مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (2)

حيرة البيت الأبيض بين الدعوة للاصلاح في مصر وتمسك مبارك ثلاثين سنة بالحكم

نواف‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة

باريس

صدرت‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بتاريخ‭ ‬17‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬‭ ‬نوفمبر‭ ‬2020‭ ‬مذكرات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬أرض‭ ‬ميعاد‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬يستعرض‭ ‬فيها‭ ‬بداياته‭ ‬السياسية‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الاحداث‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬ادارته‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬ولايته‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأولى،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭. ‬وقد‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬اعرض‭ ‬للقارئ‭ ‬الكريم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المذكرات‭ ‬بشأن‭ ‬بعض‭ ‬المسائل‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بقضايانا‭ ‬العربية‭ ‬والشرق‭ ‬أوسطية،‭ ‬والتي‭ ‬تناول‭ ‬فيها‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬رؤيته‭ ‬لقواعد‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وموقف‭ ‬إدارته‭ ‬من‭ ‬ملفات‭ ‬هامة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كالوضع‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وموقفه‭ ‬من‭ ‬إيران،‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والنفوذ‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬وأحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬والموقف‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬والحرب‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭. ‬وقد‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬أعرض‭ ‬المواضيع‭ ‬المذكورة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتسلسل‭ ‬الذي‭ ‬وردت‭ ‬فيه‭ ‬بالكتاب‭ ‬نفسه‭ ‬محاولاً‭ ‬بذلك‭ ‬أن‭ ‬اضعها‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬اخترته‭ ‬من‭ ‬مواضيع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭. ‬تُعد‭ ‬هذه‭ ‬المذكرات‭ ‬ثالث‭ ‬كتاب‭ ‬يصدره‭ ‬الرئيس‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬السياسية،‭ ‬لاقت‭ ‬جميعها‭ ‬اقبالا‭ ‬واسعا‭ ‬وحققت‭ ‬مبيعات‭ ‬هائلة‭. ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬حقق‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬اسبوع‭ ‬من‭ ‬صدوره‭ ‬مبيعات‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬ثمانمائة‭ ‬ألف‭ ‬نسخة،‭ ‬وقد‭ ‬طبعت‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬نحو‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬نسخة،‭ ‬ويتوقع‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يحصد‭ ‬جوائز‭ ‬عديدة،‭ ‬وأن‭ ‬يتصدر‭ ‬مبيعات‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬تُرجم‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬لغة‭ ‬أجنبية‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الفرنسية‭ ‬والاسبانية‭ ‬والالمانية،‭ ‬ومن‭ ‬المؤمل‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬الترجمة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2021‭. ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬النقاد‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬مضامين‭ ‬هذه‭ ‬المذكرات،‭ ‬ويكاد‭ ‬يجمع‭ ‬معظمهم‭ ‬على‭ ‬جرأة‭ ‬الافكار‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬فيها،‭ ‬والصراحة‭ ‬التي‭ ‬تحلى‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬في‭ ‬عرضه‭ ‬للأحداث‭ ‬التي‭ ‬واجهها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأربعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬حكمه،‭ ‬والتي‭ ‬أراد‭ ‬لها‭ ‬أوباما،‭ ‬حسب‭ ‬تغريدة‭ ‬له‭ ‬صدرت‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‭ ‬سجلا‭ ‬صادقا‭ ‬‭ ‬لفترة‭ ‬حكمه‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬نقاداً‭ ‬آخرين‭ ‬وجهوا‭ ‬انتقادات‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المذكرات‭ ‬لأسباب‭ ‬متعدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬احدهم‭ ‬بـ‭ ‬جلد‭ ‬الذات‭ ‬‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬اوباما‭ ‬على‭ ‬سياساته،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تعرضت‭ ‬المذكرات‭ ‬لانتقادات‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬بسبب‭ ‬مواقف‭ ‬أوباما‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬شؤون‭ ‬المنطقة‭.‬‭ ‬سوف‭ ‬أحرص‭ ‬من‭ ‬جانبي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬تقييم‭ ‬لما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المذكرات‭ ‬بخصوص‭ ‬المواضيع‭ ‬المذكورة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬اعقب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬رأيي‭ ‬كقارئ‭ ‬عربي‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬منطقتنا‭. ‬لكني‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬التنويه‭ ‬بأن‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬عرضها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬في‭ ‬مذكراته،‭ ‬تكتسب‭ ‬اليوم‭ ‬اهمية‭ ‬اكبر‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬فوز‭ ‬نائبه‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬‭ ‬نوفمبر‭ ‬2020‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬بايدن‭ ‬بعد‭ ‬فوزه‭ ‬بالانتخابات‭ ‬المذكورة‭ ‬بأن‭ ‬سياساته‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬امتدادا‭ ‬لحقبة‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما،‭ ‬إلا‭ ‬أني‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬بالمقابل‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬حقبة‭ ‬أوباما،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬كلا‭ ‬الرجلين‭ ‬ينتميان‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الأمريكي‭.‬

‭ ‬

استكمل‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عرض‭ ‬كتاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الاسبق‭ ‬بارك‭ ‬أوباما‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬ميعاد‮»‬‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬بخصوص‭ ‬موضوعين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬يتعلق‭ ‬الأول‭ ‬بالانتفاضة‭ ‬المصرية‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬وموقف‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬منها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتطرق‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬الادارة‭ ‬المذكورة‭ ‬من‭ ‬احداث‭ ‬ليبيا‭.‬

الربيع‭ ‬العربي

يكتسب‭ ‬الجزء‭ ‬الخاص‭ ‬بالموقف‭ ‬من‭ ‬الانتفاضة‭ ‬المصرية‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬الوارد‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرين‭ ‬نفسه‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭ ‬لأنه‭ ‬يستعرض‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬موقف‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬يبين‭ ‬رؤيته‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬اللبس‭ ‬حيال‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قائما‭ ‬قبل‭ ‬الانتفاضة‭ ‬وسبل‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬حليفة‭ ‬لإدارته‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يستذكر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬أنه‭ ‬دأب‭ ‬مع‭ ‬مستشاريه‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬التحديات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬منطقة‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسطـ،‭ ‬وأنهم‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تساءلوا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مصير‭ ‬الدول‭ ‬النفطية‭ ‬التي‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬اقتصادها،‭ ‬وسألنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬عندما‭ ‬ينضب‭ ‬نفطها‮»‬‭.  ‬يضيف‭ ‬أوباما‭: ‬‮«‬وكم‭ ‬شعرنا‭ ‬بالحسرة‭ ‬بسبب‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬وعلى‭ ‬الفتيات،‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬امكانية‭ ‬ذهابهن‭ ‬إلى‭ ‬المدارس‭ ‬والتحاقهن‭ ‬بالجامعات،‭ ‬والعمل،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاحيان،‭ ‬منعهن‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬السيارات‭. ‬وقد‭ ‬لاحظنا‭ ‬توقف‭ ‬النمو‭ ‬واثر‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬المتناسب‭ ‬على‭ ‬الاجيال‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الناطقة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬يشكل‭ ‬معدل‭ ‬السكان‭ ‬الذين‭ ‬تقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬30‭ ‬سنة‭ ‬نحو‭ ‬60‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬ممن‭ ‬عانوا‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬بطالة‭ ‬بلغت‭ ‬ضعف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬في‭ ‬العالم‮»‬‭.‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬أوباما‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يثير‭ ‬قلق‭ ‬الإدارة‭ ‬الامريكية‭ ‬بشأن‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاستبدادية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬غياب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬بل‭ ‬الطبيعة‭ ‬القمعية‭ ‬لجميع‭ ‬الانظمة‭ ‬العربية‭ ‬تقريبا،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭. ‬ويوجه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬هجوما‭ ‬قاسيا‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الانظمة‭ ‬معتبراً‭ ‬أن‭ ‬اولئك‭ ‬الذين‭ ‬يتولون‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‮ ‬‭ ‬بدوا،‭ ‬أو‭ ‬اعتقدوا‭ ‬انهم،‭ ‬محصنون‭ ‬أمام‭ ‬اية‭ ‬امكانية‭ ‬للمحاسبة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬شعوبهم‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الاوضاع‭ ‬كانت‭ ‬مختلفة‭ ‬بين‭ ‬بلد‭ ‬وآخر،‭ ‬كما‭ ‬رآها،‭ ‬فقد‭ ‬اعتقد‭ ‬أوباما‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الزعماء‭ ‬أحكموا‭ ‬قبضتهم‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬عبر‭ ‬الطريقة‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬‮«‬مشاركة‭ ‬سياسية‭ ‬مقيدة،‭ ‬انعدام‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬ترهيب‭ ‬المواطنين‭ ‬ومراقبتهم‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الشرطة‭ ‬وسلطات‭ ‬الأمن‭ ‬المحلية،‭ ‬نظام‭ ‬قضائي‭ ‬عاجز،‭ ‬عدم‭ ‬كفاية‭ ‬وسائل‭ ‬الحماية‭ ‬القانونية،‭ ‬انتخابات‭ ‬مزورة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬أساسا،‭ ‬جيش‭ ‬يُحكم‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الاوضاع‭ ‬الداخلية،‭ ‬رقابة‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬الاعلام،‭ ‬وتفش‭ ‬كبير‭ ‬للفساد‮»‬‭. ‬ويمضي‭ ‬موضحا‭ ‬بالقول‭: ‬كان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الانظمة‭ ‬قائما‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وظل‭ ‬متماسكا‭ ‬بفضل‭ ‬الدعوات‭ ‬القومية،‭ ‬والمعتقدات‭ ‬الدينية‭ ‬المشتركة،‭ ‬والروابط‭ ‬القبلية،‭ ‬والروابط‭ ‬العائلية،‭ ‬أو‭ ‬شبكات‭ ‬المحسوبية‭. ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الزعماء‭ ‬أن‭ ‬مواصلة‭ ‬خنق‭ ‬المعارضة‭ ‬الوطنية‭ ‬المقترن‭ ‬بالجمود‭ ‬السياسي‭ ‬كافيا‭ ‬لبقائهم‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭. ‬لكنه‭ ‬يعود‭ ‬ليلفت‭ ‬بأن‭ ‬البعثات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الامريكية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لاحظت‭ ‬السخط‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬السخط‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬المنافذ‭ ‬الشرعية‭ ‬للتعبير‭ ‬عنه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬اشكالات‭ ‬كبرى،‭ ‬حسب‭ ‬قوله،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬أخبر‭ ‬مستشاره‭ ‬لشؤون‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لدى‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬جولاته‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭: ‬‮«‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما،‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما،‭ ‬ستتفجر‭ ‬الأوضاع‮»‬‭.‬

يوجه‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬جام‭ ‬غضبه‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬لاحقه‭ ‬إلى‭ ‬سياسات‭ ‬بلاده‭ ‬تجاه‭ ‬المنطقة‭ ‬ونمط‭ ‬العلاقات‭ ‬الذي‭ ‬بنته‭ ‬هناك‭ ‬متسائلا‭: ‬‮«‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬عمله‭ ‬إزاء‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬فعلى‭ ‬مدى‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬حصرت‭ ‬السياسة‭ ‬الامريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬جل‭ ‬اهتمامها‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ومنع‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬اضطراب‭ ‬في‭ ‬الامدادات‭ ‬النفطية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الوقوف‭ ‬بوجه‭ ‬القوى‭ ‬المعادية‭ (‬السوفيت‭ ‬أولا،‭ ‬ثم‭ ‬الايرانيون‭) ‬ومنع‭ ‬توسيع‭ ‬نفوذها‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬محاربة‭ ‬الارهاب‭ ‬احتلت‭ ‬موقع‭ ‬الصدارة‭ ‬بعد‭ ‬احداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ايلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2001،‭ ‬حيث‭ ‬يعترف‭ ‬أوباما‭ ‬قائلا‭ ‬‮«‬من‭ ‬أجل‭ ‬بلوغ‭ ‬كل‭ ‬هدف‭ ‬من‭ ‬الاهداف‭ ‬المذكورة،‭ ‬أصبح‭ ‬الحكام‭ ‬المستبدون‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬حلفاءً‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭. ‬أوضح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬مبررات‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬قائلا‭ ‬إن‭ ‬الادارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬كانت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬توقع‭ ‬سياسات‭ ‬هؤلاء‭ ‬الحكام‭ ‬المستبدين‭ ‬وقراراتهم،‭ ‬وكانت‭ ‬مطمئنة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬حيال‭ ‬التزام‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬بوضع‭ ‬حد‭ ‬للاضطرابات‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭. ‬ويضيف‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬استضاف‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستبدون‭ ‬قواعدنا‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬وتعاونوا‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬محاربة‭ ‬الارهاب،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬أقاموا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬التجارية‭ ‬معنا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اعتمد‭ ‬معظم‭ ‬جهازنا‭ ‬الامني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬معهم،‭ ‬وصارت‭ ‬العلاقات‭ ‬بينهما‭ ‬متشابكة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‮»‬‭. ‬وكلما‭ ‬صدرت‭ ‬نصائح‭ ‬من‭ ‬الادارات‭ ‬الامريكية‭ ‬بضرورة‭ ‬توخي‭ ‬الحذر‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشركاء‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بسبب‭ ‬انتهاكاتهم‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان،‮ ‬اعقبتها‭ ‬تقارير‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬أو‭ ‬البحرين‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الجهود‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬عمل‭ ‬إرهابي‭ ‬هام‭ ‬لأمن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬حتى‭ ‬تتراجع‭ ‬تلك‭ ‬النصائح‭ ‬وتوضع‭ ‬على‭ ‬الرف،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭.‬

وقدر‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬برؤية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬يختم‭ ‬أوباما‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬كان‭ ‬احتمال‭ ‬تفجر‭ ‬انتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬بإسقاط‮ ‬‭ ‬أحد‭ ‬حلفائنا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يقابل‭ ‬بالاستسلام‭ ‬للأقدار،‭ ‬حيث‭ ‬رأى‭ ‬المسؤولون‭ ‬الامريكيون‭ ‬إن‭ ‬الانتفاضة‭ ‬احتمال‭ ‬قائم،‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬أي‭ ‬اعصار‭ ‬يضرب‭ ‬إحدى‭ ‬الولايات‭ ‬الاميركية،‭ ‬لكن‭ ‬بما‭ ‬أننا‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬توقع‭ ‬مكان‭ ‬ووقت‭ ‬حدوثه،‭ ‬وبما‭ ‬اننا‭ ‬لم‭ ‬نمتلك‭ ‬الوسائل‭ ‬اللازمة‭ ‬لوقفه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال،‭ ‬فان‭ ‬افضل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬طوارئ‭ ‬والتهيؤ‭ ‬لمعالجة‭ ‬العواقب‭ ‬المتوقعة‮»‬‭. ‬

فساد‭ ‬الأنظمة

وفق‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الكئيبة‭ ‬التي‭ ‬يجدها‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬المذكرات،‭ ‬يقرر‭ ‬أوباما‭ ‬تغيير‭ ‬شكل‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تشكيك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المتخصصين‭ ‬بالمنطقة‭ ‬في‭ ‬إدارته‭ ‬بجدوى‭ ‬التغيير‭ ‬المزمع‭. ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يروي‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬أن‭ ‬نقاشا‭ ‬حول‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حيال‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬دار‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬مستشارته‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشؤون‭ ‬القومي،‭ ‬سامانثا‭ ‬باور،‭ ‬التي‭ ‬يثق‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرفها‭ ‬منذ‭ ‬كان‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬الكونغرس،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬خريجة‭ ‬جامعة‭ ‬هارفرد‭ ‬العريقة‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬منها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬نفسه‭. ‬استهجنت‭ ‬باور‭ ‬خلال‭ ‬الحديث‭ ‬معه‭ ‬استمرار‭ ‬نظام‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭ ‬إدارة‭ ‬البلاد‭ ‬وفق‭ ‬قوانين‭ ‬طوارئ‭ ‬لنحو‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬له‭ ‬أمريكا‭ ‬أي‭ ‬انتقاد‭. ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الرئيس،‭ ‬وبعد‭ ‬انقضاء‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬قدمت‭ ‬السيدة‭ ‬باور،‭ ‬مع‭ ‬ثلاثة‭ ‬زملاء‭ ‬آخرين‭ ‬يعملون‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬هم،‭ ‬دينيس‭ ‬رورس‭ ‬وغايل‭ ‬سميث‭ ‬وجيريمي‭ ‬وينستاين،‭ ‬مسودة‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بتوجيهات‭ ‬دراسة‭ ‬رئاسية‭ ‬تؤكد‭ ‬بأن‭ ‬مصلحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬والدعم‭ ‬المطلق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬انتقاد‭ ‬للأنظمة‭ ‬الاستبدادية‭ ‬هناك‭ ‬يؤثران‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الامريكية‭. ‬وفي‭ ‬آب‭ ‬أغسطس‭ ‬2010‭ ‬وجه‭ ‬أوباما‭ ‬وزارتي‭ ‬الخارجية‭ ‬والدفاع،‭ ‬والمخابرات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ووكالات‭ ‬حكومية‭ ‬اخرى‭ ‬لدراسة‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تتبعها‭ ‬لتشجيع‭ ‬اصلاحات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬جدية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تدفع‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬للاقتراب‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬الحكومة‭ ‬الشفافة‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬تتجنب‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬الانتفاضات‭ ‬التي‭ ‬تزعزع‭ ‬الاوضاع،‭ ‬وتجنبها‭ ‬العنف‭ ‬والفوضى‭ ‬والنتائج‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬التي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬ترافق‭ ‬التغيير‭ ‬المفاجئ،‭ ‬وهكذا‭ ‬بدأ‭ ‬عمل‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬الوزارات‭ ‬والإدارات‭ ‬المعنية‭ ‬لوضع‭ ‬أفكار‭ ‬محددة‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬التوجيهات‭.‬

يعقب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المذكرة‭ ‬مستذكرا‭ ‬‮«‬كنت‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬تقاوم‭ ‬إدارتي‭ ‬هذه‭ ‬القدرية‮»‬‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬والتحالف‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاستبدادية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬استغل‭ ‬لقاءاته‭ ‬بزعماء‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬لحثهم‭ ‬على‭ ‬الاصغاء‭ ‬لأصوات‭ ‬المواطنين‭ ‬الداعية‭ ‬للإصلاح،‭ ‬لكنه‭ ‬يعترف‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬بادرت‭ ‬حكومته‭ ‬بتعنيف دول‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬والسعودية‭ ‬علناً‭ ‬بسبب‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭. ‬يمضي‭ ‬أوباما‭ ‬موضحا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬قلق‭ ‬المسؤولين‭ ‬الامريكيين‭ ‬بشأن‭ ‬الاوضاع‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬والقاعدة،‭ ‬وايران،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مستلزمات‭ ‬اسرائيل‭ ‬الامنية،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬مخاطر‭ ‬قطع‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الانظمة‭ ‬عالية‭ ‬الكلفة‭ ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬القبول‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬الواقعية‭ ‬كان‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬عمله،‭ ‬وأنه‭ ‬ادرك‭ ‬أن‭ ‬تحويل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬إلى‭ ‬واحة‭ ‬من‭ ‬الديمقراطية‭ ‬غير‭ ‬متاح،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬بوسعهم‭ ‬دائما‭ ‬تشجيع‭ ‬هذه‭ ‬الانظمة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التقدم‭.‬

الانتفاضة‭ ‬المصرية

يبدأ‭ ‬اوباما‭ ‬حديثه‭ ‬بوصف‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬المذكور‭ ‬عندما‭ ‬أقدم‭ ‬بائع‭ ‬فواكه‭ ‬متجول‭ ‬يدعى‭ ‬محمد‭ ‬بوعزيزي‭ ‬على‭ ‬حرق‭ ‬نفسه‭ ‬امام‭ ‬مبنى‭ ‬حكومي‭ ‬محلي‭. ‬اعتبر‭ ‬أوباما‭ ‬تصرف‭ ‬بوعزيزي‭ ‬‮«‬عملا‭ ‬احتجاجيا،‭ ‬وليد‭ ‬حالة‭ ‬اليأس‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬حكومة‭ ‬‮«‬فاسدة‭ ‬لا‭ ‬تكترث‭ ‬لاحتياجاته‮»‬‭. ‬أضاف‭ ‬‮ ‬أن‭ ‬بوعزيزي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ناشطا‭ ‬سياسيا‭ ‬باي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الاحوال‭ ‬بل‭ ‬مثل‭ ‬جيلا‭ ‬تونسيا‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اقتصاد‭ ‬راكد‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬قبضة‭ ‬ديكتاتور‭ ‬يدعى‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‮»‬‭. ‬بتاريخ‮ ‬14‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2011‭ ‬فرّ‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬مع‭ ‬اسرته‭ ‬الى‭ ‬السعودية‭ ‬وانطلقت‭ ‬شرارة‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي‭.‬‮ ‬

بتاريخ‭ ‬25‭ ‬شهر‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2011،‭ ‬يقول‭ ‬اوباما‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬صدد‭ ‬إلقاء‭ ‬كلمته‭ ‬حول‭ ‬حال‭ ‬الاتحاد،‭ ‬حيث‭ ‬انطلقت‭ ‬شرارة‭ ‬الانتفاضة‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬حينها‭ ‬ذكر‭ ‬بأن‭ ‬مستشاريه‭ ‬أوصوا‭ ‬بإضافة‭ ‬فقرة‭ ‬قصيرة‭ ‬إلى‭ ‬خطابه‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬الليلة،‭ ‬دعوني‭ ‬اكون‭ ‬واضحا‭: ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وتدعم‭ ‬التطلعات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لجميع‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب‮»‬‭. ‬

وبعد‭ ‬تأكيده‭ ‬بأن‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬الموقع‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬منظار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لفت‭ ‬اوباما‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬كانت‭ ‬تراقب‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬التحركات‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬المصري‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬أصدرت‭ ‬التجمعات‭ ‬الشبابية‭ ‬المصرية‭ ‬والقوى‭ ‬اليسارية‭ ‬المعارضة‭ ‬والفنانون‭ ‬والكتاب‭ ‬التقدميون‭ ‬بيانات‭ ‬دعوا‭ ‬فيها‭ ‬المواطنين‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬بمسيرات‭ ‬احتجاج‭ ‬ضد‭ ‬نظام‭ ‬الرئيس‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭. ‬انطلقت‭ ‬المسيرات‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬وفي‭ ‬مدن‭ ‬مصرية‭ ‬عديدة،‭ ‬واستخدمت‭ ‬الشرطة‭ ‬المصرية‭ ‬واجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬وسائل‭ ‬قمعية‭ ‬لتفريقها،‭ ‬وحجبت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبر‭ ‬أوباما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬مثل‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تخشاه‭ ‬ادارته‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬توجيه‭ ‬الدراسة‭ ‬الرئاسية‭ ‬المذكور‭. ‬يضيف‭ ‬بأن‭ ‬إدارته‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرة‭ ‬محشورة‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬ضيقة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬قمعي‭ ‬لكنه‭ ‬حليف‭ ‬يمكن‭ ‬الوثوق‭ ‬به‭ ‬وبين‭ ‬شعب‭ ‬مصمم‭ ‬على‭ ‬التغيير،‭ ‬ينشد‭ ‬تطلعات‭ ‬ديمقراطية‭ ‬زعمنا‭ ‬أننا‭ ‬نقف‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‮»‬‭. ‬لا‭ ‬يخفي‭ ‬اوباما‭ ‬اعجابه‭ ‬بانتفاضة‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬إذ‭ ‬يخبر‭ ‬أحد‭ ‬مساعديه‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬639‭: ‬‮«‬لو‭ ‬كنت‭ ‬مصرياً‭ ‬في‭ ‬العشرينات‭ ‬من‭ ‬عمري،‭ ‬كنت‭ ‬سأخرج‭ ‬معهم‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬عبر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬خشيته‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬تخلي‭ ‬مبارك‭ ‬المبكر‭ ‬والمفاجئ‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فراغ‭ ‬سياسي‭ ‬كبير،‭ ‬وأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬المنتفضين‭ ‬لن‭ ‬تتاح‭ ‬لهم‭ ‬الفرصة‭ ‬لتسلم‭ ‬الحكم‭. ‬اعتبر‭ ‬اوباما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬الذي‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬سمح‭ ‬بالحريات‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وبصحافة‭ ‬حرة،‭ ‬وببناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬مدنية،‭ ‬وأحزاب‭ ‬سياسية،‭ ‬لما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭. ‬بالمقابل،‭ ‬أوضح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المؤهلة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تنظيم‭ ‬أية‭ ‬انتخابات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬تنظيم‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬الشريعة‭ ‬الاسلامية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تعتبره‭ ‬تنظيما‭ ‬خطيرا‭ ‬يستخدم‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬سياساته،‭ ‬وأن‭ ‬فلسفته‭ ‬الأصولية‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬حزبا‭ ‬غير‭ ‬موثوق‭ ‬به‭ ‬كوصي‭ ‬على‭ ‬التعددية‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬رأوا‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬يحمل‭ ‬إشكالات‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬المستقبلية‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الامريكية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إشارته‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬وصفه‭ ‬لوجهات‭ ‬النظر‭ ‬المختلفة‭ ‬تلك‭ ‬بأن‭ ‬جماعة‭ ‬الاخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬عنها‭ ‬استخدام‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬

هكذا،‭ ‬يبدأ‭ ‬أوباما‭ ‬بوصف‭ ‬مجريات‭ ‬الاحداث‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬اندلاع‭ ‬التظاهرات،‭ ‬حيث‭ ‬يذكر‭ ‬أنه‭ ‬اتصل‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬بالرئيس‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬ومنها‭ ‬الاتصال‭ ‬الاول‭ ‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬مواضيع‭ ‬عدة،‭ ‬أبدى‭ ‬مبارك‭ ‬خلاله‭ ‬تعاونا‭ ‬تاما،‭ ‬حسب‭ ‬اوباما‭ ‬الذي‭ ‬ذكر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬نوه‭ ‬لمبارك‭ ‬بإمكانية‭ ‬امتداد‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬بلاده‭. ‬يستذكر‭ ‬حينها‭ ‬أوباما‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬بلغة‭ ‬هادئة‭ ‬ومطمئنة‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬إن‭ ‬مصر‭ ‬ليست‭ ‬تونس‮»‬‭. ‬وفيما‭ ‬كانت‭ ‬التظاهرات‭ ‬تتواصل‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬القاهرة،‭ ‬ألقى‭ ‬الرئيس‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭ ‬خطابا‭ ‬للجماهير‭ ‬بتاريخ‮ ‬28‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬‮«‬أقال‭ ‬فيه‭ ‬الحكومة،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تبدر‭ ‬منه‭ ‬أية‭ ‬اشارة‭ ‬بصدد‭ ‬استعداده‭ ‬للقيام‭ ‬بإصلاحات‭ ‬واسعة‮»‬‭. ‬تولدت‭ ‬القناعة‭ ‬لدى‭ ‬الرئيس‭ ‬اوباما‭ ‬بأن‭ ‬المشكلة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الحل،‭ ‬حيث‭ ‬طلب‭ ‬حينها‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مساعديه‭ ‬ومن‭ ‬مجلس‭ ‬أمنه‭ ‬القومي‭ ‬تقديم‭ ‬رد‭ ‬فاعل‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬كانوا‭ ‬منقسمين‭ ‬استنادا‭ ‬الى‭ ‬الاجيال‭ ‬التي‭ ‬انتموا‭ ‬اليها،‭ ‬حسب‭ ‬اوباما‭. ‬لقد‭ ‬اوصى‭ ‬اولئك‭ ‬الاكبر‭ ‬سنا‭ ‬مثل‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬هيلاري‭ ‬كلنتون،‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع‭ ‬روبرت‭ ‬غيتس،‭ ‬ومدير‭ ‬المخابرات‭ ‬الامريكية‭ ‬ليون‭ ‬بينيتا،‭ ‬بتوخي‭ ‬الحذر،‭ ‬‮ ‬وهؤلاء‭ ‬عرفوا‭ ‬مبارك‭ ‬وعملوا‭ ‬معه‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭. ‬أكد‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬‮«‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬حكومة‭ ‬مبارك‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬اسرائيل،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الارهاب،‭ ‬واتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬عديدة‭ ‬تخص‭ ‬المنطقة‭. ‬وفيما‭ ‬اقروا‭ ‬بالحاجة‭ ‬الى‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الزعيم‭ ‬المصري‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬اجراء‭ ‬الاصلاحات،‭ ‬فقد‭ ‬حذروا‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أية‭ ‬وسيلة‭ ‬لمعرفة‭ ‬من‭ ‬سيحل‭ ‬محله‭ ‬وماذا‭ ‬سيحدث‮»‬‭. ‬بالمقابل‭ ‬بدا‭ ‬خبراء‭ ‬المجلس‭ ‬الاصغر‭ ‬سنا،‭ ‬سامانثا‭ ‬باور‭ ‬ورفاقها‭ ‬الذين‭ ‬سبقت‭ ‬الاشارة‭ ‬اليهم،‭ ‬‮«‬مقتنعين‭ ‬بأن‭ ‬مبارك‭ ‬فقد‭ ‬كامل‭ ‬شرعيته‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬ولَم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬استعادتها‮»‬‭. ‬خلص‭ ‬الفريق‭ ‬الشاب‭ ‬الى‭ ‬رأي‭ ‬مفاده‭: ‬‮«‬بدلا‭ ‬من‭ ‬بقاء‭ ‬عربتنا‭ ‬مربوطة‭ ‬بنظام‭ ‬استبدادي‭ ‬فاسد‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬السقوط‭ (‬ونبدو‭ ‬كأننا‭ ‬نجيز‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتصاعد‭ ‬للعنف‭ ‬ضد‭ ‬المحتجين‭)‬،‭ ‬فان‭ ‬من‭ ‬الاحرى‭ ‬انحياز‭ ‬الادارة‭ ‬الامريكية‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬قوى‭ ‬التغيير،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سينطوي‭ ‬على‭ ‬حكمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬وموقف‭ ‬اخلاقي‭ ‬ناجز‮»‬‭. ‬‮ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬تعاطف‭ ‬الرئيس‭ ‬الاسبق‭ ‬مع‭ ‬الرأيين،‭ ‬أي‭ ‬مع‭ ‬آمال‭ ‬الجيل‭ ‬الشاب‭ ‬ومع‭ ‬مخاوف‭ ‬الاكبر‭ ‬سناً،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره،‭ ‬وحاول‭ ‬التوفيق‭ ‬بينهما‭ ‬حيث‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬محاولة‭ ‬اقناع‭ ‬مبارك‭ ‬بالقيام‭ ‬بإصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬تشمل‭ ‬‮«‬انهاء‭ ‬العمل‭ ‬بقانون‭ ‬الطوارئ،‭ ‬واعادة‭ ‬العمل‭ ‬بحرية‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬والصحافة،‭ ‬وتحديد‭ ‬موعد‭ ‬اجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬عامة‭ ‬حرة‭ ‬وعادلة‮»‬‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الترتيبات‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الادارة‭ ‬الامريكية‭ ‬كفيلة‭ ‬بإعطاء‭ ‬الفرصة‭ ‬لظهور‭ ‬مرشح‭ ‬للرئاسة،‭ ‬وبمنح‭ ‬مبارك‭ ‬ايضا‭ ‬فرصة‭ ‬لترك‭ ‬منصبه‭ ‬والخلود‭ ‬إلى‭ ‬الراحة‭. ‬لقد‭ ‬اعتقد‭ ‬أوباما‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الترتيبات‭ ‬‮«‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬بتخفيف‭ ‬حدة‭ ‬الانطباعات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بأننا‭ ‬مستعدون‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬حلفائنا‭ ‬القدامى‭ ‬لدى‭ ‬أدنى‭ ‬مشكلة‭ ‬يواجهونها‮»‬‭. ‬يؤكد‭ ‬اوباما‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬غني‭ ‬عن‭ ‬القول،‭ ‬إن‭ ‬محاولة‭ ‬اقناع‭ ‬رجل‭ ‬مسن‭ ‬وطاغية‭ ‬محاصر‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬منصبه‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬عمره،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬لصالحه،‭ ‬ستكون‭ ‬مهمة‭ ‬حساسة‮»‬‭. ‬‮  ‬

بعد‭ ‬نقاش‭ ‬مستفيض‭ ‬لهذه‭ ‬التطورات،‭ ‬يقول‭ ‬اوباما‭ ‬إنه‭ ‬اتصل‭ ‬بمبارك‭ ‬هاتفيا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬عارضا‭ ‬عليه‭ ‬فكرة‭ ‬تقديم‭ ‬سلسلة‭ ‬جريئة‭ ‬من‭ ‬الاصلاحات‭. ‬يستذكر‭ ‬اوباما‭ ‬حينها‭ ‬تغير‭ ‬لهجة‭ ‬مبارك‭ ‬واتخاذها‭ ‬طابع‭ ‬المواجهة،‭ ‬فراح‭ ‬يصف‭ ‬المحتجين‭ ‬بأنهم‭ ‬اعضاء‭ ‬في‭ ‬جماعة‭ ‬الاخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬مُصراً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الاوضاع‭ ‬ستعود‭ ‬سريعا‭ ‬الى‭ ‬طبيعتها‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬مبارك‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬الرئيس‭ ‬الامريكي‭ ‬باستقبال‭ ‬مبعوثه‭ ‬الى‭ ‬القاهرة،‭ ‬وهو‭ ‬فرانك‭ ‬وايزنر،‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬سفيرا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬ويتمتع‭ ‬بعلاقات‭ ‬طيبة‭ ‬بمبارك،‭ ‬وهي‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬هيلاري‭ ‬كلنتون‭ ‬قد‭ ‬اقترحتها‭. ‬أراد‭ ‬اوباما‭ ‬من‭ ‬السفير‭ ‬وايزنر،‭ ‬المقرب‭ ‬من‭ ‬اوساط‭ ‬المخابرات‭ ‬الامريكية،‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬مبارك‭ ‬الى‭ ‬الاعلان‭ ‬عن‭ ‬نيته‭ ‬تخليه‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬واجراء‭ ‬انتخابات‭. ‬بانتظار‭ ‬نتائج‭ ‬زيارة‭ ‬السفير‭ ‬وايزنر‭ ‬الى‭ ‬القاهرة،‭ ‬تطرق‭ ‬اوباما‭ ‬الى‭ ‬الجدل‭ ‬المحتدم‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬حول‭ ‬موقف‭ ‬ادارته‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬بين‭ ‬منتقد‭ ‬لتردد‭ ‬الادارة‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬دعمها‭ ‬للمحتجين،‭ ‬وبين‭ ‬آخرين‭ ‬رأوا‭ ‬ضرورة‭ ‬دعم‭ ‬مبارك،‭ ‬مشيرا‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬الى‭ ‬محادثة‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬اسرائيل‭ ‬نتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬اصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الاعتبارات‮»‬،‭ ‬وبعكسه‭ ‬حذر‭ ‬نتنياهو‭ ‬الرئيس‭ ‬الامريكي‭: ‬‮«‬انك‭ ‬سترى‭ ‬ايران‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ثانيتين‮»‬‭. ‬غير‭ ‬ان‭ ‬اوباما‭ ‬اكد‭ ‬ان‭ ‬ادارته‭ ‬وبعد‭ ‬تدقيق‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تحدثت‭ ‬عنها‭ ‬اسرائيل‭ ‬وانظمة‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬بشان‭ ‬ارتباط‭ ‬ايران‭ ‬او‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬او‭ ‬القاعدة‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬العربي‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬ما‭ ‬يدعمها‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع‭. ‬اعتبر‭ ‬اوباما‭ ‬ان‭ ‬الانظمة‭ ‬العربية‭ ‬كانت‭ ‬تخشى‭ ‬من‭ ‬امتداد‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الى‭ ‬دولها‭ ‬وأملت‭ ‬بأن‭ ‬‮ ‬تفضل‭ ‬امريكا‭ ‬خيار‭ ‬‮«‬الاستقرار‮»‬‭ ‬على‭ ‬‮«‬الفوضى‮»‬‭ ‬كما‭ ‬أراد‭ ‬نتنياهو‭. ‬اوضح‭ ‬المبعوث‭ ‬وايزنر‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬ولقائه‭ ‬بمبارك،‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬الاعلان‭ ‬بانه‭ ‬لن‭ ‬يرشح‭ ‬لمرحلة‭ ‬رئاسية‭ ‬ثانية،‭ ‬لكنه‭ ‬رفض‭ ‬رفع‭ ‬قوانين‭ ‬الطوارئ‭ ‬او‭ ‬تعهده‭ ‬بقبول‭ ‬انتقال‭ ‬سلمي‭ ‬للسلطة‭. ‬يصف‭ ‬اوباما‭ ‬ردود‭ ‬الافعال‭ ‬داخل‭ ‬فريق‭ ‬ادارته‭ ‬حيال‭ ‬هذا‭ ‬‮ ‬الموقف‭ ‬بانه‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بين‭ ‬المعسكرين‭ ‬بشان‭ ‬مبارك،‭ ‬وانه‭ ‬علم‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬نقاشات‭ ‬حادة‭ ‬دارت‭ ‬بين‭ ‬الفريقين‭ ‬في‭ ‬معسكره‭ ‬بخصوص‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬تبنيه‭.‬

مع‭ ‬تفاقم‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والمسيرات‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ونزول‭ ‬الدبابات‭ ‬الى‭ ‬الشارع،‭ ‬اتصل‭ ‬اوباما‭ ‬ثالثة‭ ‬بالرئيس‭ ‬مبارك،‭ ‬في‭ ‬محاولة اخيرة‭ ‬منه‭ ‬لنزع‭ ‬فتيل‭ ‬الازمة،‭ ‬وعبر‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬تقديره‭ ‬لإعلانه‭ ‬عن‭ ‬نيته‭ ‬عدم‭ ‬الترشح‭ ‬للرئاسة‭. ‬أضاف‭ ‬بأنه‭ ‬تعمد‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬التحدث‭ ‬مع‭ ‬مبارك‭ ‬عبر‭ ‬مكبر‭ ‬الصوت‭ ‬ليسمح‭ ‬لمعاونيه‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بالبيت‭ ‬الابيض‭ ‬بالاستماع‭ ‬الى‭ ‬المكالمة‭. ‬مضى‭ ‬اوباما‭ ‬مخاطبا‭ ‬مبارك‭: ‬‮«‬ها‭ ‬انت‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬قرارا‭ ‬تاريخيا‭ ‬بانتقال‭ ‬السلطة،‭ ‬اود‭ ‬ان‭ ‬اناقش‭ ‬معك‭ ‬كيف‭ ‬ستسير‭ ‬الامور‭. ‬اقول‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬بمنتهى‭ ‬الاحترام‭… ‬اريد‭ ‬ان‭ ‬اشاطرك‭ ‬تقديري‭ ‬الصادق‭ ‬بخصوص‭ ‬ما‭ ‬اعتقده‭ ‬سيحقق‭ ‬اهدافك‮»‬‭. ‬أبلغه‭ ‬أوباما‭ ‬نظيره‭ ‬المصري‭ ‬بانه‭ ‬لو‭ ‬اراد‭ ‬ان‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬واذا‭ ‬ما‭ ‬سعى‭ ‬نحو‭ ‬اطالة‭ ‬عملية‭ ‬انتقال‭ ‬السلطة،‭ ‬فانه‭ ‬يعتقد‭ ‬بان‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬ستتواصل‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وربما‭ ‬ستخرج‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭. ‬واذا‭ ‬ما‭ ‬اراد‭ ‬مبارك‭ ‬ان‭ ‬يضمن‭ ‬انتخاب‭ ‬حكومة‭ ‬مسؤولة‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬لهيمنة‭ ‬الاخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬فان‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬كي‭ ‬يتنحى‭ ‬جانبا‭ ‬وان‭ ‬يستخدم‭ ‬مكانته‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬‮ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬مصرية‭ ‬جديدة‭. ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادته،‭ ‬يقول‭ ‬اوباما،‭ ‬تحدث‭ ‬مبارك‭ ‬معه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬عبر‭ ‬مترجم‭. ‬كان‭ ‬صوت‭ ‬مبارك‭ ‬غاضبا‭ ‬حتى‭ ‬ان‭ ‬اوباما‭ ‬شعر‭ ‬بانه‭ ‬ليس‭ ‬بحاجة‭ ‬للاستماع‭ ‬الى‭ ‬المترجم‭ ‬لأنه‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يقوله‭. ‬تحدث‭ ‬مبارك‭ ‬بصوت‭ ‬محتد‭ ‬ارتفعت‭ ‬حدته‭ ‬ثانية‭ ‬بعد‭ ‬أخرى‭: ‬‮«‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭. ‬ايها‭ ‬الرئيس‭ ‬اوباما،‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬مضيتُ‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الانتقال‭ ‬بالسلطة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬فان‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬اخطر‭ ‬شيء‭ ‬لمصر‮»‬‭. ‬اعترف‭ ‬له‭ ‬اوباما‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬بقدر‭ ‬معرفة‭ ‬مبارك‭ ‬بها،‭ ‬لكنه‭ ‬اخبره‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ثمة‭ ‬أوقات‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬سارت‭ ‬فيه‭ ‬الأمور‭ ‬وفق‭ ‬نمط‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مشاكل‭ ‬فان‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بانها‭ ‬ستستمر‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬أضاف‭ ‬أوباما‭ ‬مخاطبا‭ ‬نظيره‭ ‬المصري‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬خدمت‭ ‬بلادك‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬وانا‭ ‬ارغب‭ ‬منك‭ ‬ان‭ ‬تنتهز‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬بطريقة‭ ‬تحافظ‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬ارث‭ ‬عظيم‭ ‬يحفظ‭ ‬اسمك‮»‬‭. ‬استمر‭ ‬الاخذ‭ ‬والرد‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين‭ ‬لبضع‭ ‬دقائق‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬اكد‭ ‬خلالها‭ ‬مبارك‭ ‬ان‭ ‬الاوضاع‭ ‬ستتحسن،‭ ‬لتنتهي‭ ‬المكالمة‭ ‬بمبارك‭ ‬موجها‭ ‬الكلام‭ ‬لاوباما،‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬اعرف‭ ‬شعبي،‭ ‬انه‭ ‬شعب‭ ‬عاطفي‭. ‬سأتحدث‭ ‬معك‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق،‭ ‬يا‭ ‬سيادة‭ ‬الرئيس،‭ ‬وسأقول‭ ‬لك‭ ‬إنني‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬حق‮»‬‭.  ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬المكالمة‭ ‬يستذكر‭ ‬اوباما‭ ‬انه‭ ‬اعطى‭ ‬مبارك‭ ‬افضل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يسديه‭ ‬له‭ ‬كنصيحة،‭ ‬مدركاً،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬وصفه‭ ‬‮«‬أن‭ ‬أي‭ ‬زعيم‭ ‬يحل‭ ‬محله‭ ‬قد‭ ‬ينتهي‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬ليكون‭ ‬شريكًا‭ ‬أسوأ‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ – ‬وربما‭ ‬أسوأ‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشعب‭ ‬المصري‮»‬‭. ‬يضيف‭ ‬الرئيس‭ ‬الاسبق‭ ‬أنه‭ ‬لولا‭ ‬الإصرار‭ ‬العنيد‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الشبان‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير،‭ ‬لكان‭ ‬قد‭ ‬انهى‭ ‬فترته‭ ‬الرئاسية‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬سيستمر‭ ‬بالعمل‭ ‬سوية‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الاستبدادي‭ ‬الفاسد‭ ‬المتعفن‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬تعبير‭ ‬استعاره‭ ‬الرئيس‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬مساعديه‭. ‬يعرب‭ ‬اوباما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬اعجابه‭ ‬بهؤلاء‭ ‬‮«‬الصبية‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬تحرروا‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬للحظات‭ ‬وجيزة‭ ‬وواصلوا‭ ‬التظاهر،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬مبارك‭ ‬سوى‭ ‬الضرب‭ ‬والاعتقال‭ ‬والتعذيب‭ ‬لثنيهم‭ ‬عن‭ ‬تطلعهم‭ ‬نحو‭ ‬حياة‭ ‬افضل‭. ‬رأى‭ ‬اوباما‭ ‬في‭ ‬تفسيره‭ ‬لموقفه‭ ‬الشخصي‭ ‬حيال‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬أن‭ ‬السماح‭ ‬بمنح‭ ‬المساعدات‭ ‬الامريكية‭ ‬‮«‬لشخص‭ ‬نسميه‭ ‬حليفًا،‭ ‬يرتكب‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬غاشمة‭ ‬ضد‭ ‬المتظاهرين‭ ‬السلميين،‭ ‬بينما‭ ‬يراقب‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ – ‬كان‭ ‬خطًا‭ ‬لم‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬التغاضي‭ ‬عنه‮»‬‭. ‬يختم‭ ‬أوباما‭ ‬كلامه‭ ‬بالقول‭ ‬إنه‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يلحق‭ ‬ضرراً‭ ‬فادحاً‭ ‬بقيم‭ ‬التحرر‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ويقول‭ ‬لفريقه‭:‬‮ «‬دعونا‭ ‬نعد‭ ‬بيانًا‭ ‬ندعو‭ ‬فيه‭ ‬مبارك‭ ‬للتنحي‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬الآن‮»‬‭.‬

واصل‭ ‬مبارك‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬المكالمة‭ ‬تحديه‭ ‬وقمعه‭ ‬لشعبه،‭ ‬وفق‭ ‬اوباما،‭ ‬ونزلت‭ ‬الدبابات‭ ‬الى‭ ‬الشوارع،‭ ‬حيث‭ ‬يلفت‭ ‬الرئيس‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬بلاده،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يعتقد‭ ‬الكثيرون‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وحتى‭ ‬بعض‭ ‬الصحفيين‭ ‬الامريكيين،‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬حبالا‭ ‬تتحكم‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬بأوضاع‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬كالدمى‭ ‬المتحركة،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬حتى‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬تتلقى‭ ‬المساعدات‭ ‬والدعم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬تفكر‭ ‬أولاً‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬بقائها،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬نظام‭ ‬مبارك‭ ‬استثناءً‮»‬‭. ‬‮ ‬

‮ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬هذه‭ ‬الاحداث،‭ ‬يؤكد‭ ‬أوباما‭ ‬أن‭ ‬أجهزة‭ ‬الامن‭ ‬القومي‭ ‬الامريكي‭ ‬بقيت‭ ‬تشعر‭ ‬بعدم‭ ‬الارتياح‭ ‬حيال‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬وظهرت‭ ‬اصوات‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬ادارته‭ ‬وخارجها‭ ‬توحي‭ ‬بإمكانية‭ ‬ان‭ ‬يستمر‭ ‬مبارك‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬بعض‭ ‬الوقت،‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬تصدى‭ ‬له‭ ‬اوباما‭ ‬بحزم‭ ‬ووضع‭ ‬حدا‭ ‬له‭.‬

في‭ ‬اعقاب‭ ‬اعلان‭ ‬مبارك‭ ‬عن‭ ‬تنحيه‭ ‬عن‭ ‬السلطة،‭ ‬ذكر‭ ‬اوباما‭ ‬أنه‭ ‬يدرك‭ ‬‮«‬أن‭ ‬الانتقال‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬بداية‭ ‬صراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬روح‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ – ‬صراع‭ ‬بقيت‭ ‬نتائجه‭ ‬غير‭ ‬مؤكدة‮»‬‭. ‬‮ ‬يشير‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الرئيس‭ ‬الاسبق‭ ‬الى‭ ‬حديث‭ ‬سابق‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬ولي‭ ‬عهد‭ ‬أبو‭ ‬ظبي‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬الذي‭ ‬أخبره‭ ‬‮«‬أن‭ ‬التصريحات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بشأن‭ ‬مصر‭ ‬تُراقب‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬وبقلق‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬الخليج‮»‬‭. ‬تساءل‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬موجها‭ ‬حديثه‭ ‬إلى‭ ‬أوباما‭: ‬‮«‬ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬إذا‭ ‬دعا‭ ‬المتظاهرون‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬إلى‭ ‬التنحي؟‭ ‬هل‭ ‬ستصدر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفس‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لدينا‭ ‬بشأن‭ ‬مصر؟‮»‬‭ ‬اجابه‭ ‬اوباما‭ ‬بأنه‭ ‬يأمل‭ ‬ان‭ ‬يعمل‭ ‬مع‭ ‬ملك‭ ‬البحرين‭ ‬وبقية‭ ‬الزعماء‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬لتفادي‭ ‬الاضطرار‭ ‬إلى‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬والاشتباكات‭ ‬العنيفة‭ ‬بين‭ ‬الحكومات‭ ‬وشعوبها‮»‬‭. ‬اخبره‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬انه‭ ‬‮«‬في‭ ‬حال‭ ‬انهارت‭ ‬مصر‭ ‬وتولى‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمون‭ ‬زمام‭ ‬الأمور،‭ ‬فان‭ ‬ثمة‭ ‬ثمانية‭ ‬قادة‭ ‬عرب‭ ‬آخرين‭ ‬سيسقطون‮»‬‭ ‬،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬انتقد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬بيان‭ ‬الرئيس‭ ‬اوباما،‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ليست‭ ‬شريكًا‭ ‬يمكننا‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليه‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‮»‬‭. ‬ينهي‭ ‬اوباما‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬بالاستنتاج‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬كان‭ ‬تحذيرا‭ ‬واضحاً،‭ ‬وأن‭ ‬أوباما‭ ‬يدرك‭ ‬تماما‭ ‬‮«‬أن‭ ‬النظام‭ ‬القديم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قتال‮»‬‭.‬

الحرب‭ ‬الليبية‭:‬

يتطرق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬في‭ ‬الفصلين‭ ‬25‭ ‬و‭ ‬26‭ ‬من‭ ‬مذكراته‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬الليبية‭ ‬ثم‭ ‬يعقبها،‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الأخير،‭ ‬الفصل‭ ‬27،‭ ‬بسرد‭ ‬تفاصيل‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬اسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬في‭ ‬باكستان‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يستحق‭ ‬التفصيل‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬لأنها‭ ‬باتت‭ ‬معروفة،‭ ‬فانني‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬اقدم‭ ‬عرضا‭ ‬ملخصا‭ ‬لأبرز‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الفصلين‭ ‬25‭ ‬و‭ ‬26‭ ‬بشأن‭ ‬المسألة‭ ‬الليبية‭ ‬لأهميتهما‭ ‬حيث‭ ‬يسلط‭ ‬هذين‭ ‬الفصلين‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬المستقلة،‭ ‬ومواقف‭ ‬الدول‭ ‬الاوروبية‭ ‬والعربية،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬من‭ ‬الاحداث‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬والاهم‭ ‬ربما‭ ‬الدوافع‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬تلك‭ ‬المواقف‭. 

يوجه‭ ‬الرئيس‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬ليبيا‭ ‬انتقاداً‭ ‬لاذعاً‭ ‬إلى‭ ‬اسلوب‭ ‬حكم‭ ‬العقيد‭ ‬معمر‭ ‬القذافي،‭ ‬مستهجناً‭ ‬أساليب‭ ‬القتل‭ ‬والتعذيب‭ ‬والمطاردة‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬حيال‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬معارضته،‭ ‬والتي‭ ‬تحولت‭ ‬‮«‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬حتى‭ ‬بمعايير‭ ‬زملائه‭ ‬المستبدين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮»‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭. ‬يتطرق‭ ‬أوباما‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬حادثة‭ ‬طريفة‭ ‬تعكس‭ ‬نزق‭ ‬الرئيس‭ ‬الليبي‭ ‬حينما‭ ‬طلب‭ ‬قبيل‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬نيويورك‭ ‬لحضور‭ ‬اجتماعات‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمة‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭ ‬وفي‭ ‬ولاية‭ ‬نيويورك‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬نصب‭ ‬خيمة‭ ‬بدوية‭ ‬واسعة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المتنزه‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭ ‬لسكنه‭ ‬وسكن‭ ‬حاشيته‭. ‬ينتقل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أوباما‭ ‬إلى‭ ‬سرد‭ ‬تفاصيل‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬أسبوع‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬تخلي‭ ‬مبارك‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬والتي‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬انحاء‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬علنية‮»‬‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬وصفه،‭ ‬وتسببت‭ ‬بمقتل‭ ‬نحو‭ ‬مائة‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬اسبوعها‭ ‬الاول‭. ‬رافقت‭ ‬تلك‭ ‬الاحداث،‭ ‬هروب‭ ‬الموظفين‭ ‬الكبار‭ ‬و‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬وتخليهم‭ ‬عن‭ ‬مناصبهم،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬سفير‭ ‬ليبيا‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اتهم‭ ‬القذافي‭ ‬معارضيه‭ ‬بأنهم‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة،‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬وبحلول‭ ‬شهر‭ ‬آذار‭/‬مارس‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬ألف‭ ‬قتيل‭.‬

‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬المجزرة‭ ‬المريعة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬القذافي‭ ‬بحق‭ ‬شعبه،‭ ‬اتخذت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬بحق‭ ‬الزعيم‭ ‬الليبي‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬أوباما‭ ‬إن‭ ‬إدارته‭ ‬‮«‬فعلت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬بوسعها‭ ‬لوقف‭ ‬القذافي‮»‬،‭ ‬وأنه‭ ‬طالبه‭ ‬بالتنحي‭ ‬عن‭ ‬الحكم،‭ ‬لكن‭ ‬القرارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬بل‭ ‬اقتصرت‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وتجميد‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬القذافي‭ ‬وأموال‭ ‬أسرته،‭ ‬مع‭ ‬فرض‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭ ‬الحظر‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬السلاح‭ ‬الى‭ ‬بلاده،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يردع‭ ‬القذافي‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬قتل‭ ‬شعبه‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاثناء،‭ ‬يذكر‭ ‬أوباما،‭ ‬ظهرت‭ ‬أصوات‭ ‬عديدة‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬بداياتها‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬جماعات‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وعدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬المقالات‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬لتمتد‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬الكونغرس‭ ‬الامريكي‭ ‬ووسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬مطالبة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬لوقف‭ ‬القذافي‭. ‬من‭ ‬جانبه،‭ ‬اعتبر‭ ‬اوباما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬تعكس‭ ‬تقدما‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬الاخلاقية،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬الامريكية‭ ‬لمنع‭ ‬حكومة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬شعبها‭ ‬فكرة‭ ‬عديمة‭ ‬الجدوى،‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬الدول‭ ‬ضد‭ ‬شعوبها‭ ‬مسألة‭ ‬تحدث‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬استذكر‭ ‬أوباما‭ ‬مواقف‭ ‬متعددة‭ ‬لم‭ ‬تتحرك‭ ‬فيها‭ ‬الحكومات‭ ‬الامريكية‭ ‬السابقة‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬الابرياء‭ ‬في‭ ‬كمبوديا،‭ ‬أو‭ ‬الارجنتين،‭ ‬أو‭ ‬أوغندا،‭ ‬ولم‭ ‬تعتبر‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬مسائل‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬بالمصالح‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لأن‭ ‬معظم‭ ‬منفذي‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم،‭ ‬وفق‭ ‬أوباما،‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬حلفاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬الشيوعيين،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الانقلاب‭ ‬الذي‭ ‬رعته‭ ‬المخابرات‭ ‬الامريكية‭ ‬في‭ ‬اندونيسيا‭ ‬سنة‭ ‬1965‭ ‬الذي‭ ‬اطاح‭ ‬بالحكومة‭ ‬الشيوعية‭ ‬وتسبب‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بحمامات‭ ‬من‭ ‬الدماء‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬من‭ ‬خمسمائة‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬إلى‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭.‬

يمضي‭ ‬أوباما‭ ‬موضحا‭ ‬موقفه‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬التدخل‭ ‬لمنع‭ ‬الحكومات‭ ‬الاجنبية‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬رعاياها‭ ‬قائلا‭ ‬إنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعاطفه‭ ‬مع‭ ‬محنة‭ ‬الأبرياء‭ ‬الذين‭ ‬يذوقون‭ ‬المر‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المستبدين،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬رفض‭ ‬مقترحا‭ ‬من‭ ‬مساعدته‭ ‬بأن‭ ‬تضيف‭ ‬عبارة‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬التي‭ ‬القاها‭ ‬بمناسبة‭ ‬تسلمه‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭ ‬تلزم‭ ‬فيها‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬‮«‬بمسؤولية‭ ‬حماية‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬حكوماتهم‮»‬‭.  (‬يسخر‭ ‬أوباما‭ ‬منحه‭ ‬الجائزة‭ ‬ويقول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬مُنحت‭ ‬له‭). ‬لقد‭ ‬خشي‭ ‬اوباما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مسؤولية‭ ‬التدخل‭ ‬عديمة‭ ‬الحدود‭ ‬والكوابح،‭ ‬وتساءل‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬المعلمات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لمثل‭ ‬هكذا‭ ‬تدخل،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتعرضوا‭ ‬للقتل‭ ‬حتى‭ ‬تتدخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬تساءل‭ ‬أيضا‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬نتدخل‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ولا‭ ‬نتدخل‭ ‬في‭ ‬الكونغو،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬حيث‭ ‬تسببت‭ ‬سلسلة‭ ‬النزاعات‭ ‬المدنية‭ ‬بملايين‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬المدنيين؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬نتدخل‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬نضمن‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لن‭ ‬تتكبد‭ ‬أية‭ ‬خسائر؟‮»‬‭. ‬يواصل‭ ‬أوباما‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬25‭ ‬عرض‭ ‬الحجج‭ ‬والوقائع‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬دون‭ ‬تشجيع‭ ‬فكرة‭ ‬التدخل‭ ‬بالشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬إن‭ ‬دعاة‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬حاولوا‭ ‬طمس‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التشبث‭ ‬بفكرة‭ ‬أن‭ ‬فرض‭ ‬منطقة‭ ‬حظر‭ ‬جوي‭ ‬ستحيّد‭ ‬طائرات‭ ‬القذافي‭ ‬المقاتلة‭ ‬وتمنعها‭ ‬من‭ ‬قصف‭ ‬الشعب‮»‬‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬المفقود‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحجة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬حقيقة‭ ‬فرض‭ ‬منطقة‭ ‬حظر‭ ‬جوي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬سيتطلب‭ ‬منا‭ ‬أولا‭ ‬اطلاق‭ ‬صواريخ‭ ‬على‭ ‬طرابلس‭ ‬لتدمير‭ ‬دفاعاتها‭ ‬الجوية‭ ‬وهذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬عمل‭ ‬حربي‭ ‬واضح‭ ‬ضد‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬لنا‭. ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬واضحا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬فرض‭ ‬منطقة‭ ‬الحظر‭ ‬الجوي‭ ‬أي‭ ‬تأثير‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬القذافي‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬قواته‭ ‬البرية‭ ‬وليس‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬في‭ ‬مهاجمة‭ ‬معاقل‭ ‬المعارضة‭. ‬يضيف‭ ‬أوباما‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحجج،‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬كانت‭ ‬اساسا‭ ‬غارقة‭ ‬حتى‭ ‬ركبتيها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وافغانستان،‭ ‬وأنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أوعز‭ ‬تواً‭ ‬بإرسال‭ ‬القوات‭ ‬الامريكية‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬لمساعدتها‭  ‬في‭ ‬اسوأ‭ ‬كارثة‭  ‬نووية‭ ‬منذ‭ ‬حادثة‭ ‬شيرنوبل‭. ‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الموقف‭ ‬المذكور،‭ ‬اوضح‭ ‬الرئيس‭ ‬الاسبق‭ ‬بأن‭ ‬تقارير‭ ‬المواجهات‭ ‬والاعدامات‭ ‬الصورية‭ ‬واكتظاظ‭ ‬المستشفيات‭ ‬بالمصابين‭ ‬بدأت‭ ‬تتسرب‭ ‬وراحت‭ ‬تحدث‭ ‬ضغطا‭ ‬متزايدا،‭ ‬فيما‭ ‬تمثلت‭ ‬المفاجأة،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله،‭ ‬في‭ ‬صدور‭ ‬تصويت‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬يؤيد‭ ‬التدخل‭ ‬الدولي‭ ‬ضد‭ ‬القذافي‭. ‬لكن‭ ‬أوباما‭ ‬يبين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬اعتقاده‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬التصويت‭ ‬قد‭  ‬يكون‭  ‬مدفوعا‭ ‬أيضاً‭ ‬برغبة‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬كسوريا‭ ‬والبحرين،‭ ‬بصرف‭ ‬الانظار‭ ‬عن‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬وهو‭ ‬التصويت‭ ‬الذي‭ ‬يصفه‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬بأنه‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬نفاق‮»‬‭. ‬بخصوص‭ ‬الموقف‭ ‬الأوروبي،‭ ‬يروي‭ ‬أوباما‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الأسبق‭ ‬نيكولا‭ ‬ساركوزي،‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬إلى‭ ‬انتقادات‭ ‬داخلية‭ ‬حادة‭ ‬بسبب‭ ‬دعمه‭ ‬نظام‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬حتى‭ ‬فراره،‭ ‬قرر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء‭ ‬جعل‭ ‬مسألة‭ ‬حماية‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬قضيته‭ ‬الشخصية،‭ ‬حيث‭ ‬طرح‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬ديفيد‭ ‬كاميرون،‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يسمح‭ ‬بفرض‭ ‬منطقة‭ ‬حظر‭ ‬جوي‭ ‬في‭ ‬الاجواء‭ ‬الليبية،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬موقفا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬وانتقد‭ ‬اوباما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬‮«‬بالموقف‭ ‬المحرج‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬فيه‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬بريطانيا‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬لأنه‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬جانبا‭ ‬من‭ ‬مساعيهم‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬مشاكلهما‭ ‬الداخلية‮»‬‭. ‬يواصل‭ ‬اوباما‭ ‬في‭ ‬الصفحات‭ ‬الاخيرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬عرض‭ ‬المواقف‭ ‬المتعددة‭ ‬للشخصيات‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬ادارته‭ ‬موجها‭ ‬انتقاداً‭ ‬مبطنا‭ ‬إلى‭ ‬هيلاري‭ ‬كلنتون‭ ‬التي‭ ‬أيدت‭ ‬بقاء‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬القذافي‭ ‬أيدت‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬لنظامه،‭ ‬وانها‭ ‬كتبت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬باريس‭ ‬حيث‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬مجموعة‭ ‬الدولة‭ ‬الصناعية‭ ‬الثمانية،‭ ‬قائلة‭ ‬إنها‭ ‬التقت‭ ‬هناك‭ ‬بزعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬الليبية‭ ‬وأنها‭ ‬معجبة‭ ‬به‭. ‬وفي‭ ‬واشنطن‭ ‬كان‭ ‬القادة‭ ‬العسكريون‭ ‬مترددين‭ ‬بشأن‭ ‬مشاركة‭ ‬قوات‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬معربين‭ ‬عن‭ ‬قناعتهم‭ ‬بأن‭ ‬العبء‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬سيقع‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬برحت‭ ‬فيه‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬افغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬تشكلان‭ ‬عبئا‭ ‬ثقيلا‭ ‬على‭ ‬القوات‭. ‬من‭ ‬جانبه،‭ ‬يؤكد‭ ‬أوباما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يرغب‭ ‬بإرسال‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬بلاده،‭ ‬وأن‭ ‬حربا‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬اجنبية‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬دوافعها‭ ‬نبيلة‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬جانبية‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة‭ ‬ضعيفة‭. ‬اضاف‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬نظيفة‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الاحوال‭ ‬وانه‭ ‬يعتقد‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬مشاكله‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الداخل‮»‬‭ ‬ستتفاقم‭ ‬حال‭ ‬بدء‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭. ‬لكن‭ ‬اوباما‭ ‬رأى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مواصلة‭ ‬تقدم‭ ‬قوات‭ ‬القذافي‭ ‬نحو‭ ‬بنغازي‭ ‬وتطويقها‭ ‬للمدينة‭ ‬سيتسبب‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬شخص،‭ ‬وستندلع‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬شرسة،‭ ‬وستصبح‭ ‬البلاد‭ ‬مرتعا‭ ‬للقوى‭ ‬الارهابية،‭ ‬وستضطر‭ ‬بلاده‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭. ‬يذكر‭ ‬اوباما‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التأمل‭ ‬خرج‭ ‬بخطة‭ ‬‮«‬قد‭ ‬يحالفها‭ ‬النجاح‮»‬،‭ ‬اقترحها‭ ‬على‭ ‬مستشاريه‭ ‬بدأت‭ ‬بالطلب‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬بسحب‭ ‬مشروع‭ ‬قرارهم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الامن‭ ‬بفرض‭ ‬حظر‭ ‬جوي‭ ‬على‭ ‬ليبيا،‭ ‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬مستشاريه‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الابيض‭ ‬ومجلس‭ ‬الامن‭ ‬تقديم‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬جديد‭ ‬يتضمن‭ ‬صلاحيات‭ ‬اوسع‭ ‬تكفل‭ ‬وقف‭ ‬القذافي‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬شعبه‭ ‬وحماية‭ ‬المدنيين‭. ‬نصت‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الخطة‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬الدفاعات‭ ‬الجوية‭ ‬لنظام‭ ‬القذافي‭ ‬وهي‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭ ‬سوى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬تقوم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬القوات‭ ‬الاوروبية‭ ‬والعربية‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مهامها‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يسهم‭ ‬الاوروبيون‭ ‬بإعادة‭ ‬اعمار‭ ‬ليبيا‭. ‬عرضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مشروعها‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬الامن،‭ ‬وكانت‭ ‬روسيا‭ ‬العقبة‭ ‬الرئيسية‭ ‬حيث‭ ‬خشي‭ ‬اوباما‭ ‬أن‭ ‬يعترض‭ ‬الروس‭ ‬على‭ ‬القرار،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬ميدفيديف‭ ‬وافق‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬القرار‭.‬هكذا،‭ ‬صدر‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بموافقة‭ ‬عشرة‭ ‬أصوات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تسجيل‭ ‬اي‭ ‬اعتراض،‭ ‬وامتنعت‭ ‬خمس‭ ‬دول‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬روسيا‭. ‬اتصل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬اوباما‭ ‬بالرئيس‭ ‬القذافي‭ ‬ومنحه‭ ‬‮«‬فرصة‭ ‬أخيرة‮»‬‭ ‬لعودة‭ ‬قواته‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس‭ ‬والسماح‭ ‬باستئناف‭ ‬الحياة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬القذافي‭ ‬لم‭ ‬يستجب‭ ‬للنداء‭. ‬عاد‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬اوباما‭ ‬إلى‭ ‬الاتصال‭ ‬بالرئيس‭ ‬ساركوزي‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬كاميرون‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬لاحظ‭  ‬ارتياحهما‭ ‬‮«‬لأننا‭ ‬أنقذناهما‭ ‬وسمحنا‭ ‬لهما‭ ‬بالهبوط‭  ‬بسلام‭ ‬من‭ ‬السقف‭ ‬العالي‭ ‬الذي‭ ‬وصلا‭ ‬إليه‮»‬‭. ‬ينتقل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أوباما‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬البرازيل،‭ ‬لكنه‭ ‬يخبر‭ ‬قراءه،‭ ‬بأن‭ ‬السفن‭ ‬الحربية‭ ‬الامريكية‭ ‬البريطانية‭ ‬بدأت‭ ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬تلك‭ ‬بقصف‭ ‬الدفاعات‭ ‬الجوية‭  ‬الليبية‭ ‬بصواريخ‭ ‬تومهوك‭. ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن،‭ ‬يقول‭ ‬أوباما‭ ‬أن‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬المكثف‭ ‬على‭ ‬قوات‭ ‬القذافي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬فعل‭ ‬فعله،‭ ‬وبدأت‭ ‬قوات‭ ‬المعارضة‭ ‬التوجه‭ ‬غربا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ازدادت‭ ‬اعداد‭ ‬المنشقين‭ ‬عن‭ ‬القذافي‭. ‬يستذكر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الاسبق‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬تلقى‭ ‬بعض‭ ‬كلمات‭ ‬الثناء‭ ‬من‭ ‬اعضاء‭ ‬الكونغرس‭ ‬الجمهوريين‭ ‬الذين‭ ‬ارادوا‭ ‬وأيدوا‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬لكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬انقلبوا‭ ‬عليه‭ ‬وراحوا‭ ‬ينتقدون‭ ‬سياساته‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬متأخرة،‭ ‬أو‭ ‬بطيئة،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تحاول‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬الكونغرس‭. ‬يضيف‭ ‬أوباما‭ ‬أن‭ ‬الجمهوريين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وحدهم‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬الألاعيب‭ ‬السياسية‭ ‬لكن‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬أيضا‭ ‬بدأ‭ ‬بتوجيه‭ ‬انتقادات‭ ‬علنية‭ ‬لقرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بخصوص‭ ‬ليبيا،‭ ‬وكان‭ ‬بذلك‭ ‬ينتقد‭ ‬ضمنيا‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬ميدفيديف،‭ ‬تارة‭ ‬لسماحه‭ ‬بتمرير‭ ‬قرار‭ ‬في‭ ‬مجس‭ ‬الأمن‭ ‬يسمح‭ ‬بتفويض‭ ‬واسع‭ ‬النطاق،‭ ‬أو‭ ‬اتهامه‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬يتعين‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬حق‭ ‬الفيتو،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬باتهام‭ ‬ميدفيديف‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭ ‬مغزى‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬لكن‭ ‬تقييم‭ ‬اوباما‭ ‬كان‭ ‬مختلفا،‭ ‬فقد‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬الضجة‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬بوتين‭ ‬كان‭ ‬القصد‭ ‬منها‭ ‬تشويه‭ ‬سمعة‭ ‬ميدفيديف،‭ ‬وكانت‭ ‬قناعته‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬بوتين‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬والهيمنة‭ ‬على‭ ‬البلاد‭. ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع‭ ‬بدا‭ ‬اوباما‭ ‬مغتبطا‭ ‬لان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اسبوعين‭ ‬مرا‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬العمليات‭ ‬القتالية‭ ‬لم‭ ‬تتكبد‭ ‬خلالهما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أية‭ ‬خسارة‭ ‬بشرية،‭ ‬وباتت‭ ‬عملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الدعم‭ ‬اللوجستي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬توفيره،‭ ‬مع‭ ‬انفاق‭ ‬نحو‭ ‬550‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬وهو‭ ‬مبلغ‭ ‬اعتبره‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬زهيدا‭ ‬مقارنة‭ ‬بنفقاته‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وافغانستان‭ ‬حيث‭ ‬يعادل‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬نفقات‭ ‬قتال‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬ذينك‭ ‬البلدين،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭. ‬ينهي‭ ‬اوباما‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬بالاستفسار‭ ‬من‭ ‬مساعديه‭ ‬عن‭ ‬اسم‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬بعثته‭ ‬واشنطن‭ ‬لتمثيلها‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ويكتفي‭ ‬بالقول‭ ‬إنه‭ ‬رجل‭ ‬شجاع‭. ‬لا‭ ‬يتحدث‭ ‬اوباما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬مقتل‭ ‬سفيره‭ ‬في‭ ‬بنغازي،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬مقتل‭ ‬القذافي،‭ ‬أو‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

ما‭ ‬بين‭ ‬السطور

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬شكوى‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مذكرات‭ ‬باراك‭ ‬اوباما‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬زهاء‭ ‬700‭ ‬صفحة‭ ‬بدت‭ ‬طويلة‭ ‬جداً‭ ‬مقارنة‭ ‬بمذكرات‭ ‬الرؤساء‭ ‬الامريكيين‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه،‭ ‬لكن‭ ‬القارئ‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بالملل‭ ‬لدى‭ ‬قراءتها،‭ ‬وربما‭ ‬يرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اوباما‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬علاقة‭ ‬دافئة‭ ‬مع‭ ‬قرائه‭ ‬عبر‭ ‬صفحات‭ ‬كتابه،‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬معها‭ ‬القارئ‭ ‬بأي‭ ‬ضجر‭ ‬أو‭ ‬تعب‭. ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬مشاعر‭ ‬الدفء‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬أجواء‭ ‬الصراحة‭ ‬والجرأة‭ ‬التي‭ ‬يضفيها‭ ‬الرئيس‭ ‬اوباما‭ ‬على‭ ‬الاحداث‭ ‬عبر‭ ‬صفحات‭ ‬كتابه،‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬أحياناً‭ ‬بقايا‭ ‬روح‭ ‬الشعوب‭ ‬السوداء‭ ‬الثائرة‭ ‬المتطلعة‭ ‬للانعتاق‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬وفساده‭. ‬ويكاد‭ ‬القارئ‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬بين‭ ‬سطور‭ ‬مذكرات‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬محاولة‭ ‬تمرده‭ ‬على‭ ‬ثوابت‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الامريكية،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تلمسها‭ ‬في‭ ‬انتقاداته‭ ‬للحرس‭ ‬القديم،‭ ‬وعدم‭ ‬تردده‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬الاجهزة‭ ‬الامنية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬راضية‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬سياساته‭ ‬الخارجية،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬استخفافه‭ ‬بمؤسسات‭ ‬غربية‭ ‬نافذة‭ ‬عندما‭ ‬يعلن‭ ‬ساخرًا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬منحوه‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬التمرد‭ ‬يبقى‭ ‬حلما‭ ‬صعب‭ ‬المنال‭. ‬بخصوص‭ ‬احداث‭ ‬المنطقة،‭ ‬فمن‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬يبدو‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬مستعدا‭ ‬للتعاطف‭ ‬مع‭ ‬كاتب‭ ‬اسمر‭ ‬البشرة‭ ‬يعلم‭ ‬تماماً‭ ‬ان‭ ‬أجداده‭ ‬تعرضوا‭ ‬للظلم‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬تعرض‭ ‬اجدادنا‭ ‬ومازالوا‭ ‬يتعرضون‭ ‬للظلم،‭ ‬أملاً‭ ‬بأن‭ ‬يتعاطف‭ ‬هذا‭ ‬الرئيس‭ ‬مع‭ ‬همومنا‭. ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬الوقائع‭ ‬التي‭ ‬يسوقها‭ ‬الرئيس‭ ‬الاسبق‭ ‬في‭ ‬كتابه،‭ ‬فان‭ ‬توجيهه‭ ‬انتقادات‭ ‬حادة‭ ‬الى‭ ‬الادارات‭ ‬الامريكية‭ ‬السابقة‭ ‬لوقوفها‭ ‬ضد‭ ‬التطلعات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لشعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتحالفها‭ ‬مع‭ ‬زعماء‭ ‬مستبدين‭ ‬فاسدين،‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬تكسب‭ ‬الرئيس‭ ‬الامريكي‭ ‬الاسبق‭ ‬ثقة‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬وتعاطفه‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اعتراف‭ ‬اوباما‭ ‬بمحنة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الاعتراف‭ ‬خجولا،‭ ‬وجرأته‭ ‬في‭ ‬فضح‭ ‬النفوذ‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يعدان‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬رؤساء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬القارئ‭ ‬لا‭ ‬يسعه‭ ‬أيضاً‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬تناقضاً‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬اوباما‭ ‬الذي‭ ‬اعترف‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬كتابه‭ ‬بأن‭ ‬بلاده‭ ‬دمرت‭ ‬العراق،‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬ابناء‭ ‬شعبه،‭ ‬ولَم‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬اسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬اي‭ ‬كلمة‭ ‬اعتذار‭ ‬أو‭ ‬مواساة‭ ‬للعراقيين‭ ‬ولأرواح‭ ‬مئات‭ ‬الالوف‭ ‬من‭ ‬أبنائهم‭ ‬الذين‭ ‬راحوا‭ ‬ضحية‭ ‬الغزو‭ ‬الامريكي‭ ‬للعراق،‭ ‬والملايين‭ ‬التي‭ ‬شردها‭ ‬الغزو،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬‮ ‬تحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬الخراب‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭. ‬وفي‭ ‬ايران،‭ ‬وفيما‭ ‬يؤكد‭ ‬الكاتب‭ ‬أنه‭ ‬فضل‭ ‬خيار‭ ‬التفاوض‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬لأن‭ ‬بلاده‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬اخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬حاول‭ ‬التطرق‭ ‬الى‭ ‬تداعيات‭ ‬قراره‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬اصدقائه‭ ‬وحلفائه‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬اللافت‭ ‬في‭ ‬المذكرات‭ ‬والذي‭ ‬يتضح‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬في‭ ‬احداث‭ ‬ليبيا،‭ ‬هو‭ ‬اصرار‭ ‬الرئيس‭ ‬اوباما‭ ‬عند‭ ‬عرضه‭ ‬للمشكلة‭ ‬الليبية‭ ‬على‭ ‬رفضه‭ ‬مبدأ‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬عليها‭ ‬لان‭ ‬الحرب‭ ‬تجلب‭ ‬الدمار‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬مستشاريه‭ ‬العسكريين‭ ‬رفضوا‭ ‬الحرب‭ ‬لأسباب‭ ‬وجيهة،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬يفاجئ‭ ‬القارئ‭ ‬بتبنيه‭ ‬قرار‭ ‬شن‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يشرح‭ ‬للقارئ‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬دفعه،‭ ‬او‭ ‬ربما‭ ‬ارغمه،‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬موقفه‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭. ‬هنا،‭ ‬يقف‭ ‬القارئ‭ ‬حائراً‭ ‬امام‭ ‬منطقين‭ ‬ساقهما‭ ‬اوباما‭ ‬في‭ ‬عرضه‭ ‬لمشاكل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬الاول‭ ‬يدعو‭ ‬بقوة‭ ‬الى‭ ‬نبذ‭ ‬الحرب،‭ ‬وآخر‭ ‬يبرر‭ ‬بقوة‭ ‬شن‭ ‬الحرب،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬القارئ‭ ‬أيهما‭ ‬كان‭ ‬الافضل‭ ‬حسب‭ ‬راي‭ ‬اوباما‭. ‬لكن‭ ‬الخلاصة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يصل‭ ‬إليها‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬بشأن‭ ‬الموقف‭ ‬الامريكي‭ ‬من‭ ‬منطقتنا‭ ‬إجمالاً‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬زعيم‭ ‬امريكي‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬توجهاته‭ ‬تقدمية،‭ ‬وتطلعاته‭ ‬تحررية،‭ ‬وأيًا‭ ‬كان‭ ‬لون‭ ‬بشرته،‭ ‬يبقى‭ ‬رئيسا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الامريكية،‭ ‬مدافعاً‭ ‬عن‭ ‬مصالحها،‭ ‬وليس‭ ‬عن‭ ‬مصالحنا،‭ ‬وهو‭ ‬توجه‭ ‬طبيعي‭ ‬ومشروع‭. ‬لكن‭ ‬المحزن‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يستنتج‭ ‬القارئ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬الامريكية‭ ‬لن‭ ‬تلتقي‭ ‬يوماً‭ ‬مع‭ ‬تطلعات‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬يكتشف‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬تلبية‭ ‬المصالح‭ ‬الامريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬لن‭ ‬تتحقق‭ ‬بوجود‭ ‬زعماءٍ‭ ‬مخلصين‭ ‬لشعوبهم‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬ستتطلب‭ ‬دائماً‭ ‬حكاماً‭ ‬مستبدين‭ ‬فاسدين‭ ‬نعرف‭ ‬منهم‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬بلداننا‭.‬

مشاركة