ما بعد الانتصار – جاسم مراد
معركة الموصل شكلت فاصلة مهمة في انجاز التحرر من الارهاب ، ولعل من المفيد التأكيد بان الذين يخوضون هذه المعركة هم فعلياً طليعة المقاومين من شعبنا ، فقد ضحوا باغلى مايملكه الانسان دون منة وانما استجابة للشعور الوطني وايماناً بالوطن وضرورات المرحلة بكل ماتحمله من اختلاطات محلية واقليمية ودولية .
ومن المؤكد لولا هذا الاقدام للمقاتلين بكل صنوف فعالياتهم العسكرية والشعبية لكان الوطن في ظروف قاهرة يصعب تحسب نتائجها . ويبقى السؤال المهم ، فبعد الدماء الزكية السيالة ، ماهو المطلوب مابعد الانتصار؟ الكل يعرف ولاسيما المتابعون للوضع العراقي الداخلي ، بأن سياسات توزيع هيكلية الدولة على اساس المحاصصات المذهبية والعرقية شكلت طيلة السنوات الماضية مقتلاً للارادة الوطنية ، وفرخت تلك المحاصصات حالات مرضية خطيرة من اولوياتها الفساد المالي والاخلاقي وتهشيم بنيان الدولة والتطاول على قوانينها وانظمتها الادارية ، وجعلت من المجموعات المنتمية لتلك المحاصصات مفاعيل متحركة في كل مفاصل الدولة ، وكأن العراق موزعاً على اقطاعيات تلك الكيانات لايجوز المساس بحافاتها او حتى المرور بالقرب من حدودها .
لقد اشاع هذا السلوك وتلك السياسات الاهمال لابسط حقوق المواطنة ، وكرس لغة الاحتماء بالحزبية والعشائرية ونفوذهما على حساب القانون واجهزة الدولة ، وبات المواطن يلجأ للاقوى في حل مشاكله وليس للقانون والقوى الحامية له ،
وفوق هذا نلاحظ حتى الدوائر الخدمية باتت اضعف بكثير من ان تؤدي ابسط مهماتها ، ومنها على سبيل المثال هناك العديد من الجزرات الوسطية بين الاحياء والمناطق تم الاستيلاء عليها عشوائيا بدلاً من تحويلها الى حداق وملاعب للاطفال ، والبعض الاخر منها اصبحت مكبات للاوساخ ، ولو كان هناك التزام بالقوانين ومحاسبة لما اصبحت الامور هكذا .
مابعد الانتصار وهو اصبح واقعاً لم تعد هناك ضرورة للمجاملات على حساب الدولة وقوانينها، ولم تعد هناك ضرورة لاستفحال الحصصية على حساب الوطنية ، فالجامع لكل العراقيين ليس المذهبية والعرقية مع احترامنا لكل المسميات ، وانما الجامع الحقيقي هو الوطنية والمواطنة والانتماء لهذا البلد ، وعلى وفق ذلك فان ابناء الشهداء بحاجة ماسة الى دولة بناء وقوانين تحمي حقوقهم وعلاقات انسانية واجتماعية مدنية والى نظام عمل يمشي على الجميع دون استثناءات والى قوانين منصفة ورادعة في نفس الوقت والى والى حدائق غناء بدلا من القمامة والعشوايات والى سلطة وطنية قوية يدير مراكزعملها وطنيون اكفاء نزيهون بدلاً من توزيع مناصبها على المحاصصات .
مابعد الانتصار ، نحن ننتظر من القيادة الحاكمة عملاً يرتقي الى نصف التضحيات ، لكي يشعر الانسان بان قيادة السلطة قد قفزت نوعيا في اداء عملها دون ان تلتفت للمنغصات الحصصية والمذهبية والعرقية ، فالعراق يستحق الاجراءات الفعلية الثورية .
مابعد الانتصار ، نحن بحاجة الى عمل وطني وتربوي وانساني للمناطق المحررة لكي يتم كنس ماخلفه الدواعش . لكون تركات داعش ثقيلة وتحتاج الى مهمات وطنية فعلية ، ويتوجب الاقلاع عن المصالحات الشكلية وبوس اللحى بين العشائر ، نحن بحاجة الى مشروع وطني جامع يستند الى ثلاث قضايا ، الايمان بالتداول السلمي للسلطة وبصندوق الاقتراع وبوحدة العراق والدولة الوطنية المدنية القوية وبالدستور .
هذه القضايا حسب وجهة نظرنا تشكل عنصرا جامعا وعاملا للنهوض .