
مشاهدات من أرض الكنانة من مصر العربية (9)
عصابة إجرامية تستدرج النساء وتقتلهن من أجل السرقة
رعد أبو كَلل الطائي
ريا وسُكينة شقيقتان مصريتان من أشهر السفاحين في مصر، أشتهرتا بتكوين عصابة لأستدراج النساء وقتلهُنَ من أجل السرقة في الفترة ما بين 1919 -1920 ميلادية، مما تسبب في خلق حالةٍ من الذعر والخوف في مدينة الإسكندرية في ذلك الوقت، والشقيقتان نزحتا في بداية حياتهِما برفقة والدتِهِما وشقيقهُنَ الأكبر من صعيد مصر إلى مركز كفر الزيات، ومن ثَمَ إلى مدينة الإسكندرية، وأستقروا فيها في بداية القرن العشرين، وبدأوا بالعمل في الأعمال غير المشروعة، مثل تسهيل تعاطي المخدرات والخمور عن طريق إنشاء محالٍ سرية لترويج تلك الممارسات وتسهيل الدعارة السرية إلى ان انتهى بِهم المطاف بأستدراج النساء وقتلهُنَ بهدف الإستيلاء على مصوغاتهِنَ الذهبية بالأشتراك مع محمد عبد العال زوج سُكينة، وحسب الله سعيد مرعي زوج ريا، وإثنان آخران هما، عُرابي حسان وعبد الرزاق يوسف .
حياتهُنَ المبُكرِة
أمضيتُ نحو ضالتي لأبحث عن مكان سكن ريا وسُكينة لمعرفة تفاصيل عن هاتين السفاحتين، أنتقلتُ إلى دارهِما بعد أن أستقصيتُ عن عنوانها، الدارُ واقعةٌ في حي اللبان في المنشية، ومن ميدان نصب محمد علي باشا في المنشية صعدتُ في عربةٍ مني مكرو باص تقصد حي اللبان والمسافة بين الميدان والحي لا يستغرق سوى عشرُ دقائق، ترجلتُ من عربة المني نحو دار المُجرمتين، فكان الدارُ مُغلقاً وأمامهُ مباشرة مقهىً صغير وجدرانه مزروعٌ بصورِ عِصابة ريا وسُكينة، جلستُ في المقهى، واحتسيتُ (كوباية شاي على كولة اخواننا المصريين)، وكان جالساً أمامي أحد أخواننا من حي اللبان، ويبدو هو من رواد المقهى الدائميين وبعد السلام قدم نفسه، بأنه مُرشدٌ سياحيٌ اسمه متولي محمد علي، فطلبت منه تقديم معلومات عن عصابة ريا وسُكينة، فقال :
ولِدتّ ريا في قرية الكلح التابعة لمركز ادقو في محافظة أسوان في أقصى صعيد مصر في عام 1875 ميلادي بينما ولِدتٌ سُكينة عام 1885 ميلادية في قرية كفر الزيات، وتوفى والدِهِما وهُنَ في سن مُبكرة، ثم أنتقلت الأُسرة إلى بني سويف ثم إلى كفر الزيات، وكانت تعمل الشقيقتان في جمع القُطن، وتزوجت ريا من حسب الله سعيد مرعي وأنجبت منه طفلة تدعى بديعة، وطفل آخر توفى بعد ولادتِه بفترة وجيزة، ثم أنتقلت مع زوجُها إلى الإسكندرية لتُقيم في حي اللبان نحو عام 1913 ميلادية، ولحِقتها فيما بعد شقيقتُها ريا، وتزوجت محمد عبد العال الذي كان جارهم في ذلك الوقت، ومع الظروف الإقتصادية الطاحنة التي واجهت المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى وأنتشار البطالة والفقر، أتجهت الأُسرة إلى التفكير بتشكيل عصابة تقوم بالأعمال غير الشرعية والدعارة السرية، ثم بدأوا التفكير بسرقة المصوغات الذهبية من السيدات ودفنِهُن بشكل خفيٍ، وبدأ نشاط العصابة بشكل جليٍ ومنُظم ، إذ كانت الشقيقتان تقومان بإغراء وخُداع الضحية بالكلام المعسول، حتى تنالا ثقتها ثم تسقيانها خمراُ قويُ المفعول يؤدي إلى السكر والثمالة فتفقد القدرة على التركيز والقوة على المقاومة، ثم يتخذ كل فرد من أفراد العصابة دوره في عملية قتل الضحية عن طريق كتم أنفاسها .
وأضاف المرشد متولي، كان المتهم محمد عبد العال أول من إضاف إلى التحقيق تفاصيل عن كيفية قتل ودفن الضحايا، ليُنفي بذلك كل ما أُشيع عن إن العصابة كانت تخنق النساء، إذ تطابقت أقوالهُ مع تقارير الأطباء الشرعيين الذين جزموا بأن القتل كان يتم بواسطة كتمّ النَفسّ وليس بأي طريقة أُخرى، وعن دور توزيع أفراد العصابة في عملية القتل، قال مرشدُنا السياحي، إن محمد عبد العال الذي كان مشاركاً في معظم عمليات القتل، وإن دوره كان شلّ قدمي الضحية بينما يتولى آخر شلُ ذراعيها، ويقوم الثالث بتثبيت رأسها ليتمكن الأخير في كتم أنفاسها بمنديل مُبلل بالماء حتى تلفظ آخر أنفاسها، وما أن تفارق الضحية الحياة حتى يجردونها من حليُّها ومصوغاتُها الذهبية وملابسُها ثم يقومون بدفنِها في نفس المكان الذي قُتلت فيهِ، وكانت الشقيقتان تبيعان الذهب المسروق إلى أحد الصاغة في السوق، ثُمَ تُقسّمَان ثمنهُ مع بقية أفراد العصابة .
أكتشاف الخلية الأجرامية
ويواصل متولي حديثه قائلاً :
أستمر نشاط العصابة الأجرامية في أستدراج الضحايا وقتلهُن حتى وصلت إلى سيدة كما ( تقول وقائع التحقيقات)
إلى أن تم أكتشاف جرائمهما عن طريق الصُدفة، وكانت البداية في شهر ديسمبر ايلول من عام 1920 ميلادية، إذ تلقى اليوزباشي إبراهيم حمدي نائب مأمور قسم شرطة اللبان في الإسكندرية إشارة تلفونية من عسكري الدورية في شارع أبي الدرداء بالعثور على جثة إمرأة بالطريق العام، وتؤكد الأشارة وجود بقايا عظام وشعر رأس طويل، وإن جميع أعضاء الجسم منفصلة عن بعضها وبجوار الجثة طرّحة من الشاش الأسود وفردة شراب (نعال) سوداء مقارنة بأبيض، ولا يمكن معرفة صاحبة الجثة، أعقبها تقديم رجُل ضعيف البصر أسمه احمد مرسي عبده بلاغ إلى الكونستايل، إنه أثناء قيامه بالحفر داخل حجرتهِ لإدخال المياه والقيام ببعض أعمال السباكة فوجئَ بالعثور على عِظام آدمية.
فأكمل الحفر حتى عثرَ على بقية الجثة التي دفعته للأبلاغ عنها فوراً، فسارع ملازم بقسم شرطة اللبان بنفسهِ إلى بيت الرجل الذي لم يكن ببعيد عن القسم، ويرى الجثة بعينيهِ فيتحمس للتحقيق والبحث عن القضية ويكتشف في النهاية إنه أمام مفاچأة جديدة، هي إن البيت كان يستأجره رجل أسمه محمد احمد السمني وكان يؤجر حجرات البيت في الباطن لحسابهِ الخاص، ومن بين هؤلاء الذين أستأجروا في الباطن سُكينة بنت علي وآخرون، وإن سُكينة هي التي أستأجرت الحجرة التي عَثر فيها الرجل على الجثة تحت البلاط، وأكدت التحريات إن سُكينة تركت الحجرة مُرغمة بعد طرد صاحب البيت بحكم قضائي المستأجر الأصيل وحاولت العودة إلى أستئجار الحجرة بكل الطرق والأغراءات، لكن صاحب البيت رفض ذلك، مما دفع بالضابط في الشك بسُكينة بسبب ذلك وبعد العثور على الجثتين المجهولتين، تتوالى ظهور جُثث أخرى في مسارح الجريمة، وكانت البيوت التي شهِدتّ الجرائم موزعةً في أربعة مواقع وجميعُها تقع في حي المنشية، وكانت أقوى الأدلة هو العثور على جلباب نبوية في بيت سُكينة، وأكدت بعض النسوة من صديقات نبوية، إن الجلباب يخصُها، ولقد أعترفت سُكينة إنه جلباب سُكينة كما أقرت بمُشاهدتها للجرائم ومع مواجهتها لريا أضطرت إلى الأعتراف، ومع مواجهة بقية المتهمين بالأدلة وأعترافات الأخرين، انتهى بهم الآمر إلى أن اعترفوا بإرتكاب هذه الجرائم، والتي بلغ عدد ضحاياها 17 إمرأة وأنفردت النيابة بعد أعتراف ريا وسُكينة بجرائمهما مُبكراً، بأكبر شاهدة أثبات في القضية بديعة حسب الله بنت ريا والتي أعترفت بوقائع أستدراج النساء إلى بيت خالتِهِا، وقيام الرجال بذبحِهُنَ ودفنِهُنَ، فيما توفتّ بديعة لاحقاً وهي في ملجأ الأيتام وعمرُها 13 عاماً .
قرار حُكمّ المحكمة
وبحسب سجلات النيابة والشرطة في الإسكندرية يختتم المرشد السياحي مرسي محمد علي قولهُ :
لقد تم توجيه تهمةَ القتل العمدّ مع سبق الأصرار والترصُد وبدافع السرقة لكل من :
ريا وسُكينة علي حماد، وحسب الله سعيد مرعي، ومحمد عبد العال، وعرابي حسان، وعبد الرزاق يوسف، وحكمت المحكمة عليهم كافة بالأعدام شنقاً حتى الموت، وتم تنفيذ حكم الأعدام عليهم في ديسمبر عام 1921 ميلادية .
يُذكر إن قصة عصابة ريا وسُكينة أشتهرتا إعلامياً، وتناولت الكثير من الأعمال الفنية نفس الأسم، إذ ألهمتّ قصتِهُنَ العديد من صناع الفن، حتى بلغت نحو 12 عملاً فنياً، من أفلام ومسلسلات ومسرحيات وأعمال إذاعية، وتم أقتباس قصتِهُنَ في الأعمال الفنية العربية، كما أصدرت عدة مؤلفات عن حياتِهُنَ وجرائمِهُنَ، أشهرُها كتاب ( رجال ريا وسُكينة ) من تأليف صلاح عيسى عام 2002 ميلادية .

















