مشاهدات من لبنان (3)

مشاهدات من لبنان (3)

أيقونة سيدة لبنان مزار مريم العذراء

محاسن البيئة وكأن السماء والأرض والبحر توافقوا في الزخرفة

رعد ابو كلل الطائي

مزار حريصا مكاناً مرتفعاً على صخرة في إحدى قمم مرتفعات جبال لبنان الشمالية ويشُع بالروحانيات والسكينة وما اروعها من مشاهد زاهية مشكلة لوحات خضراء فنية غاية في الجمال . واُطلق لقب سيدة لبنان على تلة حريصا التي كان فيها معبد على أسم سيدة حريصا قد بناه بعض النازحين من منطقة تنورين تيمناً بسيدة حريصا التي كانوا يكرمونها في جرود تنورين إقامة أجدادهم بين الجنائن ليحتفل المزارعون يوم الأحد بالقداس فيه في مواسم الصيف .

 المعبد الصغير

أنجز المعبد الصغير مع التمثال اواخر عام 19.7م على يد إبراهيم محلوف من عين الريحانة وبأشراف رئيس جمعية المرسلين اللبنانيين الأب شكر الله خوري . وفي الأول من أيار عام 19.8م بدأ الأحتفال بمباركة القاصد الرسولي فريديانو جيانيين لبناء المعبد والتمثال وبدأت الوفود تتقاطر من كل أنحاء لبنان ثم احتفل غبطة البطريرك بالقداس الحبري يعاونه الأساقفة والكهنة واقيم الأحتفال بازاحة أيقونة سيدة لبنان مريم العذراء في ساحة المعبد .

 عيد سنوي

واعلن غبطته الأحد الأول من أيار من كل عام عيداً سنوياً لسيدة لبنان مريم العذراء . ومزار سيدة لبنان مريم العذراء هو أكبر مزار مريمي في الشرق الأوسط وموقع حج مسيحي يقع في منطقة حريصا فالمزار يحتل مكاناً في غابات الأرز والصنوبر والبلوط وبين أشجار الفواكه والكروم والزيتون . ويطل المزار على خليج جونيه وقد ادرجته وزارة السياحة اللبنانية معلماً دينياً مهماً من معالم السياحة اللبنانية وهي تشجع السياح العرب والأجانب على زيارته والمزار هو عضو مؤسس لتنمية الحج والسياحة الدينية وناشط فيها يسعى إلى ترويج ثقافة السياحة الدينية بين اللبنانيين المقيمين والمنتشرين وبين السياح القادمين إلى لبنان ويوفر ذلك فرصة للزائرين مسيحيين وغير مسيحيين للتعرف بمبادئ المسيحية والتراث الكنسي الشرقي ومكانة السيدة العذراء مريم فيهما . ويؤم المزار آلاف المؤمنين من كل بقاع الأرض كل عام وهو يرتبط بالمزارات العالمية المريمية من خلال اشتراكه في عضوية المنظمات التي تعنى بالمزارات العالمية ومن خلال هذه النافذة يساهم المزار في الأحتفال بالأيام العالمية التي حددها الكرسي الرسولي ومنظمات الأمم المتحدة .

 تلفريك حريصا

ويقع التلفريك على اوتستراد جبيل جونيه حريصا لبنان وتمتد من مدينة جونيه حتى منطقة حريصا بمساحة 1575 وارتفاع 55.م وقد لاقى التلفريك شهرته الواسعة لتمركز مزار سيدة لبنان الشهير في محيطه ويُعد التلفريك والذي يُعرف ايضاً بتلفريك جونيه من اشهر معالم جبل لبنان وبدأت فكرة إنشائه من قبل بعض الشبان الذين كانوا يقومون برحلة مدرسية إلى المزار وحلموا بانشاء وسيلة تنقل زوار هذه المنطقة بشكل مباشر من جونيه إلى حريصا وبدأت بعدها عملية إنشاء التلفريك من قبل الحكومة ليصبح هو الآخر من الواجهات السياحة في البلاد.

 تمثال ومزار العذراء

وتضم منطقة حريصا تمثال مزار مريم العذراء سيدة لبنان وهو تمثال فريد من نوعه وجماله صنع في فرنسا من البرونز المصهور المسكوب ويتكون من سبع قطع وتم طلائه باللون الأبيض ويبلغ طوله ثمانية أمتار وخمسين سنتيمتراً ووزنه 15طناً فيما يبلغ محيطه من الأسفل 64 م ومن الأعلى 12م وقاعدة التمثال مبنية من الحجر الطبيعي علوها عشرين متراً اما الصعود إلى قمة التمثال فيتم على درج لولبي مخروطي متكون من مائة واربع درجات ويضم كنيسة صغيرة في قاعدته وكاتدرائية حديثة من الزجاج والباطون على هيئة شجرة الأرز وسفينة فينيقية قرب التمثال بوشر ببنائها عام 1971 وتقع قرب دير بكركي مركز البطريركية المارونية في لبنان ويبلغ طولها 67 م وارتفاع قبتها 62م وتتسع لحوالي 35.. شخصاً ويمكن عن قرب مشاهدة تمثال السيدة العذراء عبر واجهة زجاجية كبيرة وراء المذبح الرئيسي ومنذ ثمانينيات القرن الماضي بدأت الكنيسة استقبال الزائرين وفي عام 1997م زارها البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان .

 مقر البابوية

ويضم المزار بازيليك سان باول التابعة لكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك والتي بنيت بين عامي 1947 – 1962م كما يوجد في الموقع مقر السفارة البابوية في لبنان . كما يضم موقع المزار كنيسة سيدة اللورد والتي تأسست عام 1971م وتقع تحت كنيسة البازيليك وهي على شكل نصف دائري وتتسع لحوالي 300 شخصاً ويوجد فيها مجموعة من الزجاجيات التي تمثل الرسل الأثني عشر والعائلة المقدسة وكانت هذه الكنيسة هي الملجأ الوحيد لكل أبناء لبنان المتجاورين للمزار هرباً من الحرب الأهلية . ويشمل المزار كنيستين حديثتين هما الغفران وبنت عنيا وقد تم تشييدهما بين عامي 1997م – 2000م على التوالي وتقع قرب دير بكركي مركز البطريركية المارونية في لبنان .

 تدشين المزار

ويعود تأريخ فكرة تأسيس مزار وتمثال للعذراء مريم في لبنان إلى بدايات القرن الماضي وبالتحديد في عام 1904 م عندما احتفلت الكنيسة الجامعة باليوبيل الذهبي لإعلان البابا لويس التاسع عقيدة الحبل بلا دنس عام 1854م إذ فكر البطريك الماروني مار الياس والمقاصد الرسولي في لبنان وسوريا المطران كارلوس دوفال إنشاء أثر ديني يُخلد ذكرى عقيدة الحبل بلا دنس يُخلد هذه العقيدة ولمحبة شعب لبنان للعذراء مريم وتم اكمال تشييد المزار والتمثال الذي شُيد فوق الكنيسة عام 1904 م .

 جولة إلى المزار

وللألقاء الضوء على هذا الصرح الخالد والقدسي سيدة لبنان مزار مريم العذراء أجرينا جولة ميدانية بأتجاه الصرح وللوصول إلى المزار هناك طريقين الأول بالسيارة ولكن عليك أن تمر بالطرق الجبلية لتصل اليها والطريق الثاني أن تركن سيارتك في موقف محطة انطلاق التلفريك وهي الوجهة الأكثر اشتياقاً . وانطلقنا بحافلة من بيروت بأتجاه جبل لبنان الشمالي عن طريق اوسترداد جبيل جونيه حريصا وبعد مسير بحدود 16 كم وصلنا إلى مدينة جونية وبالتحديد في المحطة الأولى لأنطلاق التلفريك وفي هذه المحطة وجدنا هناك محلاً مميزاً لبيع قطع خشبية تذكارية مصنوعة من خشب الأرز ويقوم البائع في هذا المحل بكتابة أية عبارة تريدها على الخشب بتقنية خاصة وبسرعة فائقة ومذهلة ورائحة الأرز حاضرة في كل أرجاء المحل ومن هذه المحطة قطعنا تذكرة ركوب التلفريك (القاطرة المعلقة) التي نقلتنا إلى حريصا ومزارها . ومن خلال نافذة كابينة التلفريك كنا نرى بقعة لا تكاد العين تشبع من مناظرها الخلابة والجميلة الزاهية الألوان الخضراء وغابات كثيفة وغنية بأشجار الصنوبر والأرز والحمضيات المختلفة بأنواعها والنباتات الفريدة من نوعها التي تعشق الزهور الملونة .. قمم ومرتفعات جبلية شديدة الأنحدار وأنهار ووديان عميقة تملؤها المياه .. مكان لا يكون له مثيل في الأرض جامع لكل محاسن الطبيعة وكأن السماء والأرض والبحر توافقت في زخرفته وتجميله .. والمناظر الرائعة بروعة ما خلق الله في لبنان وروعة ما صنعت يد الخالق . ووفرت رحلتنا بالتلفريك من زاوية أخرى من منافذ الكابينة مناظر خلابة مذهلة رائعة الجمال بما في ذلك مناظر بانورامية لخليج جونيه على البحر الأبيض المتوسط ومدينة جونيه . وبعد رحلة استغرقت حوالي عشر دقائق وصلنا إلى المحطة الثانية للرحلة وبنفس تذكرة محطة الأنطلاق الأولى صعدنا إلى قطار معلق أوصلنا إلى غايتنا مزار السيدة حريصا .

 حج المسيحيين

حريصا ومزارها كما شهدناها ارض مقدسة توفر للبنان نوعاً من السياحة الدينية فهي على ما يبدو بمثابة حج للمسيحيين من مختلف أنحاء العالم وترى ذلك بوضوح من خلال زيارتنا للمكان .. شاهدنا آلاف من الزائرين وأناس كُثر من شتى بقاع الأرض من عرب وأجانب وبأشكال وجنسيات مختلفة يؤدون مراسيم الصلاة والزيارة وأيقاد الشموع والنذور والأبتهال أو للتعرف على هذه البقعة الطاهرة حتى اولئك الذين لا يحملون الجنسية المسيحية تجدهم منجذبين للمكان ويستمتعون بالمناظر الجميلة لطبيعة المكان . كما يوفر المزار للزائرين غير المسيحيين للتعرف على مبادئ المسيحية والتراث الكنسي الشرقي ومكانة السيدة العذراء مريم . بقيَّ أن نقول : في أحضان أجمل وأحلى تلال ومرتفعات بلاد الأرز إذ تعانق النفوس قلب أمّ فائض بالحب إذ وجدت فيها واحة صلاةٍ وملاذٍ للتائبين وعزاءٍ للحزانى إنها سيدة لبنان مزار مريم العذراء والتي تعتبر من اجمل المزارات المريمية وقبلة المسيحيين في ربوع العالم ونجمة الصبح المشعة في بلاد جريحة تنتظر اشراقة الــــــــــــقيامة إنها مزار للعبادة .

آلاف يأتون يومياً من شتى بقاع الأرض ما بين مصلين وسياح زائرين من أجل روعة المكان وفخامة المنظر .. ومكان لا يمكن أن تشبع من جمال مناظره الخلابة. والشيء الملفت للنظر إن جموع الزائرين هم ليسوا فقط من المسيحيين بل إن نسبة عالية من المسلمين تقصد المزار وبإعداد كبيرة ويقول الأب روجيه بركات نائب رئيس مزار سيدة لبنان إن المسلمين يقصدون المزار بسبب تكريمهم للعذراء مريم لأن القرآن الكريم يذكرها في سورة مريم وفي آيات أخرى في المصحف الشريف ويعتبرها ام النبي عيسى وإن شفاءات عدة بشفاعة مريم حصلت مع مسلمين.

مشاركة