نثر التهاميم على قبر الشاعر
ما الذي قدمته واسط لنقد مهرجان المتنبي؟
واسط- الزمان
ويتناول في المبحث الثالث (المتنبي الجميل والطليل) مبدئا بالجانب الروحي ذلك : (ان التيار الروحي لدى شعراء مهرجان المتنبي العاشر رؤاهم بتكوين شخصية المتنبي الجميلة والجليلة بوصفه الشخصية المتكاملة والباعثة على الهيبة والقدسية فالوازع الشعري عندهم تحرك وتفجر في ظل طاقاته الشعرية العالية، حينما ملأ بها الدنيا وشغل الناس فاحيا رؤاهم وحرك مشاعرهم الى انتظار اللقاء الذي طافت به خواطرهم فنثروا تهاميهم حول قبره الذي ظل مزارا للناس وقبلة يطوف حولها المتطوفون، وبيد ان الاجواء الروحية (مزدوجات) من شأنها ان تجعل الشعر يتغلغل في الوجدان فتسري المعاني الروحية في ناسي فتشكل عناصر الوجود الديني في الذي يحتضن المقدس بملامح ومظاهر كثيرة تختفي وراء القليل من الكلمات والابيات ، ويبدو ان الجلال والعظمى هما من افعال الله تعالى يورثان الخوض المقلق والوجل المزعج والغلبة العظيمة على القلب بما يظهر على الجوارح، اما الاشخاص فبكمالاتهم يصلون الى الجلال الذي يمثل صفات العظمة والكبرياء من الكمالات القيمية مثلما هو الجلال، اذ ان لكل جلال جمال ولكل كمال جلال، اما الجمال المطلق والجلال فانهما لا يكونا لشهودهما الا الله وحده، وقد تطرق الباحث والناقد الغرباوي الى هذه المضامين في شعر المتنبي، وشعراء المهرجان، متطرقين من خلال ذلك الى تفرده والى حضوره في الحياة العربية المعاصرة والى حضوره في الهموم والمشكلات التي تعانيها هذه الحياة.
ويستنتج من خلال ذلك ان معظم الشعراء استلهموا المتنبي مبرزين فيه شخصيته التي عرفناها عنه شاعرا بليغا وطموحا للمعالي، فضلا عن ذلك انه عاش محنته امام حساده وخصومه مما جعل من الحناجر تصدح في فضاءات حضرته، مستلهمين منه بعض رؤاه وهو يعاني غربته من قساوة عصره الذي حال دون تحقيق طموحاته، وقد ظهر ان المتنبي الشاعر الذي تحتاجه الامة مشيرين الى الصراع الحضاري بين الشرق والغرب وانه ذلك الرجل الذي تظافرت فيه سمات مادية ومعنوية وهو سليل البيت العلوي الشريف، وان القصائد التي تخص المتنبي واضحة المعاني سهلة الاساليب، ولعل ذلك يرجع الى تاثير المتنبي في هذه القصائد.
وكانت دراسة الغرباوي من افضل الدراسات التي تناولت العلاقة بين المتنبي وشعراء المهرجان، وهي ذات اهتمام بارز وموسع بالمضامين ولكنها لم تتوسع في تناول التاثير الفني للمتنبي على شعراء المهرجان ومع ان الدراسة اخذت حيزاً كبيراً من المساحة، الا انها كانت بحاجة الى تناول تاثير المتنبي في المراحل اللاحقة والتي عاشها ولاسيما ان المتنبي يمتد بتأثيره الى هذه المراحل وليس من الممكن عزله في مرحلة معينة.
دراسات وشخصيات
من الدراسات التي قدمت في مهرجان المتنبي الثاني عشر دراسة بعنوان ابعاد الشخصية المسرحية قراءة في قصيدة بلاد الكوشيبة للباحثة مديا الصالحي، ودراسة بعنوان (النقد السيري عند حاتم الصكر: قراءة في قصيدة السيرة) للدكتور خليل شكري عباس، ودراسة بعنوان (التاريخ الشعري لمدينة الكوت مع الاثاري حميد حسن جعفر) للباحث الناقد محمد رشيد السعدي، ودراسة بعنوان (حاتم الصكر والموقف النقدي من قصيدة النثر العربية) للباحث الدكتور (جاسم حسين الخالدي) وهي تتناول منظور الناقد حاتم الصكر لبعض الظواهر الادبية ولاسيما قصيدة النثر.
ومع ان هذه الدراسات تمتلك ما يميزها عن المهرجانات السابقة باعتبارها تقدم محاور عدة عن الشعر الحديث، وباعتبارها محاولة جادة للخروج من المكرر في الاهتمامات النقدية، وعن الموضوع الخارجي في النقد، الا انها يمكن ان تكون امتداداً لكل المحاولات الرامية الى دراسة الموضوع الشعري العراقي الذي يعد غنيا وعميقا ورافدا مهما من روافد الشعر العربي، ويمكن ان يعد امتدادا لما حققته بعض المهرجانات من اهتمام بالشعر العراقي في جميع اشكاله.
ان تكريس الدراسات النقدية لمهرجان المتنبي للشعر العراقي ولاسيما الشعر في ظرفه الراهن والظروف السابقة يقدم تناولا واسعا لخريطة هذا الشعر، ويقدم في الوقت نفسه اوسع اضاءة له، معبرا في ذلك عن استجاباته لحاجة هذا الشعر الى الدراسة، وقد عزز ذلك بتقديم دراسة لبشير حاجم من اجتهادية القراءة للناقد بشير حاجم وعن دراسة للناقد مقداد مسعود عن (الناقد والقابلة).
وجميع هذه الدراسات تتناول ادباء من محافظة واسط، وبالذات حاتم الصكر وحميد حسن جعفر، وهي تقدم لاول مرة دراسات عن حاتم الصكر رغم انه من النقاد المثابرين والجادين، ومن الذين وضعوا بصماتهم على النقد الادبي والعراقي كما ان هذه الدراسات اضافت دراسات اخرى عن الشاعر والباحث حميد حسن جعفر والناقد حاتم الصكر وتشير هذه الدراسات الى التفاتة جديرة بالاهتمام من اللجنة المشرفة على المهرجان ، اذ انها لم تقتصر على تقديم اسماء شعراء من مختلف ارجاء العراق فقط، وانما قدمت اسماء شعرية من المحافظة، واسماء بارزة في الشعر والنقد، معززة ذلك بتقديم ودراسة ادباء لهم انجازهم في النقد، حيث يشير ذلك الى الجمع بين اسماء شعرية كثيرة، وبين اسماء ذات انجاز نقدي يؤهلهم لان يكونوا موضوعا للدراسة والنقد ولان الاسماء مثل حاتم الصكر وحميد حسن جعفر هي اسماء ادبية معروفة على انها عراقية، وذات شخصية ادبية عراقية، فذلك يعني ان الدراسات التي تناولت هذه الاسماء ذات مكانة عراقية، وانها تمثل العراق الادبي ما تنتسب اليه من مراحل ومن عطاء وابداع.
المهرجانات الشهرية والحاجة الى التجريب
يبدو لي ان الجلسات الشعرية للمهرجانات العراقية التي عقدت في المحافظات لم تقدم النقيض لما هو سابق وراهن ولم تقدم القصائد التي تنقل الشعر من حالة الى حالة افضل، ومن واقع راكد ومتكرر ورتيب الى انطلاقات عميقة وذات اثر مدوي وذات تراكيب جديدة للعلاقة بين المفردات ودلالاتها، ويبدو ان المهرجانات الشعرية بحاجة ماسة الى تغيير في برامجها، تكون فيها القصيدة هي المهمة والمطلوبة وليس التصفيق لها، وتكون ذات قدرة لسحب الجمهور اليها، والحضور فيها، ذلك ان الماضي، وان يستعاد بها، ويمكن ان يحل في مكانها ايضا، ويمكن ان يكون الوسيط بين القصيدة والجمهور باتجاه المزيد من الانحياز لها. ومع ان التصفيق للشعر قدم ومايزال معيارا ودافعا للجمهور لان يتفاعل مع القصيدة العمودية وان يكون اكثر اهتماما بها الا ان شعراء القصيدة الحديثة لم يفعلوا ما يؤدي الى نقيض ذلك، او طرح مشروع ببداية جديدة، وقصائد ذات سياق مختلف.ويبدو لي ان تحقيق ذلك ليس صعبا او مستحيلا وانما يتطلب اضافة المشاريع التجريبية الى برامج المهرجانات وغيرها، حيث يقدم شعراء للحديث عن تجاربهم، وما حققوا فيها من ابداع جديد كما يمكن تناول التجريب عند شعراء القصيدة العمودية او دراسته عند شعراء ينتمون الى عصور ومراحل سابقة.
ان الشعر المطروح في المهرجانات الشعرية وغيرها مايزال قريبا في معظم نماذجه من القصيدة العمودية واجوائها، وكان ومايزال منحازا الى هذه القصيدة في معظم مناسباته واجوائه، ويؤدي مشروع التجريب الى اعادة النظر بذلك وتقديم قصائد جديدة ذات وعي جديد، وذات قدرة على كسب الجمهور لها ايضا. ومن حق صاحب التجربة الجديدة ان يطرح تجربته وما حقق فيها، وان يفتح امامه ابواب تطورها، وان يشارك الاخرين في دراستها، والسير بها نحو مزيد من التجارب ومن المزيد من الابداع.


















