مدن دخلت القلب والتاريخ من الباب الأوسع- مقالات – فوزي الاتروشي
كم من القصائد يمكن ان تكتب عن ( طوز خورماتو) و(أمرلي) البطلة ؟ وكم من القصص والروايات تكفي لشرح تفاصيل اليوميات البشعة الي مرت بها هذه البقعة الجريحة من وطننا الذي لا يكاد يجد متسعا لتنفس هواء طلق غير مسموم بمفخخات ارهاب استشرى الى حدوده القصوى .
الذي يمر (بطوز خورماتو) يتعجب من صمود وإرادة هذه البلدة التي افترسها ومزقها الارهاب حتى اصبحت العمليات الاجرامية جزءاً من الحياة.في يوم 14/10/2014 التقينا بوفد من فناني (طوز خورماتو) للحديث عن مشروعاتهم وتطلعاتهم في تنمية مشهد ثقافي مناهض للإرهاب، ولإبراز مأثرة صمود اهالي (امرلي) وانتصارهم في النهاية على الحصار وعلى الارهابين.
لقد تفطر قلبي الماً وانا اسمع لشكواهم من عدم وجود موارد مالية لتمويل فعاليات تجسد حجم المعناة وحجم التحدي الذي يبرزه اهالي المنطقة. ومن المؤكد ان هؤلاء الفنانين هم مقاتلون في الخطوط الامامية حالهم حال الجنود لانهم يوثقون للتاريخ والأجيال ما حدث فيها من تدمير وما انجزه وينجزه الاهالي للمقاومة والبقاء. سلمني احد اعضاء الوفد نشيدا حول (امرلي) وحدثني عن اليته لتنظيم معرض تشكيلي وتقديم مسرحية لإبقاء الضوء على مأثرة مازالت خافية على الكثيرين.واذا كان الجهد العسكري والامني المبذول مشكورا في كل الاحوال فأن الجهد الفني والادبي والثقافي يجب ان لا يتخلف، فالمعارك والمآسي والدموع والجراحات الغائرة والحصار والجوع والخوف والتهديد المستمر من الارهابيين والصمود والمقاومة كلها مادة دسمة وغزيرة للكتابة والارشفة والتوثيق وتحويلها الى اعمال فنية وادبية تؤرخ لمرحلة عصبية من حياة هذا الشعب.
(امرلي) لوحة فنية تنزف دماً واغنية تنشد الاغاثة وقصيدة عصماء توقظ فينا جميعاً مشاعر التضامن والتعاطف والاندماج في اجوائها، فهي ليست مجرد بقعة جغرافية وتضاريس جرداء، بل ذاكرة تاريخية وسجل للمقاومة وقصة حب طويلة وطويلة جداً فصولها من دم وجراح وأنين وتوق لحياة اجمل وغد آمِن، وان سكانها بكل تكويناتهم العرقية واقفون مثل غابة راسخة في الارض كمصد للرياح العاتية. والمطلوب منا جميعاً ان ننظر اليها بعينين مفتوحتين، انها ومعها (سنجار) و(زمار) و(كوباني) كلها اصبحت معالم وبؤر اشعاع ومصادر للخبر العاجل على مستوى الاعلام العالمي. وكل هذه المدن دخلت التاريخ من الباب الاوسع وسيكتب لها ذات يوم انها انتصرت على اقوى واعتى هجمة ارهابية، ومعها انتصرت الانسانية كلها على اعداء البشرية والحضارة.
بغداد
