مبادرات إنسانية أم معارك شهرة؟ – عبد اللـه ياسين الجنابي

مبادرات إنسانية أم معارك شهرة؟ – عبد اللـه ياسين الجنابي

في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون المبادرات الإنسانية مساحةً للتعاون والعطاء، بات المشهد في بلدنا مختلفًا تمامًا. فبدلًا من أن يلتف المجتمع حول الأعمال الخيرية ويدعمها، أصبحت هذه المبادرات سببًا للجدل والانقسام، خصوصًا حين يقف خلفها مشاهير (السوشيال ميديا). واللافت أن الصراع لم يعد بين مؤيد ومعارض فحسب، بل أصبح بين المشاهير أنفسهم، وكأنهم يخوضون معركة لإثبات من يستحق لقب «الفاعل الإنساني الأبرز». هذا التنافس لا يخفى على أحد؛ فكل مبادرة تُطلق عبر منصة ما، تقابلها مبادرة مضادة أو حملة تشكيك. وهنا يبرز السؤال: هل الهدف فعلًا خدمة المجتمع، أم أنه سباق للظهور وكسب المتابعين؟ في زمن الرقمنة والانتشار السريع، تحوّل المحتاج إلى جزء من المحتوى، وتحولت صورة التبرع أو الزيارة أو توزيع المساعدات إلى مادة إعلامية أكثر منها حالة إنسانية. غياب التنظيم والرقابة الرسمية على هذه الأنشطة فتح الباب أمام الاستعراض والمبالغة، وأمام حرب باردة وأحيانًا علنية بين مؤثر وآخر. كل طرف يسعى ليكون الأكثر تأثيرًا والأكثر حضورًا، حتى لو جاء ذلك على حساب القيم التي يقوم عليها العمل الإنساني أصلًا. وهكذا يتحول الفعل الخيري من هدف نبيل إلى منصة صراع، ومن قيمة أخلاقية إلى ماركة شخصية. التساؤل هنا يفرض نفسه: إذا كانت الغاية هي خدمة الفئات المحتاجة، فلماذا تتحول الساحة إلى منافسة شرسة بدل شراكة؟ ولماذا يختفي صوت المحتاج الحقيقي ويعلو صوت الشهرة والنفوذ؟ إن غياب التنسيق بين الجهات الرسمية والمؤسسات المدنية جعل المبادرات الفردية تتحول إلى ساحة مفتوحة بلا ضوابط، حيث تغيب المعايير وتُستبدل بالقوة الإعلامية. في النهاية، الإنسانية لا تحتاج أضواءً ولا تصفيقًا، بل تحتاج صدقًا واستمرارية. وما لم تتحول هذه المبادرات من استعراض إلى مسؤولية، سيبقى العمل الخيري إعلامًا قبل أن يكون إنسانية، وسنزيف صورة مجتمعنا أمام أنفسنا قبل الآخرين. إن الوقت قد حان لأن تتحرك المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني معًا لوضع ضوابط واضحة، وأن يُعاد الاعتبار للمحتاج بوصفه الهدف لا الوسيلة. فالمجتمع الذي يترك العمل الإنساني رهينة الشهرة والاستعراض، إنما يفرّط بأبسط قيمه الأخلاقية، ويخسر جوهر إنسانيته قبل أن يخسر صورته أمام العالم.