مشروعية الدستور
العراق يفتقر للأطر النظامية
حين تكتب دساتير البلدان قبل ان تصبح دول او بعد تغيير نضمها السياسية، تشكل أولاً جمعية وطنية او مؤتمر تأسيسي من كبار اشراف المجتمع ووجهاء العشائر الذين لديهم مواقف وطنية مشهودة وتاريخ نضالي مشرف ودالة خالدة على شعبهم ووطنهم، ومن حملة أعلى الشهادات الأكاديمية وأصحاب الأختصاص والخبرة الواسعة في المجال العلمي والتربوي والقانوني والاقتصادي والعسكري والسياسي والخدمي والأنساني وعلم الاجتماع والتاريخ والشريعة الذين عايشوا هموم ومعانات شعبهم وخبروا مشاكله وأدركوا تطلعاته وأمانيه، ليمثلوا بعدد متساو وليس بتمثيل نسبي جميع شرائح شعبهم الطبقية وفئاته المهنية وأطيافه السياسية وكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية.
لكون الجمعيات والمؤتمرات التأسيسية يختار لها صفوة النخب الفكرية والسياسية والأكاديمية بهدف بناء دولة مؤسسات وقانون، ولايجوز انتخاب اعظائها على أساس التمثيل الحزبي والطائفي، لاسيما إذا كان هنالك احتلال وصراع جهوي وعدم استقرار أمني وسياسي، فآلية انتخاب أعظاء التشكيلات التأسيسيه تنعكس سلباً على رصانة وموضوعية وعدالة كتابة الدستور التي هي من أهم مهمات هذه التشكيلات، حيث قد تقود نتائج انتخاب اعظاء التشكيلات التأسيسيه الى هيمنة جهله وعملاء وادعياء أفاقين على هذه التشكيلات وبالتالي ينفردون بكتابة الدستور وفق مصالح وأهواء شخصيه وحزبية وفئوية ضيقة واجندات خارجية مغرضة معده لهم سلفاً بعيداً عن مصالح البلاد العليا.
بمعنى أوضح ان المستقلين من ذوي الكفاءة العلمية والمقدرة الفكرية والحنكة السياسية الملمين بالتجارب التاريخية والمعطيات العصرية والمتطلبات المرحلية ولديهم رؤيا مستقبلية واعده هم حصراً من يحق لهم تمثيل شعبهم وأهلاً لكتابة دستور بلدهم بأرادة وطنية حره لجميع فئات ومكونات شعبهم دون تدليس وتمييز، وعلى ضوء ما يكتبوه تجرى انتخابات عامة حره نزيهه يختار الشعب فيها من يمثله في السلطة التشريعية التي بدورها تفرز سلطة تنفيذية تلتزم بالدستور وتعمل ضمن اطاره، مهما كان شكل واتجاه هذه السلطة التنفيذية أئتلافية ام غالبية.
ثوابت وطنية
بعد اتفاق اعضاء التشكيل التأسيسي على مسودة دستور معينة تراعى فيها الثوابت الوطنية والأنسانية والديمقراطية، تحال المسودة الى لجنة قانونية لغرض صياغة موادها وتبويب فقراتها والحيلولة دون تقاطع مواد وفقرات المسودة بعضها مع البعض الآخر، وتلافي مخالفتها للقانون الدولي وللمواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية.
وبعد انجاز اللجنة القانونية لمهماتها تحال المسودة الى لجنة لغوية مُشكلة من كبار اساتذة النحو والصرف والتفسير لغرض تنقيح موادها ومنع أحتمالية تحميلها لأكثر من تفسير، وعند انتهاء اللجنــــــة اللغوية من عملها تعاد المسودة الى التشكيل التأسيسي ليقوم بدوره الى عرضها على الشعب للأستفتاء العام.
هذه هي الأليات المتبعة في كتابة دساتير دول العالم، واذا ما قورنت بالآليات التي كتب بها ما يسمى بالدستور العراقي بعد عام الفان وثلاثة يتبين لنا بوضوح ان العراق لم يكتب له دستور ضمن الأطر النظامية والشرعية والاخلاقية، و انما كتب للعراق على عجاله اتفاقية توافقيه لتحاصص المناصب الرفيعة وتقاسم الثروات الوطنية وسبل الاستحواذ على المال العام بين سبعة كيانات فقط لاتمثل سوى نفسها ولا علاقة لها بمكونات الشعب لامن قريب ولا من بعيد، بأرادة راعي بقر أجنبي مجرم سادي متعجرف، وبأيدي نفر أثبتت السنين الماضية بما لايقبل الشك انهم سطحيين فكرياً مفلسين سياسياً يفتقرون الى الرؤيا الواضحة وللنزاهة وللحس الوطني، بعضهم وهم المهيمنين على القرار كل مالديهم من خبرة وتجربة ومؤهلات كان التسكع في مقاهي و فنادق العواصم العربية والاجنبية والأعتياش على المعونة والمساعدات التي تصدقت بها عليهم دول تلك العواصم، والبعض الآخر أشرك في كتابة الاتفاقية (الدستور المزعوم) لأكمال عدد وديكور مقابل فتات من العلكة، فكانت النتيجة هو واقع حال العراق الآن.
ان هذه الاتفاقية التوافقية التي يصر ساسة الصدفة وبيادق الاحتلال و الاجندات الخارجية على انها دستور العراق الديمقراطي الجديد، هي اساس بلاء ومعانات الشعب العراقي وانهيار اقتصاده وبقايا مؤسسات دولته وسبب تعدد مصادر القرار وظهور العديد من مراكز القوة وفي استشراء الفساد المالي والأداري، وهذا ليس اجتهاداً ولا كلام مرسل او افتراء وتجنياً على أحد وانما هو حقيقة وواقع ملموس عليه من الأدلة والبراهين مالا يعد ولا يحصى.
فبغض الطرف عن تقاطع مواد وفقرات هذا المدون (سواء كان دستوراً ام اتفاقية) وعن امكانية تحميلها لأكثر من تفسير وعن استمراء خرقها دائماً من الاحزاب والكيانات المتنفذة وبصرف النظر عن خلو هذا المدون من السقوف الزمنية اللازمة لتنفيذ بنوده ومن كل الثوابت الوطنية المتبعة والمعمول بها في جميع دول العالم، فإن ما يُفعل من مواد وفقرات هذا المدون هي فقط التي تصب في مصلحة ساسة الصدفة وتعزز سطوتهم وتزيد من امتيازاتهم، في حين ان المواد التي تضمن حقوق وامن وكرامة ومصادر رزق ورفاهية المواطن معطلة الى ما يشاء الله، بدعوى عدم توافق ساسة الصدفة على تنضيمها بقوانين ضمن اطار مدونهم، وهذا ادعاء عار عن الصحة يسوق فقط لغرض فتح ابواب المزايدات الرخيصة والشعارات المستهلكة، فلطالما خرجت السلطة التنفيذية على شعبنا بالعديد من القوانين الجائرة والمجحفة والمعرقلة لمصالح المواطن وازدهار البلد لتفتعل بها الأزمات وتثقل فيها كاهل المواطن وتزيد من معاناته من دون توافق مع باقي ساسة الصدفة ودكاكين كياناتهم على تنظيمها بقوانين ضمن اطار مدونهم، او حتى الرجوع الى كافتريا مسرح النواب.
سبب حقيقي
ان تعذر اقرار القوانين الملحة والمهمة والمنصفة للمواطن سببه الحقيقي هو تعارض المصالح الشخصية والحزبية لساسة الصدفة المتنفذين مع المصلحة العامة للشعب العراقي، فالعلاقة بين المصلحتين في الموازنة العامة دائماً عكسية يقترون على شعبهم ويسرفون على انفسهم، لأن ساسة الصدفة كما اثبتت التجارب ليس من شيمهم التضحية والإيثار ونكران الذات لكي يتنازلوا عن مكتسباتهم لمصلحة وطنهم وشعبهم، فركوب السيارات المصفحة واستملاك الأراضي الواسعة على ضفاف دجلة بالأموال العامة أهم وأفضل وأولى لديهم مئة ألف مرة من بناء مساكن واطئة الكلفة لملايين سكنة اكواخ الصفيح العشوائية او اكمال مشروع خدمي واحد من الأف المشاريع التي استوفوا عمولاتهم من عقودها.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، تبنوا الديمقراطية في مدونهم وبكل وقاحة وتبجح يتمشدقون بها يومياً صباحاً ومساء بمناسبة وبغير مناسبة، مع انهم لم يأخذوا من مقومات الديمقراطية سوى العمليات الانتخابية بعد ان صاغوا لأنفسهم قانون انتخابات يحتكر الترشيح عليهم ويحصر المنافسة بينهم ويضمن الفوز لهم بالتزكية بأمكانيات الدولة والمال العام في جميع الانتخابات العامة والمحلية، اما استقلال القضاء وحرية الاعلام وحق التعبير والتظاهر واحترام حقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة التي هي عماد الديمقراطية الحقة، فهي معلقة لأنها تحد من تسلط واستبداد وفساد ساسة الصدفة وبيادق الأجندات المشبوهة، والسعي الآن حثيثاً لتحريمها على الشعب العراقي بدعوى مكافحة الأرهاب بقوات سوات وعصابات الأسناد والميليشيات المندسة في الاجهزة الأمنية. كل الوقائع والشواهد تشير الآن بوضوح الى عدم وجود دستور في العراق يحفظ وحدته ويحمي حقوق مواطنيه ويلبي طموح وحاجات شعبه ويفعل دور مؤسساته، وإذا ما أصر ساسة الصدفة على عد اتفاقيتهم دستوراً، فهو دستور عقيم عليل غير مشروع وعلى الشعب العراقي اختزال المطالبة بتغييره ورحيل أصحابه بلا رجعة لأنقاذ العراق وإعادة بنائه، وهذه مهمة القوى الوطنية والأعلام الحر ومنظمات المجتمع المدني.
عامر الوادي – بغداد
AZPPPL