن مرسي في المرحلة الأولى حصل على أصوات الناخبين الاخوان ومؤيديهم، وهي لم تصل الى الستة ملايين ناخب، وكانت متقاربة الى حد بعيد مع ملايين شفيق، المتهم بكونه من الفلول، الذي هو بدوره تقارب مع ملايين حمدين صباحي القومي الناصري.. بحساب بسيط يتبين لنا أن القوّة الانتخابية للاخوان هي أقل من ربع القوّة التصويتية التي أدلت بصوتها، اذا حسبنا الأصوات التي ذهبت للمرشحين الآخرين، كـ ابو الفتوح، وعمرو موسى ، فاذا أخذنا عدد الذين يحق لهم الانتخاب، ولم ينتخبوا لهذا السبب أوذاك، فتكون نسبة الذين اختاروا مرشح الاخوان المسلمين أقل من العُشر.. أما الأصوات التي رجحّت كفة مرسي ازاء شفيق في دور الاعادة، فقد كانت أصوات ثوار الميادين بالأساس، وكل أولئك المعارضين لنظام مبارك، ولهذا فان مرسي يكون في هذه الحالة مدين لهذه الأصوات بتنوعها في وصوله الى الرئاسة وليس الى أصوات الأخوان فقط ، ولا حتى التيار الاسلامي بكل أطيافه..
هل سيتصرف مرسي بوحي هذه الحقيقة، أم يظل أسيراً لكونه قيادياً في الاخوان، علماً بأنه لم يترشح من قبلهم للرئاسة الا عن طريق الصدفه، عندما رُفض مرشحهم الاصلي خيرت الشاطر ؟.. هل سيكون مرسي الرئيس الاخواني، أم الرئيس الاخواني المصري، أم الرئيس المصري الذي كان اخوانياً؟
هذا ما سيتوضح لنا في قابل الأيام.. قُدّر عدد المتظاهرين في ميادين وشوارع مصر على امتداد جغرافيتها في مرحلة من مراحل صعود الحراك الشعبي، بما يقارب الثمانية عشر مليونا، من المصريين الذين أعلنوا بوضوح رفضهم لنظام مبارك.. ولم تظهر شرعيّة أقوى وأمضى من هذه الشرعيّة في التأريخ المصري كله..
مالذي كانوا يرفضونه من نظام مبارك؟
الاستبداد والفساد والرشوة، وتكبيل الحريات، والفقر، والنهب، والتعسف، وانعدام الديمقراطية، وتزييف الانتخابات، والتسلط، واذلال عامة الشعب، وكل ما يندرج من صفات حكم الطغاة، والتمايز الطبقي الحاد، وفقدان مصر لسيادتها، ودورها الريادي في محيطها، وهوانها، وتبعيتها لأمريكا، وعلاقاتها مع اسرائيل، وحصارها المُهين لغزة، ووقوفها مع أشد القوى رجعية وتخلفاً ؟
لقد عبر الحراك الشعبي المصري عن كل هذا بكل وضوح.. ويمكن القول أن الجماهير المصرية سطرّت برنامجها الثوري في ميدان التحرير وبقية ميادين مصر، وهذا البرنامج مُلزم لأي حكومة تأتي على أعقاب هذه الثورة السلمية الفريدة من نوعها، وسيكون كل هدف من أهدافها، وكل شعار من شعاراتها، امتحاناً لمرسي أثناء فترة حكمه..
لم يثر الشارع المصري من أجل أن ترتدي مذيعة التلفزيون الحجاب، مع اقرارنا بحق أية مذيعة ارتداء الحجاب أم عدم ارتدائه، فهذا يندرج ضمن الحريات الخاصة، ولا يندرج ضمن أهداف ثورة عملاقة بحجم ثورة مصر..
ولم يثر الشارع المصري من أجل أن يودع الملك السعودي، أو الأمير القطري، بضعة مليارات في بنوك مصر، والتي سوف لن تسهم في علاج علل الاقتصاد المريض، حتى لو كان مرسي واحداً من أعظم الحوات في هذا العصر، فاقتصاد مصر قد انهار، ليس اليوم، وانما منذ أمد بعيد، منذ أن اختار مبارك نهج التبعية، وارضاء أمريكا والغرب، واسرائيل، على حساب مصر واقتصادها.. وهو يحتاج الى نهج مغاير ومختلف عن نهج مبارك وقبله السادات، من أجل التعافي، ولو تدريجياً. نهج يمتاز بقدر من الراديكالية والديناميكة، واذا أردنا تسمية الأشياء بمسمياتها فلنقل ثورية بكل ما في الثورية من معانٍ.
حل معضلة الاقتصاد المصري لا تكمن في استجداء بضعة مليارات من هذه الدولة أو تلك، اذ بامكان مصر الجديدة الحصول على أضعاف هذه المليارات، عن طريق استعادة المال المصري المنهوب، والذي يقدر بمئات المليارات، والذي نهبه أزلام النظام المباركي والمنتفعين منه، ويكمن أيضاً في فك الارتهان الاقتصادي بأمريكا والغرب، والانفتاح على اقتصاديات العالم كله، والاقتصاديات الواعدة تحديداً، تلك التي بات من المؤكد أنها ستكون اقتصاديات المستقبل بحق، مع الاحتفاظ باستقلال القرار الاقتصادي، الذي يستتبعه حتماً استقلال القرار السياسي، فهذا مرتبط بذاك.. لم تقم الثورة في مصر من أجل ايداع بضعة مليارات كودائع في بنوكها مقابل مواقف سياسية، تعيد مصر الى مرحلة اللا دور واللا فعالية.. فثورة مصر تريد لمصر أن تأخذ دورها الطبيعي، المهيئة له فعلاً، والجديرة به حقاً.
على الجانب الاقتصادي، وهو العمل الأرأس والأهم، لم يفعل مرسي أي شيء، يمكن أن يخالف ما كان يقوم به مبارك.. وحيث أن مرسي أخوانيا، وهو لايريد مفارقة هذه الصفة، فانه من المبرر تماماً التساؤل هل للاخوان برنامج اقتصادي مختلف، أم أن لا برنامج لهم وبالتالي فهم ينهجون نهج من سلف من حكام مصر ما بعد عبد الناصر.
وحيث أن السياسة الخارجية انعكاس للسياسة الداخلية، وحيث أن السياسة الداخلية لم تخرج عن نهج مبارك في سمتها الأهم ألا وهي السياسة الاقتصادية الكارثية، وما سُمي زمن السادات بسياسة الـ الانفتاح ، فان ما قام ويقوم به مرسي من تحرك على الصعيد الخارجي ، ومن مواقف وتصريحات، سواء فيما يتعلق بالخطوط العامة للسياسة الخارجية، أو ما يتعلق بتأكيد حرصه على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومنها اتفاقية كامب ديفيد، والعلاقة مع اسرائيل، والتباهي بانهم أغلقوا ما يقارب الثلاثمئة نفق بين سيناء وغزة، يشير بوضوح الى أن سياسة مصر الخارجية عهد مرسي، سوف لن تختلف عن سياسة عهد مبارك بالنوع والكيفية، وأن شابتها بعض الرتوشات التي لا تعني شيئاً جوهرياً.
هل تحدّث مرسي، أو أي مسؤول في نظامه، عن العشوائيات، وعن البطالة؟ وهل حدثونا عن برنامجهم للعدالة الاجتماعية، وانصاف الفئات الأشد فقراً؟
هل تحدثوا عن اعادة القطاع العام والمشترك الى مكانته القيادية، أو الفاعلة والمؤثرة، بعد أن عمل النظام السابق، على تهديمه وتمزيقه، وصولا الى تصفيته وبيعه بأبخس الأثمان الى حيتان عهد الانفتاح؟
هل بينوا موقفهم من حيتان الانفتاح، ومن ناهبي القطاع العام، وسارقي ثروة مصر؟ هل وضعوا خطة لاعادة حقوق الشعب المصري داخلياً وخارجياً؟
صحيح أن التركة ثقيلة في مصر، وان الأمور وصلت لحدودها الكارثية، وصحيح أيضاً أن نظام مبارك شرنق مصر كلها داخل خيوط تحيكها أمريكا واسرائيل، وأنه ليس من المنتظر التخلص من كل هذا بين ليلة وضحاها، لكن المكتوب يُعرف من عنوانه كما يُقال.. ومرسي لم يضع حتى الآن ولا لبنة يمكن أن يؤسس عليها، لا قولاً ولا فعلاً، بل يمكن القول أنه أسلم زمامه لزورق مباركي ، يبحر في النهر اياه، النهر الذي لا يؤدي لا الى تنمية وطنية وقومية تقضي على علل مصر، أو تحد منها، ولا الى موقف ريادي، يستلزم أول ما يسلتزم استقلال القرار المصري، وهو الأمر الذي يبدو حالياً بعيد المنال، فهل ركب مرسي موجة الثورة قصد الوصول الى زورق السلطة؟
/9/2012 Issue 4304 – Date 15 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4304 التاريخ 15»9»2012
AZP07