متظاهرون للإيجار – علي السوداني

مكاتيب عراقية

يعيش‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬أطوار‭ ‬التحول‭ ‬والتبدل‭ ‬،‭ ‬نحو‭ ‬المادي‭ ‬الصرف‭ ‬اليابس‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الروحي‭ ‬النقي‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الأرض‭ ‬أقلّ‭ ‬توحشاً‭ ‬ولعنة‭ . ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المشاهد‭ ‬ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يبيح‭ ‬الكذب‭ ‬والسمسرة‭ ‬تحت‭ ‬باب‭ ‬التكتيك‭ ‬أو‭ ‬التقية‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬يمارسها‭ ‬الجميع‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬مذهب‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬دين‭ .‬

يزور‭ ‬رئيس‭ ‬دولةٍ‭ ‬دولةً‭ ‬،‭ ‬فتقوم‭ ‬ثالثة‭ ‬باستئجار‭ ‬مئات‭ ‬المواطنين‭ ‬الأصليين‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يخرجوا‭ ‬الى‭ ‬مقر‭ ‬إقامة‭ ‬المسؤول‭ ‬الزائر‭ ‬،‭ ‬ويرفعون‭ ‬أمامه‭ ‬لافتات‭ ‬مسيئة‭ ‬ويطلقون‭ ‬هتافات‭ ‬ضد‭ ‬زيارته‭ ‬،‭ ‬ويطلبون‭ ‬منه‭ ‬تنفيذ‭ ‬مطالب‭ ‬الدولة‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬استأجرتهم‭ ‬ودفعت‭ ‬لهم‭ ‬أتعاب‭ ‬الهتاف‭ ‬وثقل‭ ‬اليافطات‭ ‬بقوة‭ ‬الدولار‭ ‬المبين‭ . ‬ولكي‭ ‬تكون‭ ‬التظاهرة‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭ ‬وصدقية‭ ‬وإقناعاً‭ ‬للمشاهدين‭ ‬،‭ ‬تقوم‭ ‬الشركة‭ ‬المقاولة‭ ‬التي‭ ‬أخرجت‭ ‬هؤلاء‭ ‬،‭ ‬بتجنيد‭ ‬مواطنين‭ ‬أقحاح‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬البلد‭ ‬المزار‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬صرنا‭ ‬نرى‭ ‬ونسمع‭ ‬هتافات‭ ‬تطلقها‭ ‬رعية‭ ‬انكليزية‭ ‬وامريكية‭ ‬وفرنسية‭ ‬وألمانية‭ ‬،‭ ‬ضد‭ ‬دول‭ ‬يكاد‭ ‬المتظاهر‭ ‬المرتزق‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬حتى‭ ‬اسمها‭ ‬ومكانها‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬حاكمها‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الشركات‭ ‬قد‭ ‬انتعشت‭ ‬تجارتها‭ ‬كثيراً‭ ‬بعد‭ ‬الأزمة‭ ‬الخليجية‭ ‬المصرية‭ ‬مع‭ ‬قطر‭ .‬

واذا‭ ‬غضضنا‭ ‬العين‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬كونها‭ ‬أحد‭ ‬الفنون‭ ‬الوسخة‭ ‬،‭ ‬فأننا‭ ‬سنرى‭ ‬نفس‭ ‬تلك‭ ‬الأساليب‭ ‬القذرة‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬زحفت‭ ‬إلى‭ ‬عتبات‭ ‬وخواصر‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬كلها‭ ‬،‭ ‬فصرنا‭ ‬نرى‭ ‬ونلمس‭ ‬عمليات‭ ‬تصنيع‭ ‬ممنهجة‭ ‬ومعلنة‭ ‬لشعراء‭ ‬ورسامين‭ ‬وروائيين‭ ‬وقصاصين‭ ‬،‭ ‬وتحولت‭ ‬بيوت‭ ‬الجوائز‭ ‬والمهرجانات‭ ‬والرحلات‭ ‬اللذيذة‭ ‬والنقد‭ ‬وما‭ ‬حوله‭ ‬،‭ ‬الى‭ ‬دكاكين‭ ‬تلميع‭ ‬وترويج‭ ‬لبضائع‭ ‬يعلم‭ ‬حتى‭ ‬منتجوها‭ ‬أنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬الأفضل‭ .‬

في‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬حدث‭ ‬الأمر‭ ‬السيء‭ ‬بطريقة‭ ‬أشد‭ ‬وضوحاً‭ ‬مما‭ ‬وقع‭ ‬بمواخير‭ ‬السياسة‭ ‬والكتابة‭ ‬عموماً‭ ‬،‭ ‬فحرم‭ ‬الفقراء‭ ‬من‭ ‬مشاهدة‭ ‬لعبتهم‭ ‬الجميلة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬النقل‭ ‬التلفزيوني‭ ‬حصرياً‭ ‬ومكلفاً‭ ‬ومزعجاً‭ ‬لجيب‭ ‬المشاهد‭ ‬،‭ ‬وانتهت‭ ‬قصة‭ ‬اللاعب‭ ‬المخلص‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬فريقه‭ ‬الأول‭ ‬وجمهوره‭ ‬المحب‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بلغت‭ ‬‮«‬‭ ‬أسعار‭ ‬‮«‬‭ ‬اللاعبين‭ ‬حاجز‭ ‬مئات‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬الدسمة‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬اللاعب‭ ‬وإدارة‭ ‬الفريق‭ ‬يضحكون‭ ‬على‭ ‬دموع‭ ‬المشجعين‭ ‬البائسين‭ .‬

أما‭ ‬آخر‭ ‬مبتكرات‭ ‬الرئيس‭ ‬التاجر‭ ‬دوني‭ ‬ترامب‭ ‬،‭ ‬فهي‭ ‬قيام‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬‭ ‬ناتو‭ ‬‮«‬‭ ‬عربي‭ ‬أمريكي‭ ‬،‭ ‬سيكون‭ ‬سلاحه‭ ‬حتماً‭ ‬مستورداً‭ ‬من‭ ‬مصانع‭ ‬السلاح‭ ‬الأمريكية‭ ‬العملاقة‭ ‬،‭ ‬وستكون‭ ‬دماء‭ ‬ودموع‭ ‬الضحايا‭ ‬المحتملين‭ ‬،‭ ‬عربية‭ ‬خالصة‭ ‬جداً‭ .‬