
مكاتيب عراقية
يعيش العالم اليوم واحداً من أسوأ أطوار التحول والتبدل ، نحو المادي الصرف اليابس بعيداً عن الروحي النقي الذي يجعل الأرض أقلّ توحشاً ولعنة . يحدث هذا في كل المشاهد ولم يقتصر على المشهد السياسي الذي قد يبيح الكذب والسمسرة تحت باب التكتيك أو التقية التي بات يمارسها الجميع ، وهي الآن لا مذهب لها ولا دين .
يزور رئيس دولةٍ دولةً ، فتقوم ثالثة باستئجار مئات المواطنين الأصليين ، من أجل أن يخرجوا الى مقر إقامة المسؤول الزائر ، ويرفعون أمامه لافتات مسيئة ويطلقون هتافات ضد زيارته ، ويطلبون منه تنفيذ مطالب الدولة الثالثة التي استأجرتهم ودفعت لهم أتعاب الهتاف وثقل اليافطات بقوة الدولار المبين . ولكي تكون التظاهرة أكثر دقة وصدقية وإقناعاً للمشاهدين ، تقوم الشركة المقاولة التي أخرجت هؤلاء ، بتجنيد مواطنين أقحاح من أهل البلد المزار ، حتى صرنا نرى ونسمع هتافات تطلقها رعية انكليزية وامريكية وفرنسية وألمانية ، ضد دول يكاد المتظاهر المرتزق لا يعرف حتى اسمها ومكانها ومن هو حاكمها ، وهذه الشركات قد انتعشت تجارتها كثيراً بعد الأزمة الخليجية المصرية مع قطر .
واذا غضضنا العين عن السياسة كونها أحد الفنون الوسخة ، فأننا سنرى نفس تلك الأساليب القذرة ، قد زحفت إلى عتبات وخواصر العلوم والفنون الجميلة كلها ، فصرنا نرى ونلمس عمليات تصنيع ممنهجة ومعلنة لشعراء ورسامين وروائيين وقصاصين ، وتحولت بيوت الجوائز والمهرجانات والرحلات اللذيذة والنقد وما حوله ، الى دكاكين تلميع وترويج لبضائع يعلم حتى منتجوها أنهم ليسوا الأفضل .
في كرة القدم حدث الأمر السيء بطريقة أشد وضوحاً مما وقع بمواخير السياسة والكتابة عموماً ، فحرم الفقراء من مشاهدة لعبتهم الجميلة بعد أن صار النقل التلفزيوني حصرياً ومكلفاً ومزعجاً لجيب المشاهد ، وانتهت قصة اللاعب المخلص الذي لن يتخلى عن فريقه الأول وجمهوره المحب ، بعد أن بلغت « أسعار « اللاعبين حاجز مئات ملايين الدولارات الدسمة ، التي تجعل اللاعب وإدارة الفريق يضحكون على دموع المشجعين البائسين .
أما آخر مبتكرات الرئيس التاجر دوني ترامب ، فهي قيام حلف « ناتو « عربي أمريكي ، سيكون سلاحه حتماً مستورداً من مصانع السلاح الأمريكية العملاقة ، وستكون دماء ودموع الضحايا المحتملين ، عربية خالصة جداً .


















