مستقبل الجنس البشري

مستقبل الجنس البشري

يعقوب افرام منصور

في 6 آب 1945 ، إقترفت الإدارة الأمريكية، في عهد رئيسها ترومان، أبشع جريمة شهدها العصر، ألا وهي إلقاء قنبلة ذرّية على مرفأ (هيروشيما) في جزيرة (هوتشو) اليابانية، نجم عنها (160) ألف إصابة بينَ قتيل وجريح ومُشوّه، وأعقبتها جريمة مماثلة في 9 آب على مرفا (ناغازاكي) في جزيرة (كيوشو) اليابانية، ونجم عنها (80) ألف قتيل. عند انتهاء الحرب مع ألمانيا في 7 أيار 1945، كانت الأغلبية العظمى من العلماء المسهمين في صنع القنبلة الذرّية، ترى عدم استخدامها ضدّ اليابانيين الذين كانوا على وشك الإندحار في الحرب، والذين لم يكونوا أبدًا يشكّلون خطرًا على العالم، يوازي خطر هتلر، فتقدّم كثيرون من تلك الأغلبية باعتراضات ونداءات مُلِحّة إلى الحكومة الأمريكية، دعوا فيها إلى تفجير القنبلة في صحراء، بعد إعلانها عن التفجير، بدلاً من استخدامها سلاحًا حربيًا ذا تدمير شامل، كما دعوا إلى وضع السيطرة على الطاقة النوَوِية في المستقبل في أيدي سلطة دُوَلية، وقد حرّر سبعة من أبرز علماء الذرّة ( تقرير فرانك)، ورفعوه إلى وزير الحرب الأمريكي في حزيران 1945.

للفيلسوف المعاصر (برتراند رَسِل)كتاب في غاية الأهمية والجدوى لمستقبل الجنس البشري على كوكبنا، وعلاقة هذا المستقبل بِتِقنِيّة السلاح، عنوانه (هل للإنسان مستقبل؟)(1)  ألّفه في عام 1961، وهو بمثابة خطاب وجّهه الفيلسوف إلى مئات الملايين من سكّان الأرض، بلا تمييز بين شرق وغرب، وبلا فروق بين الأقوام من حيث اللون والعقيدة والأنظمة السياسية والإقتصادية والأقاليم ( بحسب التقسيمات السياسية التي أدّت إلى أسباب تفرقة سكّانها), وقد أعرب المؤلف نفسُه عن تقييمه مضمون (تقرير فرانك)، قائلاً : ” هذا التقرير وثيقة بعيدة النظر تستحق كلّ إعجاب، ولو أن الساسة وافقوا على العمل بها، لما وقعت أحداث الرعب التي توالت علينا بعدئذٍ”.  جاء في التقرير:إن النجاح الذي حققناه في الحصول على الطاقة النَووية أعظم، بدرجة لا حدّ لها، من جميع المخاطر الناتجة من جميع مخترعات الماضي”. وفي حين أن التقرير أبدى إستحالة بقاءِ سرٍّ مكتوم طوال الزمن، وأن روسيا ستتمكّن حتمًا من صنع قنبلة نَوَوية خلال أعوام قليلة، فقد استطاعت روسيا أن تحقق ذلك في أربع سنوات بعد فاجعة هيروشيما “. ويضيف رَسِل: إن السنوات اللاحقة قد حققت، بشكل يثير الرعب ، صحة اعتقاد التقرير الذي نصّ:  “إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق دُوَلي فعّال، فالسباق للحصول على الأسلحة النَوَوية ( اي القنبلة الهيدروجينية) سيبدأ   جديًا في الصباح الذي يعقب أول استعراض يظهر فيه امتلاكنا السلاح النووي. بعد ذلك ، قد تحتاج الدول الأخرى إلى ثلاث أو أربع سنوات للتغلّب على تخلّفها عنّا بسبب سبْقنا لها إبتداءً … وإذا كانت الولايات المتحدة أول من يُطلق هذه الوسيلة الجديدة للدمار العشوائي على الجنس البشري، فإنها ستفقد الإسناد الشعبي في جميع أرجاء العالم، وتثير عجلة سباق التسلّح، وتُلحق ضررًا بليغًا باحتمالات التوصّل إلى اتفاق دُوَلي للسيطرة في المستقبل على مِثلِ هذه الأسلحة” (ص 34).

   هذا كان رأي أغلبية العلماء الذين عملوا لصنع القنبلة الذرّية، وكان (نيلس بوهر) ـ أبرز فيزيائي يومئذٍ بعد أنشتاين، فناشد كُلاً من شرشل وروزفلت، بمنتهى الجدّية، أن يستجيبا إلى تلك النداءات، بيدَ أنهما لم يعيرا أيَ اهتمام لمناشدته. وعندما توفّيَ روزفلت، كان خطاب مناشدة (بوهر) موضوعًا على منضدة روزفلت في ظرفه المغلَق! ومما عرقل جهود العالم في هذا المنحى الإنساني النبيل أن الساسة الكبار وأساطين الإستعمار والتسلّط والجنرالات عدّوا العلماء نائين عن واقع العالم، ومبتوتي الصلة بالحقيقة، وعاجزين عن إصدار أحكام واقعية تتعلّق بالشؤون السياسية!! غير أن التجارب المريرة المؤسفة لاحقًا أكّدت أقوال العلماء، وكشفت أن العلماء ـ وليس الساسة والجنرالات ـ  هم الذين كانوا مدركين حاجة البشرية الماسّة (ص 35).

    بعد كارثة هيروشيما وناغازاكي، أوجد علماء الذرّة الساخِطون ( نشرة علماء الذرّة)، واصلوا فيها الإفصاح عن النظرة السليمة حِيالَ السلاح الذرّي والحرب الذرّية حتى أوان تأليف كتاب برتراند رَسِل في عام 1961 (أو بعده؟)  مع العلم أن رَسِل ألقى خطابًا في مجلس اللوردات البريطاني في 28/11/ 1945، أفصح فيه عن وجهة نظر مماثلة، من حيث الجوهر، لتلك الواردة في ( تقرير فرانك)، ولم يكن آنئذٍ قد اطّلع عليه بعدُ، بَيدَ أن خِطابَه إلى المجلس المذكور لم يظهر منشورًا إلا في محضر وقائع مجلس اللوردات ـ الجزء المرقم 138. وعلى الرغم من هذا التعتيم التام على الخطاب، ومواقف الساسة والعسكريين الكبار، المأخوذين بِهَوَس الحرب والتدمير والإبادة، كرّسَ الفيلسوف رَسِل أيام حياته الباقية لدعوته النبيلة للسلم، وأدّت به دعوتُه تلك إلى اقتياده إلى السجن وهو في التاسعة والثمانين، وأسس من أجل ذلك ما عُرف ب “حركة بكواش ” (Pugwash Movement )، وكانت وفاته في عام 1970. ومن المعلوم أن برتراند رَسِل كان معاصرًا للفيلسوفَين الوجوديَين مارتن هايدغر ألألماني وسارتر الفرنسي، وعاشا بعده، ولكن لم يؤثَر عنهما  موقفٌ إنساني مُشَرّف مُماثل لموقف رَسِل المشار إليه آنفًا. لكن لا بُدّ أن مفكّرين آخرين كانت لهم مواقف مشابهة لموقف رَسِل.  من مشاكل عصرنا المستعصية أنه كلما ازدادت المهارات الفنية، وتطوّرت الطرائق التِقنيّة سراعًا، تضاءلت واضمحلّت الحكمة البشرية، وقد تصل يومَا إلى حد الجزر الأدنى. وخيرُ دليل على ذلك هو انحسار الحِكَم والأمثال في عصرنا، وتضاعف الخَبْل والجنون بأشكال وفنون عِدّة، منها جنون التسلّح، وهَوس التدمير اللامحدود إلى حد تدمير الإنسان نفسه. في هذا الصدد يقول رَسِل مُتأسِّفًا عميق التأسّف : ” لم يبدُ على الساسة والرأي العام، سواء في امريكا أم روسيا أم بريطانيا أم فرنسا، أي أثر من تلك الحكمة، بعيدة النظر، التي جاءت وحيًا على ألسن خِيرةِ  العلماء، حين كانت الكراهية تُعتَبَر مُرادِفًا للوطنية آنذاك ( أي في عام 1945)، وارتُؤيَ أن الإعداد للحرب هو الوسيلة الوحيدة لحفظ السلام، ووُضِع العالم في اتّجاه مغلوط، وتحرك في السنوات اللاحقة أبعدَ وأبعد على الطريق نحو الكارثة”، وذلك بعد استنباط القنبلة الهيدروجينية التي قوتها ألف مرّة من قوة القنبلة الذرّية ـ كما ثبتَ من الإنفجار الذي وقع في (بكيني) في 1/3/ 1954.

 قبل خمسة عقود، قال رَسِل في كتابه المذكور:” إن بعض الأشياء التي كانت وما تزال واضحة للمعنيين بأخطار السلاح النَوَوِي: أحدها هو الحاجة المُلِحّة إلى نزع السلاح النَووي، والثاني هو أهمية إيقاف التجارب  النَووية، وثالثها الخطر الكامن في السياسة الحالية الداعية إلى الإنتقام الفوري، والرابع هو منع انتشار الأسلحة النووية إلى الدول التي لم تحصل عليها بعدُ، وبالرغم من الإجماع على لزوم العمل وفقَ النقاط الأربع المذكورة، لم يتحقق شيء بالنسبة لأيٍ منها.” وها نحن الآن، بعد انصرام تلك العقود، لم يتحقق شيء من تطبيق تلك النقاط لضمان سلامة مستقبل الجنس البشري. إن أهمية إلغاء التجارب النَووية تكمن في قضيتين، أولاهما أن الإلغاء سيجعل انتشار الأسلحة إلى دول جديدة ، أصعب مما في حالة استمرار التجارب، وثانيتهما أن الإلغاء سيضع حدًا للآفات المرضية( الناجمة عن تساقط الغبار الذرّي) في حالة ديمومة السلم، مع العلم أن التجارب النَووية حتى عام 1958 زادت من الوفيات الناتجة عن السرطان، ومن الأطفال الذين وُلدوا مُشوّهين أو متخلّفين عقليًا وجسديًا. ويستطرد رَسِل قائلاً: ” إن الحكومات تصرف مبالغ معيّنة على البحوث الخاصّة بمنع السرطان، ولكنها تصرف مبالغ هائلة للتسبب في حدوثه. أما مدى وعدد الإصابات بضرر الجينات من جرّاء التجارب”، فحدّث عنه ولا حرج، قكيف يغدو هذا الضرر الجيني، حجمًا وبشاعةً،  في حالة وقوع حرب نَووية؟! من المناسب جدًا ـ يقول رَسِل ـ توجيه هذا السؤال إلى السادة المرفّهين الذين يتأملون بهدوء وسكينة إمكان الإنفجارات النَووية” ثم إلى  “معتنقي مبدأ الإنتقام الفوري بالقنابل الهيدروجينية، الذي سرَت دعواه بصراحة في الغرب، ومن المحتمل أن الشرق أخذ به أيضًا”. في هذه الحرب قد تكون نهاية الجنس البشري، أو في أحسن الظروف الممكن تصوّرها، ستؤدّي إلى ” إشتراكية النكبة !”. ص55

مكافحة الخطر النووي

 إستنادًا إلى رَسِل، إن أغلبية ساحقة من العلماء البارزين قامت بما فيه استطاعتها لمكافحة الخطر النَووي ، وقد حال الساسة والجمهور والصحف دون الإطّلاع على مساعي العلماء بشكل واسع، وأحد تلك المساعي قد تمّ بمبادرة من الكونت برنادوت، حينما إجتمع عدد من أبرز رجال العلم الغربيين في جزيرة ماينو (Mainu )، وبعد أعوام من الإجتماع وفي 15 تموز 1955، وقّعوا البيان الآتي: ” نحن الموقّعين على هذا النداء، علماء من بلاد عديدة وعناصر متباينة وعقائد مختلفة ومعتقدات سياسية متفارقة، لكننا نشترك جميعًا في امتياز الحصول على جائزة نوبل للسلام. لقد أسعدنا أن نكرّس حياتنا لخدمة العلم، لأننا نعتقد أن العلم هو طريق الحياة الأكمل للجنس البشري. ولكن يُرهِبُنا أن نُدرك أن هذا العلمَ نفسَه هو الذي يُمَوّن الإنسان بالوسائل لتدمير نفسه. فالحرب الشاملة وباستخدام الأسلحة المتيسّرة الآن قد يُصبِحُ العالَم ملوّثًا بالإشعاع الذرّي، فتؤدي معها الحرب إلى تدمير أمم بكاملها، وإبادة المحايدين والمتحاربين على السواء. وإذا ما دخلت الدول الكبرى في حرب، من ذا الذي يضمن أنها لن تؤدّي إلى مثل هذا الصراع المميت ؟ وهكذا ستدعو أية دولة تثير حربًا شاملة الى تدمير نفسها وتهديد العالم بأسرهِ”. ص66                             وفي الشهر الأول من عام 1958، رُفعت عريضة إلى الأمين العام الراحل (داغ همرشولد) في هيئة الأمم المتحدة، أعدّها الدكتور (لينوس باولنج)، وهو من أنشط العلماء في البحث عن سُبل تقليل خطر الحرب النوَوية، حثّ فيها على عقد إنفاقات لإيقاف التجارب كخطوة أولى نحو إلغاء الأسلحة النَووية، ووقّع على مسوّدة العريضة 9235 عالِمًا. ومما ورد في مطلع العريضة :

     “إن كل قنبلة تجري تجربتها تنشر عناصر إضافية  مُشعّة على  كل أطراف العالم، وكل زيادة في كمية الإشعاع تُلحق أذىً بصحة الإنسان أينما وُجد على الأرض، وتسبب ضررًا لمجموع خلايا البلازما البشرية، مما يؤدّي إلى زيادة عدد الأطفال الذين يولدون متخلّفين في المستقبل “.

 وجاء في الفقرة الرايعة من العريضة:

” إن التوصّل إلى إتفاقية دُوَلية لوقف تجارب القنابل النَووية الآن قد يُؤلّف الخطوة الأولى نحوَ نزع السلاح بشكل أعم، ويؤدّي في النهاية إلى القضاء على الأسلحة النَووية، ويَحول دون احتمالات الحرب النَووية التي ستكون نكبة على البشرية كلها “. ص67 . كان هذا موقف العلماء والمفكرين منذ البداية حيال الموضوع، واستمرّ حتى الآن، ولكن كل تلك الجهود النبيلة والمواقف الحكيمة وما أعقبها حتى اليوم قد ذهبت بددًا كصرخة في وادٍ وكحرثٍ في البحر!لقد وضعت الحكومة الهندية تقريرًا،أعدّه رجال علم مُؤهّلون تمامًا، عنونوه ” التفجيرات النَووية وأثَرها” ، ونشروه في دلهي عام 1956. ولما كان التقرير موضوعيًا وجديرًا بالإعجاب والإعتماد عليه، فقد جاء مُخالفًا لأغراض الساسة في الشرق والغرب، ولم يُلفِت نظر الصَحافيين الذين تهمّهم الأنباء المثيرة، بالرغم من ظهور الطبعة الثانية من التقرير في عام 1958 . ولذلك لم يُعرف عن مُحتواه إلا النزر اليسير في الشرق والغرب.

حكومة عالمية

  وقبل عام من التقرير الهندي (أي في آب 1955)، عُقد إجتماع مهم في لندن ” للرابطة البرلمانية من أجل حكومة عالمية”، حضره أربعة ممثلين من الإتحاد السوفييتي، وممثلون عن جميع الدول الأخرى المستقلّة، وشارك في الإجتماع علماء وفلاسفة وإجتماعيون،وجاء الروس بروح صداقة تامّة، نظير بقية المشاركين، وجرى الترحيب بهم من قِبل الأعضاء الغربيين بشعور مماثل من الصداقة، واتّضح حين تقدّم المباحثات أن شؤون العالم لو أوكِلت إلى مثل هذه المنظّمة، لخَفَّ التوتّر بين الشرق والغرب بسرعة، ولأمكنَ حلّ كثير من المسائل التي وَجدت الحكومات أنها غير قابلة للحل من غير أن يتنازل أيّ طرف من الأطراف عن مصالحه الحيوية. وفي نهاية المناقشة، اُتُّخِذ القرار الآتي بالإجماع: ” إذ إنّ هنالك خطرًا الآن في أن تُستَعمل الأسلحة النَووية في أيّ حرب عالمية تقع في المستقبل، وبما أن مثل هذه الأسلحة تُسبب معاناةً ودمارًا لا حدّ لهما، فإننا نهيب بحكومات العالم أن تدرك وأن تعترف عَلَنًا أن أهدافها لا يمكن أن تتحقق بوساطة الحرب، وعليه فإننا ندعو إلى القيام فورًا بفحص مدلول التطوّرات العلمية الأخيرة بالنسبة إلى البشرية عمومًا، وأثرها في تقدّم الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدُوَلية كافّة.ص69

    بيدَ أنّ جوّ التفاؤل السائد آنئذٍ (عام 1955) بدّدته الحكومات الغربية التي بادرت إلى سحب مقترحاتِها حولَ نزع السلاح حالَما وافق عليها الإتحاد السوفياتي على غير انتظار. وأعقب ذلك أن الإتحاد السوفياتي إتّبع الأسلوب نفسَه في منع التوصّل إلى معاهدة تحربم إجراء التجارب النَووية. وهذا هو ما تشاهده البشرية الآن ملءَ السمع والبصر، وما يلازمه من قلق وخوف وتلوّث بيئي وإشعاعي مدَمِّر مُهلِك، وتصاعد حراري. لقد رأى العلماء، وما زالوا يرون أن عامّة الشعب وكثيرًا من الأشخاص في مواقع السلطة، لم يُدركوا ما ستؤدّي إليه الحرب بالقنابل النَووية. فعامّة الناس ـ كما قال رَسِل ـ ما تزال تفكّر في نطاق إبادة مدن من وجه الأرض. فإذا كانت قنبلة (ذرّية) واحدة قد أفنت هيروشيما، فقنبلة هيدروجينية (أي نّووية) واحدة تقوى على إزالة أكبر المدن من الوجود نظير لندن، نيويورك، موسكو. إن تِقنيَّة إنتاج السلاح ـ إستنادًا إلى معلومات موثّقة ـ قادرة على إنتاج قنبلة نووية تبلغ قوة تدميرها قوة (2500) قنبلة ذرّية دمّرت هيروشيما. ومثل هذه القنبلة، إذا فُجِّرت قربَ سطح الأرض أو تحت الماء، أرسلت جُسيمات صغيرة مُشِعّة إلى طبقات الجو العليا، ثم تهبط تدريجًا وتصل إلى سطح الأرض بشكل غبار أو مطر قتّال.ص73.

      وأحسن الثقات أجمعوا بأنّ حربًا بالقنابل الهيدروجينية يُحتمل أن تنهي الجنس البشري من الوجود. فهي تؤدّي إلى موت شامل، يقضي فورًا على أقلّية فقط ، ولكنه يأتي على الأكثرية بعذاب بطيء من المرض والإنحلال والتفسّخ. وهذا يعني ان الموت الفوري أهون كثيرًا من هذا العذاب البطيء! وقد تَبيّن أن الأشخاص الأكثر إطّلاعًا على هذه النتائج، بل الكوارث الجماعية الهائلة، هم الأكثر تشاؤمًا!

    على البشر أن يُدركوا أن المشاكل بين الشرق والغرب، أو مشاكل أخرى مماثلة أو مغايرة : عنصرية، لونية، شمالية، جنوبية إلخ… يجب أن تُحسَم بأساليب التفاهم والتحاور، يسودُها روح السلم والتسليم بالحقوق الصريحة الواضحة النائية عن الأنانية الموغِلة، والكراهية والعجرفة، وليس بأساليب الإحتراب بأفتك الأسلحة تدميرًا وإبادةً. فهذه حقيقة جلِيّة وصارخة، يتوجّب أن يعتبرَها ويفهمَها جميع الأطراف والشعوب.

(1) الناشر: شركة التايمس للطبع والنشر المساهمة ـ بغداد/ 1985