مستقبل توازن القوى بعد إنشاء ممر زنغزور – اياد العناز

 

اياد العناز

جاءت الاتفاقية السياسية الثنائية التي وقعت في احدى قاعات البيت الأبيض بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب بين دولتي أذربيجان وأرمينيا لتعطي ملامح ميدانية تؤكد أن اتفاقية السلام بين البلدين لا تشكل نهاية نزاع حدودي تاريخي وإنما بداية لإعادة تموضع جديد للاستراتيجية الأمريكية في منطقة القوقاز وتقليص للدور الروسي الإيراني وتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثمار المالي لدول آسيا الوسطى بعيدًا عن النفوذ والهيمنة الروسية والدور الإيراني.

تمكن الرئيس ترامب من إقناع الرئيس الاذربيحاني الهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان من الجلوس إلى طاولة الحوار والاتفاق على إنهاء الحرب القائمة بينهما والتي امتدت لعقود أربعة ماضية والاتفاق يعتبر إنجازاً سياسيًا واقتصاديًا مهمًا للبلدين في منطقة استراتيجية ذات أبعاد ميدانية تتعلق بالطرق التي تهتم بالتجارة الدولية وتصدير الطاقة وتشكل المساحة التي تمتد إلى بحر قزوين والبحر الأسود وتمثل أهمية بالغة في الحفاظ على المصالح والمنافع الدولية والإقليمية.
تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة لهذا الاتفاق من الوصول إلى منطقة جنوب القوقاز وتعزيز حضورها في ممر زنغزور الذي يبلغ طوله 43 كم و يمر عبر إقليم سيونيك جنوبي أرمينيا ويربط دولة أذربيجان وجمهورية ناخيتشيفان الواقعة بين الحدود الممتدة بين أرمينيا وإيران، وهو تدعيم للمقترح الذي قدمه السفير الأمريكي في أنقرة ( توم براك) بتأجير الممر مدة (99) عامًا وبحماية عسكرية أمريكية مدنية.

يساهم انشاء الممر في إعادة ترتيب الأهداف الجيوسياسية للولايات المتحدة وتثبيت دعائم سياسية (موازين القوى) في منطقة القوقاز ذات الأهمية الاستراتيجية حيث خطوط الطاقة والنقل والتجارة الدولية، في غياب النفوذ الروسي وانعدام تأثيره بسبب انشغاله بالحرب القائمة مع أوكرانيا وابتعاده عن بعض الأحداث الإقليمية وعدم قدرته على معالجة الخلاف الأذربيجاني الأرميني رغم العلاقة الوطيدة التي تربطه بالدولتين، مما اتاح لادارة الرئيس ترامب أن تتقدم في المنطقة وتتواصل مع قيادتي البلدين وتمكنت من عقد مصالحة سياسية افضت إلى اتفاقية سلام مهمة في وقت تشهد منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى العديد من الأزمات والمشاكل والنزاعات السياسية.

تعتبر إيران عملية انشاء ممر زنغزور تهديد لأمنها القومي عبر التواجد الأمريكي بالقرب منها وحصارها واقتصاديًا عبر إضعاف قدرتها وفقدان أهميتها كمعبر إقليمي عبر قطع حدودها البرية مع أرمينيا وزيادة المخاطر السياسية والاقتصادية والاستخباراتية والأمنية بأشكالها المختلفة والعسكرية والجغرافية على النظام السياسي الإيراني، ولهذا اعتبره على أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي للشؤون السياسية مؤامرة أمريكية في حال إكمال انشاء الممر وهيمنة أمريكية على المنطقة اقتصادياً وأمنيًا، وأن إيران لا يمكن لها الموافقة على مشروع يدعمه الرئيس ترامب،
أن أي تغيير في منطقة القوقاز سيكون ذات تأثير كبير على حالة الأمن والاستقرار للدول المحيطة بها وهو ما يشكل خطرًا على مستقبلها ويؤثر على مصالحها ومن الممكن أن تتطور الأحداث الي نزاعات خلافات سياسية نتيجة إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على الشروع بإنشاء ممر زنغزور والذي أطلقت عليه واشنطن ( ممر ترامب للسلام والازدهار).
ويمكن قراءة التقرير الذي أوردته وكالة بلومبرغ الامريكية والتي أوضحت فيه ، (أن الاستثمار المكثف في هذا الممر الجديد قد يتعارض مع الواقع السياسي والاقتصادي المعقد في المنطقة حيث لا تزال التوترات قائمة وتتقدم المشاريع المتنافسة بوتيرة أسرع بينما تظل العديد من الخطط الأميركية على الورق)، أن من الصعوبة إكمال هذا الممر الذي لا يتوافق مع المصالح العليا لكل من روسيا رغم ظروفها السياسية ولكن هناك المنعطفات المهمة التي قد تشهدها ردود الأفعال الصينية في النظر للوجود الأمريكي وما قد يهدد توجهاتها الاقتصادية واستثماراتها المالية في تنفيذ مشروعها الخاص في إطار (مبادرة الحزام والطريق).
أن الدوافع الأمريكية لإنشاء ممر زنغزور وتأجيره لمدة زمنية طويلة، رسالة واضحة لدول آسيا الوسطى بضرورة توسيع علاقتها وتحالفتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها إشارة ضمنية لمواجهة النفوذ الاقتصادي الصيني وتبعيات الأهداف الاستراتيجية السياسية للقيادة الصينية في الإقليم، مع إعطاء اهتمام للابتعاد الروسي وعدم الانجرار لاحداث مشكلة تتعلق بالاهتمام التاريخي لروسيا في منطقة القوقاز في وقت تقترب القيادتين الأمريكية والروسية للقاء تاريخي يعيد دفء العلاقة بينهما، ولكن الأهم لدى ادارة الرئيس ترامب أن تشعر إيران أن واشنطن أصبحت أكثر قربًا إليها وإلى دائرة نفوذها واحتوائها.

مشاركة