ماذا يريد الإرهابيون؟
صباح علي الشاهر
سؤال لم أستطع الاجابة عنه، ولعل من الصعب على غيري الاجابة أيضاً.. هل هم يذبحون ويفجرون، ويدمرون، ويقتلون، ويرهبون الآخر، مرضاة لله تعالى، وتقرباً من نبيه الكريم، نبي الرحمة؟ أم انهم يستهدفون أمريكا وعملاءها وأذنابها، والموالين لها؟ أم انهم يستهدفون سرطان الصهيونية الجاثم على صدورنا والمتمثل بدويلة الكيان الصهيوني؟
إذا كان هدفهم الأول فأي عقل هذا الذي يتصور أن قتل الأبرياء بلا تمييز، ولا على التعيين، هو من الأعمال التي تتصل بالتقوى؟
أي نبي، أو وصي، أو مصلح ديني أم اجتماعي، متديناً كان أم ملحداً، يمكن أن يصل به الأمر حد اباحة دم الأبرياء، وعلى النحو الذي نشاهده في زمننا هذا، والذي فاق ببشاعته وهوله كل الحدود؟
عرض ديننا الحنيف بالكيفية والصورة التي يعرضها هؤلاء، ليس من جهة التزمت والتشدد، والغلو، فهذه أمور خاصة، اذ يمكنك، ومن حقك، ومن دونما تدخل من آخرين، أن تتشدد، وتتزمت، وتغالي، وتفرض على نفسك أقسى وأشد الشروط التي ترى أن متطلبات الايمان توجبها عليك، ولا أحد بمقدوره، أو من حقه، أن يفرض عليك غير قناعاتك التي توصلت اليها بنفسك، أو أوصلك الآخرون اليها. أن تقصّر ثيابك أم تطيلها، أن تطلق لحيتك أم تجزها، ولكن ليس من حقك أن تجبر الناس على تقصير ثيابهم، أو جز لحاهم، ولا أن تحتطب حيوات الناس بهذه الهمجيّة، شيباً وشباباً، نساءً ورجالاً، لمجرد أنك ترى أنهم على غير هداية، أو أنهم أتباع بدع، أو أنك عبر هرسهم تريد ارسال رسالة سياسية لهذا الحاكم أو ذاك، أو لهذا المختلف معك أو ذاك، عرض ديننا الحنيف بهذه الكيفيّة انما هو في جوهره اساءة بالغة للدين، وتشويه، ينبغي أن تحاسب الأمة، من يقوم به، أو من يحرّض على القيام به، أو من يرّوج له، بأي شكل، أو وسيلة، لأنه تشويه لأنبل ماجاء به الاسلام من قيم، وهو يقدم أكبر خدمة لأعداء الاسلام والمسلمين، ويشكل تعارضاً وتفارقاً مع جوهر الاسلام، والديانات السماوية وغير السماوية قاطبة، وهو فعل بربري، همجي، خارج العصر، ومرفوض في كل عصر، همجيته ووحشيته وعبثيته مما لا يمكن الدفاع عنها، بأي منطق انساني. هذه البشاعة تعرضنا أمام العالم المصدوم من هول ما يقوم به المتخلفون والسفهاء منا، على غير الصورة التي نحن عليها، في ماضينا وحاضرنا، صورة يريدون الصاقها بنا، كي لايكون لنا مكان في باحات هذا العالم الواسعة، وكي نكون مشبوهين أينما حللنا، ولتمتهن آدميتنا على عكس البقية الأخرى من بني البشر، لأننا موسومون بالارهاب الذي هو ليس منا، والتطرف الذي هو ليس لباسنا، ويظل الارهابيون الحقيقيون، والمتطرفون الحقيقيون، والقتلة بمنأى عن أي مساءلة، فكيف لمتطرف أن يشكو متطرفاً، ولارهابي موسوم بالارهاب، الادعاء على ارهابي، حتى لو كان هذا الارهابي دولة كدولة اسرائيل.. لقد أعادنا الارهاب عشرات السنين الى الوراء، وكاد يضيّع قضيتنا المركزية، بعد أن ألهانا بصراعات جانبيّة، لاجدوى منها ولا معنى.. لقد تفطنّا بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام الى أننا شيعاً ومذاهب، واحدة منها فقط هي الناجيّة، أما البقيّة ففي النار، وقد أراد بعضنا ارسال البقيّة الى جهنم، قبل أن يقضي العلي القدير بقضائه العادل..
جاهل وجهول أفتى بأن يكون حكمه سابقاً لحكم الله، وهو ما لم يقدم عليه لانبي ولا مرسل من قبل، وتجرأ على القيام به من علمه دون علم سواه، فتبعه بعض الذين لاعقل لهم. أعداء الله لا يتواجدون في سوق شعبي، لا يرتاده الا الكادحين والفقراء من الناس، وأعداء الله لا يتواجدون داخل حسينيّة شيعيّة، أو جامع سني، أو تحت قبة كنيسة، فهؤلاء وان اختلفت طريقتهم فهم يعبدون الله.. ليس بمقدور أحد تحديد من هم أعداء الله الا الله سبحانه وتعالى، ولنا في قول نبينا الكريم هل شققت صدره .. وان أردتم الدعوة لله، فبالموعظة الحسنة، وبالجدال الذي فرض عليك النبي الأكرم، أن يكون بالحسنى، حتى الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.. من أي منهل ينهل هؤلاء، وعن أي اسلام يتحدثون؟ عن الاسلام الذي دخل قلوب الغربييين، أم عن الاسلام الذي ينفّر قلوب المسلمين قبل غيرهم..
اذ لم يكن من حقنا التشكيك في اسلاميّة هؤلاء الارهابيين، فان من حقنا التشكيك بدوافع من يدفعهم لاعمال هي بالقطع ضد أي فهم اسلامي حقيقي للاسلام، وغاياته، ومثله العليا.
واذا لم يكن من حقنا التشكيك في عداء هؤلاء للصهاينة واسرائيل، فان من من حقنا التشكيك بدوافع المخططين والمحرضين، الذين لم يوجهوا بندقية للكيان الاسرائيلي قط، والذين غيروا بوصلة الكفاح، من كفاح ضد اسرائيل والصهيونية، الى كفاح ضد بعضنا البعض، دفاعاً عن الله الذي لا يحتاج دفاعنا عنه، والذين لا نعلم أينا الأقرب اليه، وأينا الأبعد، ثم لا نعرف، كيف ومتى، وعلى أي أساس نصّب هؤلاء أنفسهم مدافعين عن الله، الذي هو الههم وحدهم، دون بقية البشر، علماً أن ربّ العزة هو ليس رب المسلمين فقط، وانما رب العالمين.
واذا لم يكن من حقنا التشكيك في عداء هؤلاء للأمريكان، الا أن من حقنا التشكيك باعمالهم التي جاءت في الأغلب الأعم، لخدمة الأمريكان، وعملاء الأمريكان، وأذناب الأمريكان، والتي انصبت على معاداة كل أعداء أمريكا، ليس في المنطقة، وانما على نطاق العالم كله، فلم نجد أنهم تعاونوا مع عدو لأمريكا، فكل تعاونهم كان وما يزال مع من ترضى عنهم أمريكا، ومن يرضى عنهم الغرب، بل على العكس ناصبوا أعداء أمريكا العداء، وقاوموهم، وقاتلوهم، تارة بزعم أنهم كفّار، وتارة بزعم أنهم نصارى، وهم وان كانوا قد قاموا ببعض الغزوات كما يسمونها ضد الأمريكان، لكن هذه الغزوات تبدو كقطرة في بحر ازاء غزواتهم ضد أعداء أمريكا، وضد البسطاء من المسلمين سنة وشيعة، وضد نصارى الشرق، الذين هم أهله، وأخيراً ضد أصحاب البدع، وهم عملياً كل المسلمين تقريباً، باستثناء فئة قليلة احتكرت الدين الحقيقي، واستأثرت بالله لها لوحدها دون سواها، وجعلت نفسها حامية للذات الالهية، مع أن الله هو وحده الحامي، حاميهم وحامينا، وحامي الناس جميعاً.
/7/2012 Issue 4262 – Date 28 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4262 التاريخ 28»7»2012
AZP07