مربديّات

مربديّات
عوّاد ناصر
عدت من المربد مثقلاً بسعادات صغيرة وأحزان كبيرة، فالمربد لم يكن لشاعر مغترب مثلي، مشاركة شعرية حسب، بل هو عودة إلى الوطن عبر الشعر وإلى الشعر عبر الوطن.كنت سعيداً بجمهور البصرة الذي تجشّم عناء الحضور بحثاً عن الشعر ولا أدري هل وجده أم لم يجده.هذا الجمهور الكبير علامة سعيدة على أن الناس ما زالوا بخير والشعر ما زال يمثل أملاً ما.لم يبترد الجمهور في قيظ البصرة إلا عندما قرأ الشعراء قصائدهم الباردة ذلك أن النوع الشعري غاب وحضر الكم الهائل أكثر من 250 شاعراً ولا أدري ما الهدف من دعوة هذا العدد الهائل منهم لكننا احتلنا، أصدقائي وأنا بأن تنزهنا في كورنيش الشط الشهير، مساء، وكان يضج بالمتنزهين الذكور الذين تحاصرهم أنوثة غائبة.أما الفقير لله كاتب السطور فاكتفى بخمس دقائق مشاركةً رمزية كي يتيح المجال لمن هم مهووسون بالمنبر والمايكروفون والفضائيات لما يزيد على نصف الساعة من أحزاني الكبيرة أن قراءة الشعر للبصريين تشبه من يعزف الموسيقى وسط قاعة مهدمة، ذلك أن البصريين، رغم شغفهم بالشعر يفتقدون أشياء أساسية في حياتهم هم أولى بتوفيرها قبل أن نقدم لهم ترفاً بلاغياً غير ضروري.الجهود الكبيرة التي بذلها أدباء البصرة في تنظيم المهرجان تستحق الشكر قطعاً، لكنها جهود ضائعة وسط الفوضى والبيروقراطية وتقاطع المسؤوليات والصلاحيات مع اتحاد أدباء المركز بغداد ووزارة الثقافة وكان لهذه الجهود أن تثمر أكثر بكثير، وبجهد أقل، لو اعتمدت النوعية وجرى الاحتفاء بالشعر الحقيقي لا غيره الاستعراضات، دائماً، تبرز الجموع ليغيب الفرد.. الفرد المبدع، والشعر إبداع يشترط الحميمية والهمس والنبرة الخافتة لا الشعار والرنين ومقتضيات المنبر.محاسب وزارة الثقافة الذي كان يتجول في لوبي الفندق وهو يرتدي التراكسوت و الشحاطة ليدفع للشعراء ثمن تذاكرهم وسط إجراءات مهينة لا تليق بالشعر ولا بالشعراء الذين كان عليهم أن يتابعوا معاملة في أروقة الطابو العثماني.المربد التاسع تظاهرة ثقافية أضعف ما فيها الإدارة والشعر.. ما الذي تبقى، إذن؟البصرة مدينة متعبة وكئيبة، والمهرجان في مربدها وليمة يحيط بها آلاف الجياع الذين كانوا يتفرجون على من يأكلون رغم رداءة الطعام.البصريون رائعون ويستحقون فعاليات أكثر جمالاً وأقل ضجيجاً وأحسن تنظيماً، لكن هذا لا يتعلق بالشعر والفن، حسب، إنما بمنظومة وعي مترابطة لا تبدأ من تبليط رصيف ولا تنتهي بمهرجان شعر، إنما العناية بالإنسان، مواطناً ووطناً ومواطنة ليأتي الشعر نتاج بيئة مسترخية، غير متوترة، ونظيفة ولا يشبه ذاك الديك الذي رجليه بالخـ…. ويعوعي .وزارة الثقافة تتحمل القسط الأكبر من سوء التنظيم والسبل التي تعاملت بها مع الشعراء التي اقل ما يقال عنها إنها تفتقد اللياقة فيما يتعلق بأسلوب دفع أثمان التذاكر و التمييز العرقي بين الشعراء العراقيين والعرب في مكان السكنى. شكراً للبصرة وأهلها، رغم كل شيء، والأخطاء يمكن أن تتحول إلى صوابات عند التأمل والتعلم وإدراك ضرورات الحياة التي من بينها الشعر.وأقول لهم يا للطفكم البهيج الذي كاد يضيع وسط الفوضى والضجيج.
/5/2012 Issue 4209 – Date 26 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4209 التاريخ 26»5»2012
AZP09

مشاركة