مجلة تشكيل وباليت نموذج

تطور الشكل الفني لمجلات الفنون العراقية

مجلة تشكيل وباليت نموذج

مؤيد داود البصام

عمان

بعد ثور الفنيات العلمية والتكنولوجية في منتصف خمسينيات القرن الماضي، صاحبها نمو التخصص في مجالات المعرفة والعلوم والفنون كافة، ما أدى إلى خلق عالم معرفي متخصص في أغلب البرامج التي يقدمها، بل أصبح تخصص التخصص، إي انقسام المادة الواحدة إلى  أقسام وأجزاء عدة والتخصص في جزء، ومن ضمن هذه التخصصات كان للمجلات والصحف نصيب كبير إذ أخذت تنحو نحو العالم التخصصي بعد  أن كانت المواضيع فيها مختلفة أو ما يشبه الكشكول، وأن ظل هذا الشكل قائما حتى الآن، ولكن تقلص حجم المجلات الشاملة والمتعددة المواضيع وحل محلها مجلات التخصص، وهو ما أدى بشكل وآخر إلى ظهور جيل من المصممين أبدعوا في تقديم المادة، وأخضعوا ابتكاراتهم إلى خلق صيغ فنية لجلب المتلقي وإثارة دهشته وإغرائه.

ولهذه المجلات الفنية إشكال في كل حقل من الحقول لها تصميم وأبعاد اختصاصه وشكل صفحاته، وللمجلات الفنية صيغة قد تتوافق مع الكثير من تصاميم المجلات في حقول أخرى إلا إن لها خصوصية التقديم في صياغة المادة الفنية، وكيف ممكن للمصمم أن يتغلب على قوة الإبداع بإبداع يصل إليه أو يوازيه، وقي مجال التشكيل ظهرت لدينا في العراق مجلات للفن التشكيلي، ولكنها لم تكن متخصصة بالمعنى الحقيقي في أظهار الفن التشكيلي، إنما كانت خليط من الكتابة في فنون مرئية وسمعية عدة إلى جانب التشكيلية، وظهرت مجلة متخصصة في الفنون التشكيلية في المنطقة الشمالية من العراق ( كردستان العراق )  ولكنها لم تأخذ دورها في عموم العراق بسبب كونها كانت تصدر باللغة الكردية فقط، على الرغم من إنها غطت مواضيع مهمة وبالذات الدراسات الفنية المقارنة ما بين الفنانين العراقيين الكرد والفن العالمي، واحتوت على الكثير من إعدادها على دراسات مهمة لتجارب  فنانين عالميين، كان لهم تأثيرا كبيرا على الحركة الفنية العالمية، ونقلت تجاربهم، ثم أصدرت دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة العراقية مجلة تشكيل، ولم تحظ البدايات بالتصميم المتميز الذي يضاهي المجلات المتخصصة في الفن التشكيلي عالميا، ولكنها كانت مجلة مهمة على الصعيد المحلي والعربي، لأنها صدرت لأول مرة وقدمت نفسها كمجلة متخصصة في  الفن التشكيلي، فيها من الدراسات لكبار نقاد الفن في العراق، واستمرت في التداول بنفس القدرات ولم تتقدم في تصميمها الذي ظل متقارباً ولم يحدث فيها تلك الطفرات التصميمية، إنما شكلت قوة دفع للحركة التشكيلة العراقية، وإذا أخذنا الظروف عامة، فإنها بما كانت عليه تعتبر انجازا رائعا، على الرغم من كونها تمتلك دعم مؤسسة دولة، وبعد أن حققت نجاحا فكريا كمجلة متخصصة في الفن التشكيلي الذي كان يفتقد له الشارع الثقافي العراقي، ومواكبة الحوادث التشكيلية، ونشرها دراسات مع صورها الملونة، وهو ما يحتاجه المقال أو الدراسة التشكيلية، ولكن ظل الأسلوب القريب من التقليدية في التصميم من دون إن يحدث الصدمة التي كان يجب إن تقدمه بعد الإعداد الأولى، وقد يكون النجاح الذي حققته في الساحة العراقية والعربية العطشى لمثل هذه المجلات أحد الأسباب، ولكن بعد الإعداد من العاشر فما فوق، بدأت مجلة تشكيل بالظهور بحلة جديدة مخترقة أفقها السابق في طرح تصاميم جديدة للدراسات الفنية، تستوعب ما فيها من مادة، وواكب هذا استمرار صدور مجلة باليت التي سنأتي على ذكرها كمجلة متخصصة أيضا بالفن التشكيلي بكل أنساقه، وأعتبر العدد الحادي عشر والثاني عشر ومن ثم الثالث عشر، طفرة نوعية في تصميم مجلة  تشكيل للفنون التشكيلية.

الفروق الفنية

عندما نتحدث عن مجلة متخصصة في الفن التشكيلي، نحن لا نتحدث بالتأكيد عن القيمة الإبداعية التي تحملها الموضوعات التي تنشرها، فهذه ميزة ثانية ولها موضوع أخر يؤشر على اهتمام أية مجلة تريد الانتشار والظهور وترسيخ قدمها إمام المتلقين ولاسيما الاختصاص، فعندما تحمل صفحاتها أسماء مهمة من  كتاب الدراسات الفنية والدراسات النقدية، هو ما يجر المتلقي المختص والعام للاطلاع على  أهم آراء الباحثين الذين تشكل أسمائهم نقطة تحسب للمجلة وكيفية جرهم للكتابة فيها لأهميتها ومكانتها العلمية والثقافية، وهو ما استطاعت إن تحققه مجلة تشكيل منذ الإعداد الأولى، ولكننا هنا نتحدث عن التقنية في الإظهار أو فنية تقديم الدراسة أو المقال بتصميم يعبر عما جاء في الكتابة نصا، من خلال التعبير صوريا، كيف يمكن لقارئ أن يستوعب قراءة لوحة لفنان، يتحدث عنها الناقد بإسهاب صفحتين أو ثلاث، وإمامه صورة للعمل المكتوب عنه تمثل واحد إلى ستة أو ثمانية من حجم الصفحة، هذه مشكلة بحد ذاتها تجعل المتلقي غير المتخصص ينفر من متابعة شيء ناقص في تقديم متطلبات الدراسة أو المقال، إضافة لما للرؤية البصرية من أهمية في عصرنا الحاضر، الذي باتت البصريات تملا ساحة النظر أينما اتجه، وهو ما يجعلنا نقول كيف يمكنك أن تحقق الفعل الذي يتحدث عنه الناقد لترسخ المعلومة ما بين العقل والنظر، وهذا ما تحقق في الإعداد التي ذكرناها، فقد استطاع المصمم من أحداث علاقة حميمية بين النص والصورة وذلك بإتباع الوضوح وإعطائها المساحة التي تكشف عن محتوياتها، أنه هنا لا يقدم إعلانا بتسويق شيء، ويتطلب منه ذلك أن يقدم ويؤخر ويقطع وينصف أو يضع جزءاً للتشويق، هنا من اهتمامات المصمم أن يكشف لنا إبعاد العمل الفني ككل بمجمله وليس باجزائه إلا إذا اقتضى الأمر التقطيع للإيضاح، لقد أستطاع المصمم في هذه الإعداد أن يقدم إعمالا مباشرة تصدم عين المتلقي لتوضيح أبعاد المقال أو الدراسة وفك شفرات ما يتحدث عنه الكاتب بصياغة النص والصورة، إي ( يعالج النصف الأيمن من الدماغ المعلومات بطريقة بديهية وفورية ناظراً أولاً إلى الصورة ككل ثم إلى التفاصيل لذا فهو يترجم المرئيات ويكون مسؤولأ عن التخيل والتصور والفنون والاستدلال والحدس والإبداع بعكس الجانب الأيسر الذي يكون مسؤولأ عن المهارات اللغوية والرياضيات الخطية والتسلسل والتفسير المنطقي ( . وبهذا يحقق المصمم المشتركات المتساوية بين الجزء الأيمن والأيسر من الدماغ.، أن روحية المصمم تتجسد في كيفية تقديم المادة، ونحن إمامنا مجلة متخصصة، تظهر بصورة منتظمة شهريا أو فصليا، أذن من متطلبات التصميم التنوع حتى لا يقع في التكرار والإعادة، والاهم التشويق وإعطاء الرؤية البصرية المتعة، وهو ما قدمه المصمم، وهو ما جعل مجلة تشكيل تقدم نفسها كمجلة متخصصة  ذات أبعاد فنية وتصميمية تتماشى مع الجهد النظري لمن يكتب فيها من دراسات لأهم النقاد في العراق والوطن العربي.

بين مجلة تشكيل وباليت

ظهور مجلة تشكيل وما لاقته من نجاح، جعل ظهور مجلة باليت مفاجأة أخرى تؤشر على مدى الاهتمام بالفن التشكيلي في الساحة الثقافية العراقية، إن كان جماهيريا أو من التراكم الكمي للخريجين الذين شكلوا جمهورا واسعا للحركة التشكيلية، أن كانوا ما يزالون يمارسون  حقلهم واختصاصهم، أو اتجهوا وظائفيا وحياتيا بعيدا عن ممارسة اختصاصهم ودراستهم، ولكنهم يصبون  في نفس المنبع، وهو ما شكل ظاهرة صدور مجلتين في نفس حقل الاختصاص، بعد أن كنا نفتقد للواحدة، وهو السبب الذي يجعلنا نناقش نقاط  الفروق والالتقاء ما بين مجلة تشكيل ومجلة باليت، بعد أن بينا ماهية مجلة تشكيل، والتطور الحاصل في شكل تصميمها الداخلي وكذلك الغلاف في المراحل الأخيرة، وأهميتها الثقافية والفنية، يتوجب النظر إلى مجلة باليت التي ظهرت حديثا في تاريخ الحركة الفنية التشكيلية العراقية، وبدءا علينا أن تؤشر على أن هناك فارقاً كبيراً بين مجلة تشكيل ومجلة باليت يتضح لنا، على الرغم من كونهما تأخذان نفس الموضوع، وما تشكلانه من أهمية في الشارع الثقافي والفني في العراق، فان مجلة تشكيل مجلة متخصصة رصينة في كتاباتها، تستلهم قوة وجودها من قوة الفنان العراقي وقدراته في التطور والاستمرار في وجود صورته في مجمل البناء التشكيلي العالمي، وكذلك من خلال المادة بأسماء كتابها وأهميتهم، وهي تقدمه من خلال الدراسات النقدية الجادة والدسمة، بينما تأخذ مجلة باليت دور الوسيط بين الفنان والجمهور عامة، فهي جماهيرية أكثر من مجلة تشكيل، لأنها خفيفة المادة  فيما يكتب عن الفن والفنانين ومعارضهم، وتنشر الأخبار الفنية الآنية، وما يستجد على الساحة التشكيلية، وتتابع الخبر والحدث الآني مما يجعلها من المجلات المهمة لربط العلاقة التي اهتزت على مدار الخمسين سنة الماضية بين الجمهور والفنان، ففيها الإخبار والمقتطفات والمقالات مختصرة وقصيرة ومكثفة، لا تتعب القارئ غير المتخصص بأخذ مساحة كبيرة من وقته، وتمده بالمعلومة بنفس الوقت، كما أنها زاخرة بالصور، وهو ما يجعلها مجلة تشويق، وهذا هو مكمن أهمية المجلتين التي تكمل أحداها والأخرى، كل في مجاله لتقديم مادة تضع مبادرة إعادة الثقة بين الجمهور والفنان التي حاولت ما بعد الحداثة الرأسمالية من أحداثها، وجعل العلاقة علاقة سوق وتجارة، وبداية انحسار ما بين الفنان والجمهور.