فيلم كود كيل وصراع مابعد الصدمة
مخرج سينمائي يربط أعماله بموضوعات تقلق الإنسان – نصوص – نزارشهيد الفدعم
يبدو ان المخرج النيوزيلاندي اندرو نيكول قد اختار من بداياته السينمائية الاولى ان ترتبط افلامه بموضوعات كبرى تقلق الانسان وتضع خياراته ومبادءه على المحك فقدم افلاماً مثل جاتك عام 1997 و فيلم لولرد اوف وير عام 2005 كمخرج ومؤلف وفيلم (هارد لوكر ) عن غزو العراق كمنتج واليوم يعود مع ممثله الاثير والذي ارتبط به منذ بداياته السينمائية “إيثان هوك” ليقدما لنا فيلماً متفرداً بموضوعة حبكته حمل عنوان Good Kill) ) دراما عسكرية عن وحدة تعبث حياة الناس عن بعد من خلال ازرار الكترونية وعبر طائرات بدون طيار تنقض على الحياة وتحيلها الى دمار .
(توم ايغون) رائد طيار يتم تحويله للعمل في وحدة قتالية تمارس دورها برصد العدو وتدميره من خلال كرفانات مغلقة بصحراء نيفادا حيث تتحكم هذه الوحدة بطائرات تطير على بعد الاف الكليومترات تراقب الارض وترصد اعداء امريكا حتى تقضي عليهم متى حانت ساعة الصفرمثلما كانوا يقولون لهم !.
شخصيات الفيلم محدودة (ايغون ) وزوجته وزملائه الثلاثة في الفيلم الذين يمارسون معه المهمة لكن المخرج جعلنا نعيش هموم العالم وخطورة مثل هذه المهمات على العالم اذا خرجت عن نطاقها الحقيقي في محاربة الارهاب وتدميره …ثمة قتل يتم بالمجان دفاعا” عن امريكا مثلما يقول الكولونيل الذي يجلس في غرفة التوجيه حتى يبرر قتل عشرات المدانيين ويعتبرهم اضرار جانبية. لما يجب ان يكون الوازع الاخلاقي والانساني عند (ايغون) وزميلته يجعلهم في احيان كثيرة يحملون معهم اسئلتهم حول جدوى مثل هذه العمليات واهدافها ؟ خصوصا عندما تتدخل المخابرات الامريكية وتعطي الاوامر مباشرة من مركز (لانغلي) بتنفيذ الاوامر بدم بارد وبدون مرعاة بالبشرالذين يحيطون بالهدف فيتم حرق الاخضر بسعر اليابس مثلما يقولون …يتم ضرب هدف بصواريخ عن بعد وعندما يتجمعوا الافغان لانتشال الناجين يتم ضربهم بصاروخ ثاني هذا الامر يتكرر اكثر من مرة مما يدفع الافغانيين من التريث من مد يد المساعدة عند حدوث انفجارلجمع اشلاء القتلى …التحديات النفسية والاخلاقية التي تواجه ايغون خصوصا وهو يعاني من ظرف مابعد الصدمة تجعل منه نهبا ” لوساوس وافكار تكاد تدمر حياته المهنية والزوجية ..التلصص على حياة ناس لايعرفهم ولايعرفونه يسلبهم حياتهم ويمنحهم الحياة بضغطة زر عن بعد يجعله ينحاز للانسانية المتغللة بقلبه فلا يذعن للاوامر ويحاول ان ينقذ مايمكن ان ينقذه حتى لو اضطر ذلك التضحية بمسيرته المهنية وبنفس الوقت يحقق تعاطفه مع تلك المرأة التي تتعرض للاغتصاب من مسلح افغاني كلما زارها نتائجه فيقرر ان يتخلص منه في النهاية مستغلا خروج زملائه من مقصورة القيادة وبقائه وحيدا” فيطلق عليه صاروخا” ويقضي عليه رغم ان هذا مخالف لااوامر العسكرية التي تحدد استخدام الطائرات بالاهداف التي تحددها القيادة لينتصر لاانسانية هذه المرأة التي لاحول لها ولاقوة وهي تواجه جبروت رجل غاصب لايتوانى عن ضربها والاعتداء عليها كل مرة بحوش الدار المكشوف .(الفيلم يقول لنا ايضا ” انكم مكشوفين اينما كنتم واينما حللتما وليس لكم مفر منا؟).
منذ المشاهد الاولى يضعنا المخرج مع ايغون وجها لوجه وهو يعيش حالة نفسية متأزمة نتيجة سقوط طائرته وتحويله لمهمة اخرى تنحصربتشغيل الطائرات الامريكية التي توجه عن بعد هو يعاني من ظرف مابعد الصدمة كوابيس ، توهان سرحان ، ميل للوحدة ..تناول الكحول حد السكر ومما يضاعف ازمته عندما يجد نفسه امام الشعور الذي يجعله عاجز عندما يشعر انه مع كل يوم يستمر بعمله به أنه جبان يقول (أشعر كل يوم أنني جبان).
هذا الشعور بالخيبة والخذلان والمرارة يتعاظم بداخله فيسبب له ازمات زوجية واجتماعية لكنه لم ينس انسانيته ويتحدى الاوامر التي حاولت ان تجرده من مبادئه وقيمه ويتمرد عليها بطريقة فنية واحترافية من تنفيذ ضربة صاروخية من طائرة بدون طيار لهدف اصبح وسط ناس ابرياء سوف يكونوا ضمن المساحة المعرضة للدمار رغم علم القيادة العليا لكنها تعتبرهم ضحايا جانبية ! مما يعرضه لمسألة عسكرية من قبل قائده الاعلى …(ايغون ) يقع ضحية ازمة اخلاقية حول فعالية الحروب التي تخوضها امريكا خارج حدودها والمنطق الذي تبرر به الدمار الذي تزرعه في العالم مما يؤثر على علاقته الاجتماعية داخل البيت ومع الاصدقاء المحيطين به على محدوديتهم لكنهم مؤثرين بمنح شخصية (ايغون ) ابعادها العميقة وتاثيرها على مسرح الاحداث …الشخصية تسيطر على معظم زمن الفيلم من حيث التواجد والحضور وحتى علاقته بزوجته واسرته هي لتوضيح ماتعاني الشخصية الرئيسة من ازمات وتحديات …لكن المخرج ومنذ اللقطات الاولى واحجامها القريبة جعلنا نعيش في روح الشخصية وافكارها وترقبها وبنفس الوقت ابتعد عن السرد الحكائي ومنح الفيلم مساحة تشويق وتأثير عندما ربط احداث تدور على بعد الاف الكليومترات في افغانستان باخرين يعيشون بكرفانات مبردة بصحراء نيفادا ويتحكموا بمصيرهم …لكنه صنع خيوط درامية بسيطة تسللت الى قلب الاحداث واستطاعت ان تؤثر وتقلب الموازين (حدث مراقبة الاعتداء على المرأة الافغانية من قبل مسلح افغاني تكرر اكثر من مرة ) وكاميرات المراقبة المرتبطة باقمار صناعية تمكنت ان تنقل لنا الحياة في قرى افغانية بدائية من خلال تقديم جانب من الحياة اليومية وبااوقات مختلفة سوف يكون لها تاثير على الجالسين في كبينة التوجيه والقيادة فيما بعد عندما تتعاطف الضابطة السمراء معه ومع الابرياء الافغان ضحايا حروب ليس لهم بها ناقة ولاجمل .
فيلم فيه اللقطات مدروسة ومواقع التصوير محددة وغير مفتعلة لاغرض الاستعراض وحركة الكاميرا مرسومة وهادئة رغم الكابة والسوداوية التي تطغي علي مساحات كبيرة من اداء الشخصية الرئيسية لكن الوان الفيلم مبهجة وكأن المخرج يقول لنا الحياة جميلة وتستحق العيش وثمة فسحة من الامل في الخارج لذلك جاءت المشاهد الخارجية محاولة لتنفيس ولتغيير بعكس المشاهد الداخلية التي كانت فيها الشخصيات خصوصا شخصية( ايغون ) تتعرض فيها لضغوط العمل والاوامر العسكرية فتعمق ازمتها وتصعدها ….شريط الصوت الموسيقى والحوار معبر ومقتصد خصوصا” والمخرج يتعامل مع ممثل رئيسي (ايثون هواك) سبق له وان عملا سوية قبل ذلك ومع ممثلين اخرين محترفين كان اداؤهم عالي المستوى ويملك مساحة كبيرة من الاقناع في المشهد السينمائي والقطات منهم (بروس غرينوود، جاك ابيل، و زوي كرافيتز). …المؤلف اندروا نيكول هو مخرج الفيلم وقد سبق ان اخرج خمسة افلام روائية منها (ذ هاوس وان تايم ولورد اوف) ومابين التاليف والسيناريو والحوار انجز ثمــانية افلام أخرى لهوليود.