مدينة الضباب..ملاذ ممطر وبارد للسعوديين في الصيف 

النماص‭ (‬السعودية‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬يرتدي‭ ‬‮ ‬السعودي‭ ‬عبدالله‭ ‬العنيزي‭ ‬سترة‭ ‬ثقيلة‭ ‬فوق‭ ‬ثوبه‭ ‬وهو‭ ‬يجلس‭ ‬رفقة‭ ‬أصدقائه‭ ‬تحت‭ ‬الضباب‭ ‬الكثيف‭ ‬ورذاذ‭ ‬المطر‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬النماص‭ ‬جبلية‭ ‬جنوبا،‭ ‬التي‭ ‬هربوا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬حرارة‭ ‬تلامس‭ ‬50‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬ومدن‭ ‬المملكة‭ ‬صيفا‭.‬

ويقضي‭ ‬العنيزي‭ (‬45‭ ‬عاما‭) ‬إجازته‭ ‬في‭ ‬النماص‭ ‬المعروفة‭ “‬بمدينة‭ ‬الضباب‭” ‬والواقعة‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬120‭ ‬كلم‭ ‬شمال‭ ‬مدينة‭ ‬أبها‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬البلاد‭ ‬حيث‭ ‬تتسبب‭ ‬الرياح‭ ‬الموسمية‭ ‬الرطبة‭ ‬بانخفاض‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬خلال‭ ‬الصيف‭.‬

ويقول‭ ‬العنيزي‭ ‬بينما‭ ‬يفترش‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه‭ ‬السبعة‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬متنزه‭ ‬بين‭ ‬الأشجار‭ “‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬46‭ ‬وهنا‭ ‬20،‭ ‬الفرق‭ ‬26‭ ‬درجة‭”. ‬وتبعثر‭ ‬نسمة‭ ‬هواء‭ ‬منعش‭ ‬بعض‭ ‬أغراضهم‭.‬ويتابع‭ ‬العسكري‭ ‬المتقاعد‭ ‬الذي‭ ‬قطع‭ ‬نحو‭ ‬850‭ ‬كلم‭ ‬بسيارته‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬استغرقت‭ ‬12‭ ‬ساعة‭ “‬نهرب‭ ‬من‭ ‬الأجواء‭ ‬الحارة‭ ‬والشمس‭ ‬الحارقة‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬حيث‭ ‬الأجواء‭ ‬باردة‭ ‬والأمطار‭ ‬شبه‭ ‬مستمرة‭ ‬والضباب‭”.‬

وترتفع‭ ‬النماص‭ ‬نحو‭ ‬2800‭ ‬متر‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وتحجب‭ ‬الغيوم‭ ‬والضباب‭ ‬فيها‭ ‬الشمس‭ ‬معظم‭ ‬فترات‭ ‬النهار‭ ‬صيفا‭ ‬وكذلك‭ ‬رؤية‭ ‬قمم‭ ‬جبالها‭ ‬الخضراء‭. ‬ولا‭ ‬تتجاوز‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬30‭ ‬درجة‭ ‬خلال‭ ‬النهار‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬فيما‭ ‬تهبط‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬17‭ ‬درجة‭ ‬ليلا‭.‬‮ ‬

ومع‭ ‬تساقط‭ ‬الأمطار‭ ‬باستمرار،‭ ‬باتت‭ ‬الأشجار‭ ‬والنباتات‭ ‬تغطي‭ ‬أراضيها‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬غير‭ ‬مألوف‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬البلد‭ ‬الخليجي‭ ‬الصحراوي‭.‬

وتقصد‭ ‬الأسر‭ ‬السعودية‭ ‬المتنزهات‭ ‬ومعها‭ ‬أطعمة‭ ‬وألعاب‭ ‬للصغار‭. ‬وفور‭ ‬بدء‭ ‬المطر،‭ ‬تخرج‭ ‬الأمهات‭ ‬المظلات‭ ‬الملوّنة‭ ‬وسترات‭ ‬بلاستيكية‭ ‬لمنع‭ ‬تبلّل‭ ‬الأطفال‭.‬وتقول‭ ‬السعودية‭ ‬المنتقبة‭ ‬نوف‭ ‬ضاحكة‭ ‬وهي‭ ‬تحكم‭ ‬إغلاق‭ ‬سترة‭ ‬طفلتها‭ “‬قبل‭ ‬القدوم‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬نعدّ‭ ‬كافة‭ ‬أدوات‭ ‬الشتاء‭” ‬في‭ ‬عزّ‭ ‬فصل‭ ‬آب‭.‬

‭ ‬ممشى‭ ‬الضباب‭ ‬

وشيدت‭ ‬السلطات‮ ‬‭”‬ممشى‭ ‬الضباب‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬طريق‭ ‬للمشاة‭ ‬والدراجات‭ ‬فوق‭ ‬قمة‭ ‬مرتفعة‭ ‬يمكن‭ ‬منه‭ ‬رؤية‭ ‬الضباب‭ ‬الكثيف‭ ‬والمناظر‭ ‬الجبلية‭ ‬الجميلة‭.‬

وخصصت‭ ‬عربات‭ ‬طعام‭ ‬متنقلة‭ ‬تبيع‭ ‬مشروبات‭ ‬وأطعمة‭ ‬ساخنة‭ ‬لرّواد‭ ‬معظمهم‭ ‬يرتدون‭ ‬معاطف‭ ‬وسترات‭ ‬ثقيلة،‭ ‬فيما‭ ‬تصدح‭ ‬الأغاني‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬الأرجاء‭.‬ويقول‭ ‬الموظف‭ ‬خلف‭ ‬الجهيري‭ (‬33‭ ‬عاما‭) ‬إنه‭ ‬أتى‭ ‬الى‭ ‬المكان‭ ‬برفقة‭ ‬زوجته‭ ‬وأسرته‭ ‬من‭ ‬تبوك‭ (‬شمال‭) ‬للاستمتاع‭ “‬بالأجواء‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬الصيف‭”.‬

ويتابع‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ارتدى‭ ‬كنزة‭ ‬خضراء‭ ‬وغطى‭ ‬رأسه‭ ‬لتفادي‭ ‬قطرات‭ ‬المطر‭ “‬نفتقد‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬في‭ ‬مدينتنا‭ ‬حيث‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحرارة‭ ‬40‭ ‬درجة‭ ‬يوميا‭ ‬بالصيف‭”.‬

وتسجل‭ ‬المدن‭ ‬السعودية‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬مرتفعة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭.‬

في‭ ‬2020،‭ ‬كشفت‭ ‬دراسة‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ “‬ساينس‭ ‬ادفينسز‭” ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬تسجّل‭ ‬أكثر‭ ‬الأجواء‭ ‬حرارة‭ ‬ورطوبة‭ ‬مقارنة‭ ‬بأي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭.‬

ويشير‭ ‬المسؤول‭ ‬في‭ ‬مركز‭ “‬وسم‭” ‬للأرصاد‭ ‬الجوية‭ ‬حسن‭ ‬عبدالله‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬اعتدال‭ ‬الطقس‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬السعودية‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ “‬الرياح‭ ‬الموسمية‭ ‬العالية‭ ‬الرطوبة‭”.‬

ويضيف‭ “‬المنطقة‭ ‬مرتفعة‭ ‬عن‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬بحدود‭ ‬2500‭ ‬الى‭ ‬3000‭ ‬متر،‭ ‬وتتعرض‭ ‬لرياح‭ ‬موسمية‭ ‬عالية‭ ‬الرطوبة‭ ‬محملة‭ ‬بالغيوم‭ ‬الركامية‭ ‬الرعدية‭ ‬والأمطار‭ ‬الغزيرة‭ ‬التي‭ ‬تبرّد‭ ‬الطقس‭”.‬

دعم‭ ‬السياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬

ومنذ‭ ‬تسلم‭ ‬الأمير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬منصب‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬في‭ ‬2017،‭ ‬تنكب‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬تنويع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬عبر‭ ‬دعم‭ ‬قطاعات‭ ‬الترفيه‭ ‬والرياضة‭ ‬والسياحة‭ ‬وغيرها،‭ ‬بهدف‭ ‬وقف‭ ‬الارتهان‭ ‬التاريخي‭ ‬للنفط‭.‬

وأطلقت‭ ‬المملكة‭ ‬برنامجا‭ ‬سياحيا‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ “‬روح‭ ‬السعودية‭” ‬يهدف‭ ‬لدفع‭ ‬مواطنيها‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬الترفيه‭ ‬في‭ ‬بلدهم‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬السفر‭ ‬الى‭ ‬الخارج‭.‬

وباتت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬‮ ‬الأسر‭ ‬السعودية‭ ‬تقضي‭ ‬إجازاتها‭ ‬الصيفية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬ارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬السفر‭ ‬الى‭ ‬الخارج،‭ ‬منفقة‭ ‬80‭ ‬مليار‭ ‬ريال‭ (‬21‭,‬3‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭) ‬على‭ ‬رحلات‭ ‬المبيت‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬2021،‭ ‬حسب‭ ‬أرقام‭ ‬وزارة‭ ‬السياحة،‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬قدرها‭ ‬30‭ ‬بالمئة‭ ‬مقارنة‭ ‬بعام‭ ‬2019‭.‬

ويقول‭ ‬محمد‭ ‬النهاري‭ ‬الذي‭ ‬ارتدى‭ ‬كنزة‭ ‬رمادية‭ ‬فوق‭ ‬ثوبه‭ ‬الأبيض إنّه‭ ‬قرر‭ ‬قضاء‭ ‬إجازة‭ ‬هذا‭ ‬الصيف‭ ‬في‭ “‬مدينة‭ ‬الضباب‭” ‬السعودية‭.‬

وتيابع‭ ‬الموظف‭ ‬الجامعي‭ ‬أنّ‭ “‬مرافق‭ ‬السياحة‭ ‬باتت‭ ‬مهيئة‭ ‬وتعطيني‭ ‬دافعا‭ ‬لعدم‭ ‬السفر‭ ‬للخارج‭ ‬وقضاء‭ ‬إجازتي‭ ‬داخل‭ ‬المملكة‭”.‬

ويتفق‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المتقاعد‭ ‬مشبب‭ ‬العمري‭ (‬57‭ ‬عاما‭) ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬إنّ‭ ‬المنطقة‭ ‬باتت‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ “‬المنافسة‭ ‬السياحية‭” ‬مقارنة‭ ‬بالأماكن‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقصدها‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬صيفا‭.‬

ويؤكّد‭ ‬أنّ‭ ‬السفر‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ “‬أفضل‭ ‬ماديا‭”.‬

ويقول‭ ‬عبدالله‭ ‬الشهري،‭ ‬مالك‭ ‬فندق‭ ‬الجهوة‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬62‭ ‬غرفة‭ ‬في‭ ‬النماص،‭ “‬الصيف‭ ‬هو‭ ‬ذروة‭ ‬الموسم‭ ‬السياحي‭ ‬من‭ ‬أيار‭/‬مايو‭ ‬إلى‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭”‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬بالتراجع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬

وبشبر‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬زوار‭ ‬المدينة‭ ‬تجتذبهم‭ ‬أنشطة‭ ‬تسلق‭ ‬الجبال‭ ‬وتفقد‭ ‬الغابات‭ ‬والقرى‭ ‬التراثية‭ ‬القديمة‭.‬

فوق‭ ‬تل‭ ‬عالٍ‭ ‬يعلو‭ ‬الضباب‭ ‬ويطل‭ ‬على‭ ‬واد‭ ‬أخضر،‭ ‬يجلس‭ ‬العمري‭ ‬أرضا‭ ‬على‭ ‬فرشة‭ ‬رفقة‭ ‬زوجته‭ ‬مستندين‭ ‬الى‭ ‬سيارته‭ ‬الأميركية‭ ‬الرباعية‭ ‬الدفع‭.‬

ويقول‭ “‬أنا‭ ‬هنا‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬وعندي‭ ‬استعداد‭ ‬أن‭ ‬أبقى‭ ‬أربعة‭ ‬أو‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭ ‬إذا‭ ‬بقي‭ ‬الجو‭ (‬البارد‭ ‬والممطر‭) ‬هكذا‭”.‬

مشاركة