ماقبل البابا.. ما بعد البابا – كاظم المقدادي

ماقبل البابا.. ما بعد البابا – كاظم المقدادي

لا زلت محتفيا بزيارة قداسة البابا.. التي اشعرت معظم العراقيين بعظمة الارض التي يقيمون عليها.. لكن هذا لايمنع ان اكتب عن جوانب اخرى.. فد تبدو محض تكهنات لبعض القراء الكرام.

الثابت.. ان الخيط الرفيع الذي يربط بين الزيارة التاريخية لقداسة بابا الفاتيكان الى مقام ابراهيم في مدينة اور التاريخية.. هو في تلك المحاولة الجادة لاعادة قراءة النص الديني.. على ان تكون فكرة التوحيد فكرة محورية.. تتناول الاوطان اولا.. والاديان ثانيا.. و المقدس ثالثا.

كان البابا فرنسيس.. مسلحا بالافكار.. راسما خارطة طريق جديدة.. ينتقي كلماته بقدر.. ويؤشر تنقلاته بحذر.

ولو عملنا تحليلا لنمط خطاباته، وبما تحمله من اختزال شديد، وسيميائيات مكثفة لوجدنا ان الرجل.. جاء وهو يقدم مشروع امل بهاجس ديني.. يقترب من مشروع ( الشرق الاوسط الجديد) ذو البعد السياسي.

لقد ساعدني في فهم هذا الموضوع.. ما قرأته مؤخرا لباحثة اكاديمية مصرية اسمها هبة جمال الدين.. تناولت في بحثها فكرة اقامة ( الولايات الابراهيمية المتحدة ) او ما يعرف بمسار ابراهيم وامكانية تحويل هذا المسار الى مشروع سياحي ديني كبير.. على ان تتخلى شعوب المنطقة عن المقدسات القديمة.. لان الفكرة الابراهيمية، سوف تجمع شعوب المنطقة العربية، اضافة الى اسرائيل وتركيا وايران.. على اساس فكرة صهر الاديان.. وتقديم قراءة جديدة لما هو مقدس، وغير مقدس .

طبعا.. هذا المشروع الجدي الذي اعلنه وبشر به قداسة بابا الفاتيكان.. كان قد تم طرحه في بداية التسعينيات.. ثم اخذ بعدا جديدا ومكثفا في ولاية ابوما سنة 2003، ومثابرة من وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون.. بعدها انتقل الى الجامعات الكبيرة والمرموقة.. مثل جامعة هارفارد وجامعة فلوريدا.. ليكتسب المشروع بعدا علميا اكاديميا اخر، وقيمة معرفية كبيرة على مستوى الافكار والمنطلقات.. ولكي يكون مقبولا لدى المفكرين والكتاب والمثقفين، ووسائل الاعلام في العالم اجمع.

علينا ان نعرف ايضا.. انه ومنذ عقود.. والاجتماعات مستمرة بين رجال الدين الذين يمثلون الاديان الثلاثة.. والمطلوب من هؤلاء العمل على فكرة البحث عن قيم مشتركة.. لصهر الاديان الثلاثة.. وليكون الدين الابراهيمي ( العالمي ) هو السائد والمهيمن في المنطقة العربية.

اما البعد الاقتصادي.. يكمن بتحويل المنطقة بمواردها الطبيعية الكبيرة لخدمة هذا المشروع الجديد.. وبمساعدة التكنولوجيا الغربية.. شرط ان يكون هذا المشروع برعاية امريكية.. بمعزل عن توجسات ومخاوف وتساؤولات شعوب المنطقة.

بقي لنا ان نعرف.. ان هذا المشروع المعد امريكيا و المقبول اسرائيليا.. سيصب حتما في خدمة الامن الامريكي.. ويحقق مشروع اسرائيل الكبرى التي جعلت حدودها مفتوحة لحد يومنا هذا .. على قاعدة ان اولاد ابراهيم الذين يتحكمون بمنطقة الشرق الاوسط هم اولى بتحديد هويتها وشكل انظمتها ودياناتها.

السؤال الاصعب.. الذي يطرح الان.. هل تتنازل السعودية عن دورها في تنظيم ورعاية الحج الى مكة، وتتخلى عن القبلة.. لصالح مقام ابراهيم ومدينة اور العراقية..؟؟

اعتقد جازما.. ان التطبيع مع اسرائيل وليومنا هذا.. ظل محصورا بين الحكام العرب واسرائيل.. بينما بقيت شعوب المنطقة متوجسة من نوايا اسرائيل المعلنة وغير المعلنة / فكيف يمكن ان ينجح هذا المشروع الابراهيمي الجديد.. واسرائيل هي المستفيدة بالدرجة الاولى / دينيا، واقتصاديا، وتاريخيا .. على حساب المصالح  التاريخية للعالم الاسلامي..

اسطنبول

مشاركة