مصلحة أم ضدها؟
مسيرة إنضمام العراق إلى منظّمة التجارة العالمية
ماجد جواد الامير
في شباط عام 2011 قدم العراق طلب الانضمام بصفة مراقب في منظمة التجارة العالمية وحصلت موافقة المجلس العام على قبول الطلب ومن بعدها تم اعداد مذكرة سياسة التجارة الخارجية وهي وثيقة الانضمام الرئيسية المقدمة من قبل العراق الى المنظمة في عام 2005 نظرا لحصول قناعة الجانب العراقي بذلك .تمت دراسة المذكرة من قبل سكرتارية المنظمة حيث طرحت اسئلة واستفسارات عن الملفات السياسية والاقتصادية في العراق اجيب عنها في 2006 من قبل اللجان المختصة. قدت مجموعة من الاجتماعات التفاوضية بين العراق والمنظمة بين عام 2004 و 2008 نوقشت فيها الملفات المهمة التي تقف عائقا في طريق انضمام العراق الى المنظمة مثل ملف العوائق الفنية امام التجارة وملف الملكية الفكرية وكذلك الملف الخاص بالزراعة والخطة التشريعية . حيث طلب من العراق تقديم البيانات والاحصائات الخاصة بتلك الملفات والاجابة عن الاسئلة والاستفسارات الموجهة من قبل الدول الاعضاء حول سياسة العراق الاقتصادية والسياسية والمالية وتحديث خطة التشريع بما يلائم ضروف انضمام العراق للمنظمة وكذلك تقديم العروض الاولية للسلع وجدول الالتزامات الوطنية الخاصة بقطاع الخدمات لغرض التفاوض مع المنظمة بموجبها مستقبلا .تم تقديم ملف العرض الاولي للسلع والتي شملت السلع الزراعية والغير زراعية والتي يحتمل استيرادها من قبل العراق .
وفي الجانب الكمركي حصلت مناقشة الملاحظات الخاصة بنفاذ قانون التعريف الكمركية رقم 22 لسنة 2010 ونسبة 5 بالمئة المطبقة حاليا .
في مجال التشريعات يجرى وبشكل مستمر العمل على موائمة التشريعات العراقية مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية .قامت الجان المختصة بمتابعة مستمرة في دراسة القوانين الخاصة بوزارات الدولة لغرض ارسالها الى منظمة التجارة العالمية بعد اتمام موائمتها مع اتفاقيات المنظمة وكذلك دراسة مشروع قانون الملكية الفكرية ومشروع قانون الجهاز العراقي للتقيس والجوده كما تم دراسة قانون الجمارك العراقي النافذ رقم 23 لسنة 84 وموائمته مع اتفاقية التقيم الجمركي .
كما قامت اللجان الفنية الفرعية المعنية بالتجارة بمليء جداول التزامات التجارة الوطنية لقطاعات المالية والمصارف والسياحة والاتصالات والاعمال والاسكان والبيئة وخدمات الاعمال التجارية لغرض تقديمها كرزمة واحده للتفاوض في نهاية عام 2012 .
اراء في انضمام العراق الى منظمة التجارة الدولية
هناك نقاش دائر حول جدوى انضمام العراق لمنظمة التجارة العالمية وفيما اذا كان الانضمام لمصلحة البلد ام انه يمثل تحدياً خطيراً وله تداعيات غير محسوبة النتائج. هناك من يحبذ الانضمام لما له من أثار ايجابيه وهناك من يعارض ويحذر من تداعيات الانضمام على الصناعه وعلى الاقتصاد ككل .
وبهدف اجراء التقييم العلمي لجدوى الانضمام لابد من دراسة الملف الاقتصادي العراقي وواقع الصناعة في العراق من خلال دراسة الملفات التي تم ذكرها سابقا ، ودراسة طبيعة عمل المنظمة الدولية المعنية وقوانينها وممارساتها ومن ثم تشخيص ابرز الاستنتاجات والاجراءات المطلوبة لمواجهة التحديات التي يمثلها انضمام العراق لتحديد الخيارالمناسب . يأخذ البعض على المنظمة الدولية بأنها تخترق وتقّوض السيادة الوطنية للبلدان من خلال تشجيع ورعاية مصالح الشركات متعددة الجنسية، وبأن عملية تحرير التجارة تقود الى تخريب البيئة وأنخفاض مستويات معيشة العمال ذوي المهارات المتدنية في البلدان النامية.
وفي نفس الوقت هناك مزايا تنسب الى المنظمة وهي تحويل الاقتصاد الوطني للبلد المعني الى اقتصاد حر يعتمد على التجارة الحرة المستندة الى المنافسة، وان هذا من شأنه ان يساعد على دفع المنتجين نحو الانتاج بمواصفات عالية، كما تدفع الأسعار العالمية الى الانخفاض بما يحقق المنفعة للمستهلكين ويحقق منتجات وخدمات متنوعة تتمتع بالجودة والنوعية.
كما ان الانضمام الى المنظمة يؤدي الى توسيع الاسواق للبلدان الاعضاء وتشجيع فرص التصدير جراء انخفاض الرسوم الجمركية المفروضة على صادرات البلدان المذكورة في الاسواق العالمية، مما يعني توسع حجم الانتاج وارتفاع معدلات استغلال الطاقات الانتاجية وانخفاض تكلفة الوحدات المنتجة.
كذلك خلق المزيد من فرص العمل وبالتالي تقليص حجم البطالة المنتشرة في معظم البلدان.
ان حضور الاستثمار الاجنبي في البلدان النامية يساهم في تحفيز الاستثمار الوطني وفي تدفق التكنولوجيا الحديثة الى البلد العضو وبالتالي يساهم في تعزيز القدرات التكنولوجية المحلية. ومن الضروري الذكر بإن المنظمة، وطبقاً لقوانينها، تسمح للبلد العضو الذي يتعرض الى حالات الاغراق من اتخاذ الخطوات المناسبة لمواجهة هذه المشكة بعد استصدار التشريع الخاص بذلك من قبل المنظمة من خلال فرض القيود لغرض حماية المنتجات المحلية في البلدان الاعضاء من الممارسات الضارة بالتجارة الدولية، وغالباً ما تشتمل هذه القيود فرض الرسوم الجمركية على السلع التي تمثل حالة الاغراق وبالتالي تحافظ على مصالح المنتجين المحلين والاقتصاد الوطني بشكل عام.
ان التحدي الأساس لانضمام العراق الى المنظمة هو ان تضع اقتصاد البلد عموماً والصناعة والنشاط التجاري بشكل خاص في مواجهة مع منافسين عالميين يمتلكون الخبرة الطويلة (الفنية والادارية) والتكنولوجيا المتطورة والقدرة على الوصول الى مصادر التمويل، وهذه كلها امور تفتقر اليها الصناعة في البلدان النامية ومنها العراق. ان مصدر هذه المنافسة غير المتكافئة هي الشركات متعددة الجنسية التي تلعب دوراً مهماً في تشكيل وتحديد قوى السوق العالمي. حيث انها تستند في اعمالها الى سلطة الاحتكار التي تساهم في خلق اسواق شاذة وغير طبيعية بحيث تمكنها من تحقيق الأرباح الكبيرة، الأمر الذي يجعل الشركات الوطنية في البلدان النامية اسيرة لتصرفات الشركات الاجنبية العملاقة وهذا يؤدي الى تهميش دور ونشاط الشركات الوطنية ويتعارض مع الأهداف الاقتصادية للعديد من البلدان النامية .
ومن ضمن التحفضات المؤشرة على المنظمة فان القيود الفنية المفروضة على التجارة والتي تفرضها المنظمة الدولية على الاعضاء وكذلك منظــــــــمة التقييس الدولية، والتشــــــــــــدد في تطبيقها، يضع العراقـــــــيل والصعوبات أمام المصدرين في البلدان النامية ويؤثر ســــــــلباً على حجم الصادرات وعلى الميزان التجاري وميــــــــــــزان المدفوعات .
تلك مجموعة من المزايا والتحفضات على مجمل واقع عمل منظمة التجارة العالمية تستوجب البحث والدراسة لمعرفة موقع العراق من تلك المنظمة .