مخاطر الأزمة الإجتماعية
عماد علو
تعتبر الازمة ( Crisis) التي يمر بها المجتمع العراقي اليوم من أخطر الازمات الاجتماعية التي مرت على العراق ، وذلك لانعكاساتها السلبية على النسيج الاجتماعي العراقي ووحدة ترابه الوطني . لذلك فان التصدي لتفكيك عناصرها ومبررات استمرارها بات هدفا” ضروريا” ملحا” يتطلع اليه كل عراقي محب ومخلص لوطنه . ولما كان عالم الأزمات عالم حي ومتفاعل، عالم له أطواره، وله خصائصه، وأسبابه، تتأثر به الدولة أو المجتمع فيتأثر به أصغر كائن موجود فيه فان معالجته والتعامل معه يتطلب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب للوصول الى نهايات مرضية لجميع الاطراف ، لجهة مواجهتها والتعامل معها بشكل فعال يؤدي إلى الحد من النتائج السلبية لها، والاستفادة إن أمكن من نتائجها الإيجابية.
ملامح الأزمة الراهنة
وحيث أن بعض الباحثين من عرف الأزمة بالمفهوم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي حيث أشار إلى ذلك بقوله: يقصد بالأزمة من الناحية الاجتماعية: ” توقف الأحداث المنظمة والمتوقعة واضطراب العادات مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن، ولتكوين عادات جديدة أكثر ملائمة”( عليوة، السيد: ” إدارة الأزمات والكوارث: مخاطر العولمة والإرهاب الدولي”، ط2، القاهرة، دار الأمين للنشر والتوزيع ، 2002م، ص13) ويعرف قاموس رندام الأزمة بأنها:” ظرف انتقالي يتسم بعدم التوازن ويمثل نقطة تحول تحدد في ضوئها أحداث المستقبل التي تؤدي إلى تغيير كبير”( Random .h.(1969) .Random House Dictionary Of English Language, New York, Random House, P.491.) لذلك فالأزمة الاجتماعية التي يمر بها المجتمع العراقي اليوم هي حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قراراً ينتج عنه مواقف جديدة سلبية كانت أو إيجابية تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة مما يقتضي ضرورة المبادرة بحلها قبل تفاقم عواقبها . إذ ان الخلل الاجتماعي الذي سببته سياسات النظام السابق أتاحت فرصة كبيرة لإدارة الاحتلال الامريكي منذ 2003 ، في التأسيس للمحاصصة الطائفية للتشجيع على تصعيد الاحتقان الطائفي داخل بنية المجتمع العراقي بعد الاحتلال في حالة من الانفلات الأمني والركود الاقتصادي وتفشي البطالة الأمر الذي صعب على المجتمع العراقي تركيز جهوده في التعامل مع واقعتي سقوط نظام صدام والاحتلال ، إذ استحوذ التدهور الأمني على جانب كبير من اهتمامات المواطنين العراقيين ، واختلط تقييم التطورات السياسية والاجتماعية الجارية في العراق بتقييم الوضع الأمني فيه ، الأمر الذي منع تبلور رؤى سياسية محددة إزاء التطورات في العراق ، مما أدى إلى الانزلاق شيئا فشيئا إلى أزمة اجتماعية مزمنة تصاعد اوارها وتفاقمت وتجلت مظاهرها بالعنف الطائفي وكادت تؤدي بالعراق إلى الانزلاق إلى أتون حرب أهلية لا تحمد عواقبها.
وقد أدى ظهور الكم الهائل من الأحزاب والقوى السياسية على ساحة العمل السياسي بعد الاحتلال الى حالة من الصراع السياسي وصل إلى درجة استخدام العنف والتصفيات الجسدية بين تلك القوى والأحزاب في مسعاها من اجل تثبيت موقعها ضمن العملية السياسية التي جرت بعد انسحاب الاحتلال ، الأمر الذي ألقى بظلاله على البنية والنسيج الاجتماعي تمظهر بمحاولات تمرد وتظاهر وتذمر اجتماعي واضح ما بات يعتبر أزمة اجتماعية تتطلب دراستها والتصدي لحلها وتفكيك مبررات استمرارها .
عناصر الأزمة الراهنة
ومن خلال نظرة موضوعية محايدة الى العناصر التي تشكل ملامح الازمة الاجتماعية نجدها تتألف مما يأتي:
-وجود خلل وتوتر في العلاقات بين المكونات المجتمعية.
-ضعف القرار المركزي المطلوب لقيادة المجتمع في مثل هذه الظروف الاستثنائية .
-تسارع المتغيرات والاحداث نتيجة تأثيرات داخلية وخارجية.
-تعتبر الازمة المجتمعية الراهنة نقطة تحول قد تكون إلى الأفضل أو الأسوأ حسب اسلوب معالجتها.
-الزمن يمثل قيمة حاسمة في معالجة وحل الازمة الاجتماعية .
ان ما يحدث اليوم في مجتمعنا من أزمة واضحة المعالم ما هي الا تعبير عن تصادم إرادات وقوى سياسية محضة ودينية ــــ سياسية بهدف تحطيم بعضها البعض كلياً أو جزئياً على ما يبدو بهدف السيطرة والوصول الى السلطة والحكم ، وهذا الامر انعكس بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية .
خصائص الازمة الاجتماعية
ان الموقف الاجتماعي الذي انتج الازمة الاجتماعية الراهنة يتسم بالخصائص التالية:
-تصاعد حالة النزوع إلى الفعل ورد الفعل لمواجهة الظروف الاجتماعية الطارئة .
-الشعور المجتمعي بالشك في القرارات المطروحة لمعالجة الازمة المجتمعية .
-الصعوبة البالغة أمام صانعي القرار والقيادات في التحكم بالأحداث.
-ضغط الوقت والحاجة إلى اتخاذ قرارات صائبة وسريعة لمعالجة العوامل التي سببت الازمة المجتمعية.
-التداخل والتعدد في الأسباب والعوامل الداخلية مع الاجندات والمصالح الخارجية التي فعلت وصعّدت من حدة الازمة الاجتماعية.
-سيادة حالة من الخوف والهلع الاجتماعي قد تصل إلى حد الرعب من عودة الاوضاع الاجتماعية الى ما كانت عليه في 2005 و2006 .
-الخطورة الكبيرة للازمة الراهنة باعتبارها التهديد الشديد للمصالح والأهداف، تهدد بانهيار كيان الدولة ووحدة ترابها الوطن.
السبيل للخروج من الازمة
ولما كان العراق بلد ذو تنوع عرقي وديني وثقافي ، الامر الذي يتطلب معه تقبل الرأي الآخر على أسس المواطنة والتعايش السلمي وقبول الآخر، وحل الاختلافات بالحوار والتفاهم بعيدا عن العنف ,تعزيزا” للسلم الاهلي والحفاظ على النسيج الاجتماعي العراقي ، ذلك أن العنف ليس سوى وسيلة للصراع والاحتراب ضد الآخر، بسبب فقدان الثقة بين أبناء البلد الواحد ، مما يهدد التعايش والسلم الاهليين وبالتالي وحدة النسيج الاجتماعي العراقي التي تشكل شرطا” موضوعيا” من شروط بناء الدولة المدنية ومؤسساتها الدستورية والديمقراطية .
ان تأمين وتحقيق العدالة في كل ناحية من نواحي الحياة ، سيعزز الثقة بين مكونات المجتمع العراقي وأطيافه المتنوعة التي تعتبر من مستلزمات حل الازمة والحد من تفاقمها أو تطورها باتجاه سلبي ، من خلال تحقيق قدر من التماسك الشعبي والوحدة الوطنية المستندة في اساسها الى قيم المحبة والوئام والتسامح والتعاضد مما سيعزز السلم والتعايش الاهليين بين مكونات المجتمع العراقي .
الخاتمة
استنادا” لما سبق وعلى ضوء التداعيات الناجمة عن الازمة المجتمعية الراهنة يتجلى لنا حقيقة أن التهديد الاول للسلم الاهلي ينبثق من شكل النظام السياسي القائم على أساس التقسيم الطائفي والعرقي كونه اسس لهويات طائفية ومذهبية وعرقية ومناطقية على حساب الهوية الوطنية العراقية . مما افقد النظام السياسي العراقي امكانية بناء والحفاظ على أهم مقومات السلم الاهلي وهي ترسيخ سلطة القانون والنظام على اساس مواد وفقرات الدستور العراقي لسنة 2005 ، مما عزز من شعور المواطن العراقي بحالة من عدم الاستقرار والطمأنينة على المستوى الاجتماعي وعليه فان الاستنتاج المنطقي الذي يحضر بقوة أمامنا ولا نجد مفرا” من التوصل اليه هو أن الازمة المجتمعية اليوم ، ستبقى وستستمر على الاقل في المستقبل المنظور طالما لم تتغير أسبابها وعناصرها ورموزها. الامر الذي ستكون له تداعيات اكثر خطورة على السلم الاهلي العراقي ، خصوصا” اذا ما انهارت ستراتيجية التوافق والشراكة التي تقوم عليها العملية السياسية اليوم فان الاهداف الستراتيجية التي من ورائها جاءت امريكا للعراق بإدخاله مرحلة التقسيم والتشظي الى كانتونات هزيلة وضعيفة .