مستقبل كرة القدم .. مسابقات أندية أم منتخبات ؟ – حسين الذكر

مستقبل كرة القدم .. مسابقات أندية أم منتخبات ؟ – حسين الذكر

قبل الشروع والخوض ببعض التفاصيل والتغييرات الفنية و الإدارية والتحكيمية يجب ان نؤمن بان كرة القدم أصبحت جزء من الراي العام العالمي وما يمثله ذلك من الانتقال من النظر اليها كاداة ووسيلة سياسية الى التاثير بالسياسة او جزء منها وذاك لا يعني السياسة بمفهومها الخاص المتعارف بقدر ما تعنيه من أهمية قصوى تشغل بال الراي العام والتاثير الإيجابي بالمجتمعات مما يتطلب التداخل والتفاعل بالقوى الأخرى من قبيل الثقافة والامن والاعلام والتواصل والاتصال والتجارة والسياحة والصحة والاقتصاد … وغير ذلك الكثير مما يشغل بال جماهير العالم المليارية المتاثرة بكرة القدم والمتابعة لها اكثر من أي حدث سياسي عالمي اخر ..

هنا ينبغي الالتفات الى نقطة تعد جوهرية ولم تتغير منذ مائة سنة وآن الاوآن للتفكير فيها ، فمنذ عقود وعند الانطلاقة الأولى لبطولات كاس العالم والتباري والخوض القاري والدولي كانت وشكلت المنتخبات الوطنية للدول المعول عليها والاداة الاساسية لهذه اللقاءات التي تجذب الجماهير بل وربما هي ممثلها الشرعي الكبير الحامل لرمزية كل المعان الوطنية الأخرى .. فيما اليوم تكاد تكون المنتخبات قد ضعفت فيها جذوة الرمزية لدرجة فقدانها الهوية الحقيقية من خلال التجنيس والتلاعب بالاعمار .. وغير ذلك الكثير مما اثر على مصداقية الاتحادات والمؤسسات حتى لم يعد هناك منتخب يعد معبر حقيقي عن مضمون ما يحمله من شعار وهوية كروية الا ما ندر وهم اقلية مقارنة مع أكثرية المجنسين .. من هنا اخذت الأندية الاحترافية تتسيد المشهد وتغطي ذلك النقص الواضح حتى بدات بطولات الأندية من قبيل دوري الابطال الأوربي وبقية كؤوس القارات والدوريات الملحية … تسيطر على المشهد تماما حتى انها أصبحت لافتة للانظار وتعد قبلة الجماهير اكثر من أي بطولة دولية أخرى للمنتخبات بل حتى اكثر من بطولة اوربا وكاس العالم التي أصبحت بطولاتها مرهقة متعبة مربكة لمشاوير ومحطات الأندية واللاعبين وتشكل عبء على استعدادات الأندية وجماهيرها المليونية غير المحصورة في حدود دولة ما بل غدت تعبير حقيقي لمضمون اصطلاح عابر للقارات ، مما اثار تذمر وسخط واضح لدى المشاهدين اذ ان غالبيتهم لم تعد تنتظر كاس العالم وبطولات اروبا برغم ما يحشد لها من أموال واعلام ووقت وجهد طويل عريض مهلك ومستهلك .. هذا يمكن قياسه بالأرقام والإحصاءات وسيظهر جلي خلال عشر سنوات قادمة ولكن بعد ذاك ستكون الاجيال اللاحقة متعشقة مع انديتها ولاعبيها اكثر من أي شيء اخر .. فعلى سبيل المثال لا الحصر ان ( ليو مسي ) ايقونة برشلونة وجورة كرة القدم العالمية المسيطر على الاجواء والاحداث والمشاهد خلال عقدين من الزمن تقريبا عرف واشتهر وسيطر على الحب العالمي اكثر من أي رمز سياسي او ديني او فني آخر من خلال تسويقه عبر نادي برشلونة حصرا وليس المنتخب الارجنتيني ..

مما يفرض علينا التفكير الجدي بكيفية إزاحة كل ما يعرقل توسع كرة القدم وتسويقها وتاثيرها وانطلاقتها العالمية الوجدانية والتنظيمية والفنية والاقتصادية … بما تستحقه من هيمنة مطلقة وبما ينبغي اطلاق العنان لها لتاخذ حجمها وتاثيرها الحقيقي سيما في بطولات الأندية كبديل جاهز وحتمي للمنتخبات … وهي فرصة لتعميم كرة القدم لتصبح فعلا أداة عولمية لتعارف العالم والانسجام فيه واطلاق عهد حضارة جديدة تكتسح البشرية للوصول الى خير عام افضل مما نحن عليه .. وهذا لا يتم الا من خلال تشجيع القرية العالمية واغناء فكرة سلمها وامنها وثقافتها .. فان فكرة المنتخبات قائمة على القومية والاثنية والدينية … اكثر من أي عنوان رياضي اخر مما تعد مؤثرة ومحفزة للتعصب بكل معانيه وصوره فيما الأندية لا تحمل معنى غير الفن الكروي والحب للاعبين وما يقدموه دون النظر الى هوياتهم الاصلية او دياناتهم وقومياتهم ووطنهم .. وهي فرصة كبيرة الان ان يتولى الاتحاد الدولي الفيفا لكرة القدم اخذ زمام المبادرة لالغاء بطولات كرة القدم العالمية والقارية والاهتمام كل الاهتمام بإعادة صياغة بطولات الأندية وتنظيمها بالشكل الذي يليق بحجمها وتاثيرها العالمي وما تمهده للتحول الى قوة عالمية تكون فيها الجماهير هي الفيصل واللاعب الأول اذ ستنقسم على الأندية العالمية بمعزل عن الدولة القومية .. فلا حدود ولا قارات ولا تقسيمات بكرة القدم .. انها هوية العولمة واداتها وترجمانها .. وهذا ما سيطور كرة القدم ويجعلها متغلغلة مسيطرة على مقدرات أخرى بما يسمح للإفادة من إمكاناتها الاقتصادية والصحية والاجتماعية والأمنية والسياحية والثقافية .. غير ذلك الكثير مما هو واقع ويعيه الفكر واهل الشأن ..

مشاركة