مساعدة داخلية لهجوم أميناس ـ الستير ماكدونالد ولمين شيخي
كانت منشأة غاز عين أميناس تبدو موقعا حصينا لكثير من العاملين بها لما يحيطها من أسوار وابتعادها مئات الأميال عن أقرب مكان لها فضلا عن الدوريات التي يسيرها الجيش الجزائري باستمرار في المنطقة الصحراوية المحيطة بها.
غير أن ذلك كان سرابا. فعلى مسافة 50 ميلا صحراوية تقع ليبيا تلك الدولة البوليسية السابقة التي تحولت الى سوق للأسلحة وصارت الآن مفتوحة للجهاد. وفي أي حال من الأحوال ربما كان العدو من الداخل بالفعل.
وقال مسؤول أمني جزائري لرويترز ان بعضا على الأقل من المتشددين الاسلاميين السبعين الذين اقتحموا المنشأة قبل فجر الأربعاء الماضي بدأوا عمليتهم قبل ذلك بساعات وعبروا الحدود الليبية من خلال طرق تهريب بعد منتصف الليل مباشرة. واستشهد المسؤول بأدلة متوافرة من هواتف محمولة جرى تتبعها وقادت الى المسلحين.
غير أن السهولة التي دخلوا بها المجمع السكني الحصين ومنشأة الغاز الطبيعي المجاورة أيضا أثارت شكوك الجزائريين بأن المسلحين ربما كان لديهم حلفاء من بين العاملين في الموقع.
وقال أنيس رحماني مدير صحيفة النهار الجزائرية وأحد الكتاب في الشؤون الأمنية انه على يقين من تعاون بعض المحليين مع المسلحين وربما كانوا سائقين أو حراس أمن ساعدوهم على دخول المجمع مشيرا الى أن بعض المسؤولين أطلعوه على المعلومات.
وقال مسؤولون في الجزائر انهم اكتشفوا حالات من قبل نجح فيها متمردون اسلاميون في توظيف زملاء لهم بشركات دولية للطاقة. وأبلغ أحد المسؤولين رويترز بأن من المحتمل أن يكون بعض العاملين في ان أميناس تعاونوا مع المسلحين.
وقال عاملون بالمنشأة تمكنوا من الفرار لرويترز انهم رأوا المسلحين يتحركون حول المنشأة الواسعة بثقة ويبدو أنهمم كانوا على دراية بخريطة الموقع ومستعدين جيدا.
وقال المسلحون انهم شنوا هجومهم لوقف التدخل العسكري الفرنسي في مالي المجاورة والذي بدأ قبل أسبوع رغم أن الصلة بين العمليتين لم تتضح بعد. وقال مسؤولون أوربيون وأمريكيون ان الهجوم كان متقنا للغاية الى حد يستبعد معه التخطيط له في هذه الفترة القصيرة.
وربما كان الهجوم سيقع على أي حال من الأحوال أو أن العملية العسكرية الفرنسية دفعت الى تنفيذ هجوم جرى الاعداد له مسبقا.
وهناك الكثير من الأمور ربما ظلت غامضة الى الأبد. فقد نفذ الهجوم في منطقة يحظر على الغرباء دخولها في دولة لا تطلع شعبها على معلومات حساسة.
بدأت بوادر المشكلة في الظهور عبر جهاز ارسال لاسلكي متصل بغرفة الاتصالات في ان أميناس حيث أجرى فني لاسلكي يدعى عز الدين 27 عاما اتصالا مع سائق حافلة غادر في الساعة 05.45 صباحا بالتوقيت المحلي 04.45 بتوقيت جرينتش لنقل بعض الأجانب الى المطار في بلدة ان أميناس على مسافة نحو 50 كيلومترا.
وقال عز الدين لرويترز يوم الجمعة بعد لحظات من مغادرة الحافلة سمعت اطلاق نار.. اطلاق نار كثيف.. ثم توقف كل شيء .
وقتل شخصان أحدهما بريطاني والآخر جزائري في حافلتين متجهتين الى المطار. ولم يتضح ما اذا كان الحادث جاء في اطار خطة لتأمين دخول المسلحين الى المجمع. وبعد الهجوم على الحافلتين دخل المسلحون المجمع في ثلاث مركبات على الأقل.
ويقول أشخاص كانوا يعملون في الموقع ان هناك حظر تجول يطبق عادة في المنطقة ليلا مما يزيد من الغموض حول كيفية نجاح المسلحين في الاقتراب بشدة قبل اعتراضهم. وربما سلك المسلحون طريقا أوليا بعيدا عن الطرق الرئيسية.
وتحدث الرهائن المحررون عن انطلاق صوت انذار وأناس خائفين مكثوا في مكاتبهم أو أماكن اقامتهم.
وشاهد عز الدين مسلحا يرتدي شارة هوية لمراقب فرنسي قتل بالرصاص.
وسرعان ما حوصرت المنطقة بالقوات الجزائرية المدججة بالسلاح والدبابات والمركبات المدرعة وطائرات الهليكوبتر الحربية التي جاءت من قاعدة عسكرية قريبة. وقالت الحكومة الجزائرية انها لن تجري أي مفاوضات.
وقال أشخاص على دراية بالموقع ان هناك ثكنة تضم مئات الجنود تقع على الطريق البالغ طوله ثلاثة كيلومترات الذي يفصل بين المجمع السكني الكبير والمنشأة الصناعية. وتدير الموقع شركات بي.بي البريطانية وشتات أويل النرويجية وشركة الطاقة الجزائرية سوناطراك.
وقال مسؤول كبير سابق بالحكومة الجزائرية ان الحراس بوغتوا بالهجوم على ما يبدو. وأضاف لديهم جميع أنواع المعدات ونظام دقيق للمراقبة وكاميرات… وربما واتتهم الغفلة في الوقت المناسب.. في الساعة الخامسة صباحا .
لكنه ذكر أيضا أن المسلحين ربما تلقوا مساعدة من العاملين بالمنشأة قائلا من بين 700 جزائري أعتقد أنهم سيجدون اثنين يتعاونان معهم. هذا ما يحدث دائما .
وهناك قادة متشددون أمثال طاهر بن شنب ــ الذي قال مسؤولون انه قاد العملية وقتل يوم الخميس ــ أثاروا حالة من الاستياء بين سكان الجنوب ازاء الطريقة التي يهيمن بها الأجانب وسكان الشمال على فرص العمل الأعلى أجرا في الحقول النفطية.
وقاد بن شنب ــ الذي وصف بأنه مدرس رياضيات ثانوي في الخمسينات من عمره ــ حركة أبناء الجنوب الاسلامية. وقال رحماني الخبير في الشئون الأمنية ان بن شنب حشد قواه لهذه العملية مع أنصار مختار بملختار أحد المحاربين القدامى الذين خاضوا حروبا في أفغانستان والقيادي البارز في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي والذي شكل مؤخرا مجموعة جديدة تعرف باسم الملثمين.
وأشار رحماني الى أن الرجلين تعاونا من قبل لاسيما في اصابة طائرة عام 2007 في جانت بجنوب البلاد.
وقال انه بينما انطلقت جماعة بن شنب على ما يبدو نحو ان أميناس من قاعدة داخل الجزائر يبدو أن رجال بلمختار بقيادة أبو البراء جاءوا من ليبيا.
ولمح رحماني الى سمعة بملختار باعتباره مهربا للسجائر وأحد الجهاديين حيث يطلق عليه السكان المحليون اسم مستر مارلبورو مضيفا أنهم يستخدمون نفس الطرق التي يسلكها المهربون وهو ما يتطلب دراية تامة بالصحراء.
ووصف الكثير من الرهائن المحررين منفذي الهجوم بأنهم ليبيون أو مصريون أو جزائريون على مايبدو من لهجاتهم. وقال مسؤولون ان هناك الكثير من الأجانب بين المسلحين القتلى البالغ عددهم 18 مسلحا.
وقالت الجزائر للحكومات الغربية التي عبرت عن قلقها ازاء اقتحام المنشأة يوم الخميس ان القوات لم تقتحم الا بسبب محاولة المتمردين مغادرة الموقع بالرهائن آملين على مايبدو في الوصول لحدود مالي.
ووضع المسلحون الرهائن في قافلة من المركبات. واقتحمت قوات خاصة مدعومة بالطائرات الهليكوبتر المجمع قرب الظهر بعد حوالي 30 ساعة من السيطرة على المنشأة. وفي أعنف مراحل الحصار على ما يبدو كما وصفتها أسرة الناجي الأيرلندي ستيفن مكفول قصفت القوات الجزائرية القافلة ودمرت أربع مركبات مليئة بالرهائن. وكان مكفول في شاحنة خامسة تحطمت ونجا بحياته لكنه يعتقد أن جميع الموجودين في المركبات الأخرى لقوا حتفهم.
وعلى مدار يوم الخميس تمكن معظم المئات الموجودين في الموقع من الفرار.
وبحلول ليل الجمعة ظل الغموض يكتنف عدد المسلحين ورهائنهم الذين لا يزالون في المنشأة رغم أن كلا الجانبين يمكن أن يقدر عددهما بالمئات. وقال رئيس الوزراء النرويجي ينس شتولتنبرج ان العملية التي نفذت في المجمع السكني الكبير انتهت على ما يبدو وان القوات تطوق الموقع الصناعي الآن.
غير أن ذلك جعل مسؤولي الحكومات وأجهزة المخابرات في الدول الغربية متعطشين لحقائق ثابتة بشأن مصير مواطنيهم في ظل العلاقات الصعبة التي طالما ربطت بين دولهم والجزائر التي تؤمن ايمانا شديدا بسيادتها.
AZP07