مدراء المكاتب.. إعتدل أو إعتزل – جبار جودي
يشكل مدراء المكاتب، فجوة تفغر فاها، بين المواطن والمسؤول، في معظم دوائر الدولة.. يفتعلون الأسباب.. واهية.. لإحباط المواطن حائلين دون وضع حاجته بين يدي صاحب الأمر، بعد الله الذي أثاب من يجيب لهاث الملهوف. بداهةً.. لا بد من زج مدراء المكاتب في دورات أتكيت؛ كي يتعلموا اللياقة الإجتماعية ويتقنوا آليات الرحمة ويتمثلوا ميكانزمات الرأفة و… يلتزموا ما أوصت به تعاليم الرب وأصول العشائر، بشأن إجابة المستغيث… لكن ثمة أناس إنفلتوا من معتقدات الدين وعقال العشيرة ومنطق المجتمع الذي يوصي بالتكافل وعدم التردد في خدمة المحتاج.. هؤلاء المنفلتون قيمياً، يشغلون مواقع أكبر منهم؛ لأنها تتطلب مواصفات أما لم يستوفوها، أو إخترقوها عمداً، في نوع من ساديةِ التلذذ بتعذيب الآخرين، ناسين أو متناسين حديث الرسول.. صلى الله عليه وآله «إبتسامتك بوجه أخيك صدقة» وهي صدقة تقرب المرء من سراط الجنة في الآخرة، ولا تكلفه مالاً أو جهداً في الدنيا…
آليات تجاهل المراجعين بغلق الأبواب «مو يمنا» داغماً ذاته بذات المدير.. تماهياً، بطريقة طاردة للمراجع.. حتى من دون قراءة المعاملة التي بين يديه، يمد المراجع يداً ولا يمد مدير المكتب يده لتسلمها:
– قلنا (وليس قلت أنا) مو يمنا!
من لا يطيل خلقاً في محاورة الناس، عليه ألا يشغل وظيفة تتطلب إحتكاكاً بالآخرين؛ عامداً جلد المواطن بعدم قراءة المعاملة، وتركه يدور في حلقة مفرغة، بين مكاتب يلقي عليها السلام ولا ترده، وعندما يعرض حاجته، يتكرمون عليه بجملة غير مفهومة، متكلمين من نصف منخر في أنوفهم؛ فيستفهم المواطن، ليجيبوه:
– ضيعت وقتنا.. معاملتك مو يمنا.
تمدد هؤلاء المدراء.. مدراء مكاتب المسؤولين، مؤمنين بأنهم باقون، وأن كرسي الحلاق لزبون واحد طوال العمر، لكنهم من طرف خفي (يَهْمِشون) كومشنات – نسب من أية صفقة يمررونها أو مشروع يقره سيدهم المسؤول الذي تنتصب سطوتهم عند باب صالته، والبعض جعل رئيسه يرسف أسيراً في أغلال مدير مكتبه الذي أغراه بفساد مالي أو نسائي وإحتفظ بالفيديو.
وبهذا فهم يتمددون مضيقين مساحة نفوذ المسؤول.. رهن إرادتهم، حيث قيل لأحدهم:
– لماذا تدافع عن مدير مكتبك باطلاً؟
أجاب:
– مصورني ومسجل مكالماتي.
من يبلغ مستوى مسؤوليةِ إدارةِ مفصلٍ مهمٍ من صيرورة الدولة، هل يحتاج التذكير بوصية الرسول «إذا إبتليتم فإستتروا» والتحذيرين الرائعين «إياكم والدغل» و»إياكم وغائلة الأعين» مستخلصين من ثلاثة أحاديث نبوية شريفة، ألا يضع المسؤول عنقه بين فكي كماشة، ولا لحيته بيد أحد ولا… وأن يميل جانبه للفقير ويطمئن الخائف والشريد المسغوب الذي ينوء بعيِّ وجوع وتعب… فالمكلف بخدمة عامة يجب أن يرد التحية للجميع ويصغي للكل ويلبي مراد السائلين أصولياً، ويعتذر بلياقة تسعد طالب الحاجة، وتعوضه عما لم يجد سبيلاً قانونياً إليه.
وهذا يتطلب إمتثالاً لحكمة الإمام علي.. عليه السلام، مخاطباً أحد ولاته على الأمصار «كثر شاكوك وقل شاكروك؛ فأما إعتدلت أو إعتزلت».