ما أدري
يقول الكاتب العدمي ايميل سيوران . يجب على الكاتب ان لا يعرف ماذا يكتب ولا لمن مجرد يطرح ترهاته على الورق وينساها او يحرقها لا فرق .. قرأت هذه المقولة في كتابه الذي اهداه لي صديقي وهو الان غائص في غمار العدمية بعد ان اصبحت حياته عبارة عن ترهات وايامه مبعثرة كورق الخريف المتساقط فهو على وشك الانتهاء شيء فشيء . كان كالشجرة المورقة التي تسري في عروقها اعذب المياه لتخضر وتورق املا متجددا لكن سرعان ما تحول هذا الامل الى تشاؤم واحباط ويأس وتفكير خطير بالانتحار.. لا اريد ان اتكلم عن الفكر العدمي او ابديبة رأيي فكل واحد منا يفهم الافكار حسب قدرته الادراكية. فهو حاله حال الافكار الاخرى التي دخلت عن طريق ما يسمى بالغزو الثقافي الذي اجتاح الساحة الثقافية العراقية بمختلف العناوين من الكتب والتيارات الجديدة بعد عام 2003 حيث لم شهد العراق مثل هذا الانفتاح من قبل . هذه الافكار لا تهمني اذا كان تأثيرها ايجابياً لكن من المفترض ان تكون في موضع الاهتمام اذا اثرت على الانسان سلبيااذا فالنتسائل لماذا اثرت على هذا الشاب تأثيرا سلبيا .؟ هذه الافكار لها تأثير مباشر على الفرد المقهور وتتناغم معه انسجاما مع الواقع الاجتماعي والسياسي المفكك والمؤلم الذي يشهده العراق اليوم . في الحقيقة ان الواقع العراقي هو صعب قرائته فهو كاللوحة السريالية المبهمة التي ترسمها الحروب والصراعات وهذا الانسان هو جزء منها هذه الصورة تعبر عن معانات المواطن العراقي وحالات اليأس والضياع التي عاشها زمن الحروب العبثية في ضل الأنظمة الدكتاتورية التي حطمت الهوية الوطنية وقهرت الذات الانسانية وما عاناه المواطن وما يعانيه من واقع مؤلم وحياة قهريه دموية مخيفة بعد سقوط الطاغية كون البديل لايحمل الهوية الوطنية كونه ارهابي وانتهازي ومقامر . لا تهمه هموم الوطن والمواطنفحاول هذا الانسان وفي ضل هذه الظروف ان يفصل حياته عن المجتمع والتأريخ ويتمسك بالعدمية . ان الانسان في العراق سائر في طريق الخيبة والاخفاق لضياع الامل وتلاشيه فاصبح كل شيء عنده عبث لامعنى له انه يعاني من تراكم للخيبات وتحطم للآمال بأن يكون له مستقبل .. لنتسائل لماذا هذا التمسك بالعدمية والهرولة وراء الموت وطلبه .؟ ان الجواب في اعتقادي يأخذ امرين الاول هو نتيجة الظروف المزرية وما تعكسه على الفرد من كبت واستياء واستنزاف للطاقات اما الثاني فهو امر مختلف عن الاول فهو يأخذ شكل عالمين متضادين فما يرغبه الاول لا يرغبه الثاني هذان العالمان يتماهيان مع السماء والنعيم والجحيم فهو رفض للعالم السفلي اي الارضي بكل اوحاله وتفاهاته والامه والافتراض ان الدنيا هي الجحيم وان الموت هو الحرية الانعتاق والنعيم ان هذه الحياة هي مجموعة صور مكتنزه بالدلالات تدفع الانسان وتحثه على التفكير والتساؤل المقلق وان الحوار الذي يجري فيها بين الواقع والخرافة بين الحياة وتحدياتها والموت واساطيره والتسائل الذي يطرح هو اشبه بالتحدي عن مصير المحكوم بالإرادة المحطمة للفرد العراقي في ضل الأحكام القدرية والاستسلام للعجز الذي يسود المجتمع فالمصير يبتلع الانسان وكأنه وحش اسطوري وتجد جميع المواطنين مذعنين الى المذبح او الموت المقدس الذي يطلق عليه اسم الشهادة فيسقط الجميع في هاوية الاوهام والحلم الماورائي بوجود النعيم لشهداء الوطن وحروبه العبثية .. ان القمع والقهر والدكتاتورية تستطيع ان تتلاعب بأقدار المجتمع ومصيره وتدمر فعالياته الانسانية وتحطم قدراته على الابداع . لقد كان للاستبداد قوة قاهرة تحدد وتؤطر حياة المجتمع بوجه عام وحياة افراده فمن اقدار العراقيين الحروب ومواجعها وآلامها فلا يستطيع ان يفعل امامها اي شيء سوى الخضوع والاستسلام ان مأساة الانسان العراقي هي في احساسه بلا جدوى الحياة ولم يعد للكرامة الانسانية اي معنى فأصبحت نسيجا واهيا من عبث العدمية ..
أمير ساطي