مرثية صانع الأخبار
محفوظ داود سلمان
ملقى على الأحجار ـ كان محمد البدويّ يلبس درعَه
دامي الخيوط قميصَه الصيفيّ أبيض مثل زنبقةٍ ،
ببعض الوجد ملتفاً ، تناثر حلمه هذا الصباح …
{ { { {
هذا الفتى لو كان من حجرٍ يجيئ الفجر
يسأل عنه تلتم الرياح …
تنبو الحوادث وهو ملمومٌ وتنكسر الرماح
{ { { {
حشدٌ من الحرس القديم يشكلون دوائراً ، بملابس
خضراء ينتظرون والدفلى تساقط رجع أجراسٍ
من الاوراق تنزف من جراح …
{ { { {
وكزهرة مبتلة حمراء تقطر من دمٍ ، كانت تطّوقه
البنادق والنياشين الجميلة حالماً ، ومحمد البدويّ
في صمت ينام …
لاتجرحوه بهذه الازهار
ثملى من ندى ، ورفيف
أجنحة اليمام …
او تسردوا أخباره فوق الموائد ، بعضهم فوق الجرائد
يأكلون الحزن نياً والطعام
ومن الشبابيك العتيقة كان يأتي صوتهن: بأنما المقتول
يبحث عن رؤى حيث الفضائيات تغرق في الكلام …
والبعض كنّ محجّبات ، مثل غزلانٍ تطلّ
عيونهنّ رسمنها بالكحل ، أجمل ماتكون هي
آلمحاجر في الظلام …
{ { { {
ويقال : إن اليوم تحتجب الجرائد ، إنّ أخبار
القتيل غداً ستنشر في جلالٍ خالدٍ ،
وهناك ترقى الصفحة الاولى ، تمجّد ذكره ،
او ترسم الامجاد سكرى من دماء …
وله سنشتّق الفضائل والمآثر او نصلّي في المساء
{ { { {
ويقال أنّ محمد البدوي مشبوحٌ يغادرنا ، على
خشبٍ من النسيان ـ كان يضم معطفه ، وأشياءً من الذكرى
قصاصاتٍ من الصحف القديمة ، بعض أنساقِ
من الافكار ، كان على الهواء …
يستقرئ الأبعاد ، او يستلهم الأنواء ، يستسقي
الصدى ، أو يسرق النيران في الأرض البوار …
لاتبتئسْياصاحبي :
إنّا جميعا مثل موتى ـ بيد أن خطاك ترتاد
الفيافي قبلنا ـ موتى على لوح آنتظار …
دمك الذي قد سال .. كان يسيل منا ، إنه دمنا
كلانا تخرج العنقاء فينا من دمار …
{ { { {
ويقال أنكَ صانع الأخبار ، كيف صنعت أخبار
آنتصارك :
موتك الدامي على الصفحات ،
تسبقنا وتبحث عن قرار …
هل كنت تعرف إنكَ الخبر الأهم ، وفوق
اعمدة الجرائد يرسمون حروفه سوداً ،
كأسراب السنونو وهي ترحل للجنوب …
كيف آخترقتَ رصاصهم ، كانت رؤاك تنز
فوق الدرب مثل دم الغروب …
كيف آرتحلت تركت خيبتنا معلّقة على
اقلامنا ، مصلوبة حمراء ، والكلمات
تنزف من ثقوب ….
{ { { {
قد كنت ملقى فوق أحجار الطريق ، وكانت الدفلى
تحدّق فيك والاشجار ـ واسعة عيون الطلع ـ
تنظر من بعيد …
هل كنتَ تسمعُ صوتها المارشات ، تعزف
موتنا إيقاع موسيقى تدّثر جسمك المثقوب
بالطلقات ـ دامية ـ وتحلم في غدٍ
ـ يأتي ولا يأتي ـ جديد …
ـــــــــــــــــــــــــ
{ اشارة الى بيت الشاعر الجاهلي تميم بن مقبل : ـ
ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر
تنبو الحوادث عنه وهو ملموم