ماذا وراء زيارة الرئيس أردوغان إلى العراق ؟ – جمعة الدراجي 

ماذا وراء زيارة الرئيس أردوغان إلى العراق ؟ – جمعة الدراجي

هل ان زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان زيارة بروتوكولية ؟ ام لحسم الملفات العالقة بين البلدين ؟ فلو كانت فرضيات تلك الزيارة الاستثنائية تمثل إنعطافة تاريخية ، وجدية في حسم الملفات ذات الأهمية القصوى ، والمختلفة الترتيب لدى حقيبتي التفاوض ، فلكل طرف أولوياته لقضاياه الحرجة ، فكيف تحدد تلك الأولويات إذن ؟. ومع التصريحات لجهات مقربة من الحكومة العراقية ، بأن هناك جملة تفاهمات تحسم و ينتج عنها توقيع اتفاق حول ضمان حصة مائية ثابتة في نهري دجلة والفرات ، مقابل الموافقة المبدئية لعدد من الملفات التي يحملها الوفد الرئاسي التركي ، مع ان حصة العراق المائية لدى دول التشارك المائي حصة بديهية ومن المسلمات التاريخية والقانونية والطبيعية والهايدروبولوتيكية ،ولا يناظرها اي ملف اخر. لاشك ان المبادئ العامة لفن التفاوض للقضايا الدولية تعتمد التدرج عند الطرح والمساومة في البدائل ، وبما أن هناك ملفات ذات أولوية للجانب التركي ، وقد يوضع ملف المياه قصدا في ذيل المنهاج التفاوضي ، وربما تحت الطاولة بالنسبة لديهم او خلو الوفد من الاختصاصات الفنية في المياه لإرجاء محادثات المياه في وقت لاحق كمناورة سياسية بادوات دبلوماسية مقيته ، واعتبارها الورقة الرابحة لهم تظهر عند تعثر اي من الاوراق التفاوضية التي يهتم بها الجانب التركي .

صعوبة الملف

وربما ان العراق يدرك صعوبة هذا الملف ولذلك تؤكد الترجيحات المتداولة  بأن العراق لم يطلب تفاهما مباشرا من تركيا حول المياه ، بل استعان بالجانب الاميركي او   أطراف دولية اخرى وهذه الزيارة أحدى مخرجات تلك الضغوطات الدولية على تركيا ، وربما يقدح الضوء الاخضر لمناقشة ملف المياه مقابل وضع مصير اكثر من مليون لاجىء داخل الاراضي التركية من نتائج الحروب في سوريا او من الذين لاذوا بالفرار أمام الارادة العراقية جراء الحروب الداعشية.وهناك مقترحات  دولية  لأيواء العراق اعداد منهم داخل الارضي العراقية ، ومن غير المستبعد وجود بعض النفايات الارهابية بينهم ، وهذه احدى اهم القضايا الخطرة التي على العراق تجنبها .ومما  يؤكد تراجع ملف المياه الى ذيل قائمة القضايا التي تطرح ،  وتشير التوقعات بأن غالبية الوفد من الفرق الامنية والعسكرية وخبراء النفط ، وان كان السفير التركي لدى العراق علي رضا كوناي وضعت امامه اللمسات الاخيرة من جانب العراقي بلقائه مع رئيس الوزراء السيد محمـد  شياع السوداني ، والتي بموجبها اعرب العراق مبدئيا بالتنازل عن قيمة الغرامة المالية المفروضة على تركيا من محكمة باريس جراء تصدير نفط الإقليم دون اذن الحكومة  الاتحادية. وموافقة العراق على تجاهل عمليات تركيا العسكرية شمال العراق ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني ،متناسين جريمة قتل العراقين المصطافين في دهوك العام الماضي ،الذي نفته تركيا دون دليل او اثبات قضائي دولي ، ومناقشة الكيفية التي تشارك الشركات التركية في انشاء طريق التنمية؟، بالاضافة الى رغبة تركيا في شراء النفط العراقي مقابل السعر التفاضلي مشابه للاردن (الذي دائما ما تعبر عنه الاوساط الشعبية بتذمر كبير)، وربما تظهر مجريات الحدث سيناريوهات اخرى ، كل هذه الطلبات والعراق لديه ورقة واحدة لملف المياه. ليبقى السؤال ماسكا علامته الاستفهامية المعقوفة للبحث عن اجابة مستقيمة عن مدى موافقة العراق على كل الاوراق والطلبات التركية قبل الجولات التفاوضية ويجعل الجانب الاخر يلعب (تك كول) بينما ورقتنا اليتيمة بانتظار دورها في النقاش ، والعراق يتجه لمصير مجهول نتيجة التعطيش العمدي جراء سياسية تركيا المائية تحت تأثير المتغيرات المناخية والجيوسياسية. ولا نغفل عودة تصدير النفط عبر ميناء جيهان بادارة اتحادية، وطريق التنمية (الحرير) باعتبارها فرص اقتصادية كبيرة متكافئة لكلا الطرفين بل الذهاب ابعد ان الشراكة مع الجارة تركيا قوة اقليمية لهذا المشروع الحيوي.

 واخيراً لابد من التوضيح ان النقاط التي ادرجها الجانب التركي كأولويات التفاوض هي نقاط قوة للعراق وليست ضعف ،وان حسم هذه الملفات الأمل المُرتجى لانقاذ الاقتصاد التركي وإنعاش الليرة التركية .

واذا اقتضى الامر اظهار طرف الكارت البرتقالي ان لم نقل الأحمر الذي يشير لتدويل قضية المياه لدى المنظمات الدولية المعنية بالمياه وحقوق الانسان واتفاقيات الامم المتحدة المختصة بالمياه وبالانظمة البايلوجية واتفاقية التصحر وغيرها ،لا سيما وان تركيا تتطلع للانضمام الى الاتحاد الاوربي الذي ينساب في وسطها  نهر الدانوب مارا بسبعة دول اوربية دون اي حواجز كونكريتية او سداد تحرف مسار المياه الطبيعي او اي تغيرات فيزيائية على نوعية المياه، بل تتقاسم مياهه بصورة عادلة بين تلك الدول . نأمل من المفاوض العراقي التمسك بنقاط القوة وابراز محددات الجذب للاستثمارات التركية لمختلف القطاعات التي تدر بالمنفعة لكلا الطرفين وإظهار الفطنة العراقية المعهودة والمشروعة ، لضمان حقوق العراق التاريخية في نهري دجلة والفرات والمجاري المائية الاخرى القادمة من الاراضي التركية ، دون استرخاء حتى لو تطلب الموقف جولات اخرى.

مشاركة