ماني الموسوس
عوّاد ناصر
بين جنون العبقرية وعبقرية الجنون خيط لا يرى، بل إن العبقرية نوع من الجنون المعقلن، فهذا شاعر عباسي أدخله المؤرخون في خانة المجانين لنتبين أن مجانين ذاك الزمان أعقل من عقلاء هذا الزمان.
قال أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه نسخت من كتاب لابن البراء حدثني أبي قال عزم محمد بن عبد الله بن طاهر على الصبوح، وعنده الحسن بن محمد بن طالوت، فقال له محمد كنا نحتاج أن يكون معنا ثالث نأنس به ونلذ في مجاورته فمن ترى أن يكون فقال ابن طالوت لقد خطر ببالي رجل ليس علينا في منادمته ثقل، قد خلا من إبرام المجالسين، وبرئ من ثقل المؤانسين، خفيف الوطأة إذا أدنيته، سريع الوثبة إذا أمرته، قال من هو؟ قال ماني الموسوس ت 245 هجرية ، قال ما أسأت الاختيار، ثم تقدم إلى صاحب الشرطة يطلبه وإحضاره، فما كان بأسرع من أن قبض عليه صاحب الشرطة بربع الكوخ فوافى به باب محمد بن عبد الله، فأدخل، ونظف وأخذ من شعره، وألبس ثياباً نظافاً، وأدخل على محمد بن عبد الله، فلما مثل بين يديه سلم، فرد عليه، وقال له أما حان لك أن تزورنا مع شوقنا إليك؟ فقال له ماني أعز الله الأمير الشوق شديد، والود عتيد، والحجاب صعب، والبواب فظ، ولو تسهل لنا الإذن لسهلت علينا الزيارة، فقال له محمد لقد لطفت في الاستئذان، وأمره بالجلوس. فجلس، وقد كان أطعم قبل أن يدخل، فأتى محمد بن عبد الله بجارية لإحدى بنات المهدي، يقال لها منوسة، وكان يحب السماع منها، وكانت تكثر أن تكون عنده، فكان أول ما غنته
ولست بناس إذ غدوا فتحـمـلـوا
دموعي على الخدين من شدة الوجد
وقولي وقد زالت بعيني حمولـهـم
بواكر تحدى لا يكن آخر العـهـد
فقال ماني أيأذن لي الأمير؟ قال في ماذا؟ قال في استحسان ما أسمع، قال نعم، قال أحسنت والله، فإن رأيت أن تزيدي مع هذا الشعر هذين البيتين
وقمت أداري الدمع والقلب حـائر
بمقلة موقوف على الضر والجهد
ولم يعدني هذا الأمـير بـعـدلـه
على ظالم قد لج في الهجر والصد
فقال له محمد ومن أي شيء استعديت يا ماني؟ فاستحيا، وقال لا من ظلم أيها الأمير، ولكن الطرب حرك شوقاً كان كامناً، فظهر. ثم غنت
حجبوها عن الـرياح لأنـي
قلت يا ريح بلغيها السلامـا
لو رضوا بالحجاب هان ولكن
منعوها يوم الرياح الكلامـا
قال فطرب محمد، ودعا برطل فشربه فقال ماني ما كان علة قائل هذين البيتين لو أضاف إليهما هذين
فتنفست ثم قلت لطـيفـي
ويك إن زرت طيفها إلماما
حيها بالـسـلام سـراً وإلا
منعوها لشقوتي أن تنامـا
فقال محمد أحسنت يا ماني، ثم غنت
يا خليلي ساعة لا تـريمـا
وعلى ذي صبابة فأقـيمـا
ما مررنا بدار زينـب إلا
فضح الدمع سرك المكتوما
والبيتان لأبي نواس، قال ماني لولا رهبة الأمير لأضفت هذين البيتين بيتين لا يردان على سمع سامع ذي لب فيصدران إلا عن استحسان لهما، فقال محمد الرغبة في حسن ما تأتى به حائلة عن كل رهبة، فهات ما عندك، فقال
ظبية كالهلال لو تلحظ الص
خر بطرف لغادرته هشيما
وإذا ما تبسمت خلت مـا ي
بدو من الثغر لؤلؤاً منظوما
AZP09



















