مسيرة يوم
أعطَوه بابا للخروج من جسده ، قالوا له اختر حياتك وسر بها حيث تريد وعد إلينا بعد ألف عام إن شئت أو بعد مئة ألف عام .. كانت الطبيعة تتعرى أمام عينيه وتغتسل بالبحر الأبيض ، وجسدها الرخامي كان ناصعا ، كنظرته للأتي . ركض إلى ذراعيها ، كان بكامل رجولته فأنجب منها الكثير من الأفكار التي تطايرت في نشوته هنا وهناك ، ولونت الحياة بكل ألوان الإنسان . كان الأبيض هو الغالب لذا لم تفارق ضحكته شفتيه وهو يسير قاطعا مسافة الخصر على جسد الأرض ، كان يوغل بالسير ومعاشرة الحسان وكانت الألوان التي تتناسل منه توغل في التحول وتتكاثر بألوان اخرى لا يعرفها . بعد مسيرة حياة كانت الأرض تغير جلدها وتلبس أثوابا كثيرة ..( الحياة ليست إلا مركبا كلما قدمتْ مسيرته في الماء اخترق الموج مساماته واكل فؤاده وتركه هشا تُغرقه اضعف موجة وتصفع جسده اصغر يد للريح ) هذا ما قاله لنفسه وهو يرى القارب الذي لم يعد قادرا على حمله يرمي به على حافة ساحل . هناك تفتحت عينيه ورأى كيف يلبس الماء ثوب السواد ، ويتحول إلى بحر احمر . أحب أن يصحو من هذه الألوان التي خنقت بياض لونه ، غسل وجهه ببعض الماء الذي تخللت ، بعض قطراته ، عينيه .. فلمح النار التي أُضرمت لتأكل إبراهيم تكبر وتأكل قلوب الملائكة ، والصليب الذي كان سيرفع عيسى لمحه يرفع هامات النخيل ، في حين كان منشار الحقد الذي طمع بجسد زكريا يأكل سفينة نوح وينادي الطوفان، لم يستطع أن يرى أكثر ففتح عينيه على سعتهما لفرط وجعه ، لكن ألآلاف من النساء والأطفال والرجال والشيوخ عبروا حدقتيه وهم ينزحون في جانب من الأرض ، وعلى أعلى قمة جبل من جبالها رأى الطبيعة وهي ترتدي السواد وتُباع سبية في سوق الظلام . أراد أن يصرخ بالألوان لكن مقبض سيف ، سقط من يد فارس تآمر ليغرس سيفه مع سيوف أخرى في ضربة رجل واحد في قلب الكلمة ، حُشر في حنجرته و منع صوته من الانطلاق ، كانت يده أسرع من الضوء وهو يمدها ويفتح بابا للخروج من جسده بعد مسيرة يوم واحد على صراط الصبر . هناك وقف متضرعا : لا تجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء(هل كان أول مخلوق رأى مسيرة الحياة حتى أخرها أم كان أخر مخلوق رأى الحياة من أولها ؟؟ لا احد يعلم ، لكن المؤكد انه رأى الطريق وهي تلتوي وتنسى نقاء الخطوات) .
شيماء المقدادي