مادية الميديا
عباس مزهر السلامي
في الأول من يوليو تموز 2012 وبالتحديد في العاصمة الأوكرانية كييف تكون أوربا قد أسدلت الستار على بطولة كأس أممها، بفوز صريح للإسبان برباعية نظيفة على الطليان. فاز ابناء الأمة الإسبانية، أبناء قرطبة واشبيلية، وغرناطة، تلك الحواضر الاسلامية التي صال فيها المسلمون وجالوا لثمانية قرون خلت من فترة الاسلام الذهبية ، وخرجوا منها خاسرين بالركلات نهض الإسبان وكأنهم ينفضون عنهم غبار قرون ثمانية، فمثلما اكتسح ابناء الأمة الإسبانية ابناؤنا القدامى ، ابناء الأمة الطليانية، على مرأى ومسمع العالم، ليؤكدوا جدارتهم بالفوز وليصنعوا تاريخاً جديدا بكرة القدم وهم يفوزون بالثلاثية يورو 2008، ومونديال 2010، ويورو 2012 ، اكتسح الإسبان المسيحي من قبل المسلمين الفاتحين، لتعود رايات الفتح الاسلامي منكّسة، ولتتوقف بذلك والى الأبد حركة الاسلام بأي اتجاه، وتخفت سطوته، وتتحول شوكته فيما بعد الى وخز في الضمير الاسلامي الى يومنا هذاولتستمر لتشي بحالة البؤس والظلام والجوع التي يعيشها مسلمو العرب، لتنتعش اسبانيا وأخواتها في المقابل وكأنها خلعت عنها الرداء الاسلامي الذي ما أكسبها سوى التخلف والظلام ، ولو عدت لأي إسباني اليوم وذكّرتهُ بتلك الفترة، لابتسم ساخراً في وجهك وانفضَّ عنك بأدب. لستُ حزيناً على حواضرنا القديمة التي عادت لحضنها الحقيقي، ولا أنا بصدد التشكيك برايات الفتح التي أوصلت الاسلام الى اسبانيا في الغرب، مارة بالقوقاز قلب أوربا، حتى عبرت به سور الصين العظيم، ولا أريد الدفاع عن اسبانيا المسيحية،على حساب العرب بصنفيها العاربة والمستعربة. العرب التي تملكت النفط مصدر الثراء،النفط الذي كان من المفترض أن تجعل منه مصدر قوتها وتقدمها ووسيلة هناء، واسعاد، وتطور علمي لشعوبها، لكن تلك الشعوب المستضعفة الخانعة بارادتها، لم تجن من النفط سوى المهانة،،والمجاعة، والتشرذم، والحروب، لا لكون الغرب هم الأسياد بالفطرة، بل لكون العرب هم الأذلاء ــ لا بالفطرة ــ بل بالفعل والممارسة، لكنني حزين على هذا الكم الهائل من القنوات،والتي لم نحظ َبواحدة منها لنشاهد ونمارس حقنا الطبيعي في المشاهدة التي تعودت عليها أنا شخصياً،منذ أن فتحت عيني بوعي المشاهدة على هذه البطولة بنسختها الخامسة عام 1976 والتي اقيمت يوغسلافيا تيتو الموحدة والتي فازت بها ألمانيا بشطرها الغربي بركلات الترجيح على حساب التشيك والسلوفاك الموحدين آنذاك تحت اسم تشيكوسلوفاكيا. حزين أنا، جدُ حزين ومنكسر، لأن أوربا وتحت وطأة أزمتها المالية افترشت قاطبة الأرض تحت شاشات عملاقة لتشاهد وتتابع بعشق خرافي فرقها الوطنية وهي تتبارى متناسية بذلك أزمتها الخانقة ، بينما الملايين من العراقيين يقبعون في الظلام، تحت وطأة الحر القاهر، وتحت شراسة البعوض الذي بدا وخزه كوخز الساسة وقساوتهم . حزين لأني لو عدت للوراء وقلت ان الملايين من العراقيين كانت بقناتين اثنتين 7و9 فقط تشاهد المباريات مباشرة وتستمتع بالبرامج والأفلام الهادفة، وتتلذذ بالغناء العذب الرصين، بلا مقابل مادي، لجرّموني وقالوا لقد صبأ هذا وخرج عن الملّه. واليوم ونحن تحت سطوة هذه الميديا الموجهة الينا، بكل فروعها صحافة، اذاعة، تلفزيون وتحديدا هنا هو أحد فروعها، والذي يعتبر أكثرها خطورة، ذلك هوالتلفاز الوسيلة الرئيسية للسيل المرعب من القنوات الفضائية، التي لا تهدف قطعا لامتاعنا، بل تهدف للربح. وجرجرة المشاهد لغاياتها الخفية والمعلنة. ربما لا أبالغ ان قلت جازماً بأن متعة تلفزيون العراق بقناتيه سابقاً، تفوق متعة قنوات الميديا قاطبة بكل توجهاتها، لا أسقط اللوم على ذلك الكارتل الاعلامي المادي المسيطر على حجوزات، وحقوق البث التلفزيوني، بل أسقط اللوم كله، على كل من تابع أو روّج أو ابتاع مفاتيح شفرات تلك القنوات، أما كان الأولى بالعراقيين أن يعلنوا عن استنكارهم ومقاطعتهم لتلك القنوات، ويعربوا ولو بأضعف الايمان عمن سبب دمارهم، وقتل أعزاءهم، وساهم وتآمر على خراب وتخريب مدنهم، أما كان الأجدر بالاعلام المادي هذا المتركّز في بلدان النفط والغاز، أن لا يمارس الدكتاتورية، على الشعوب المقموعة بسلطاتها المستبدة، ببراجمتيته المقيته، ويحذو حذو أوربا التي تسعى لاسعاد أفرادها بشتى الوسائل،حتى لو كانت تلك الوسائل هي استمالة الشعوب العربية واستنهاضها زوراً لا من أجل حثها على كسب حقوقها في العيش الكريم بثرواتها، بل من أجل الخروج على ثوابتها، وبث الاحتراب مابين مكوناتها، واشاعة روح العدائية للوطن، على اعتبار أن أوطاننا لم تكن جديرة بنا والا ماكانت لتلفظنا للمنافي البعيدة . وسؤالي هل يُعقَل أن يسعى الغرب لتوعية العرب؟ لا قطعاًفكل مايهدف له الغرب هو أن يبقى العربي في حالة احتراب مع ابن جلدته، يبقى على غفوته، يستمر على طقوسه، ويقاتل نيابة عن اسياده، وأن يكون التشظي والتقسيم والفيدراليات، والكانتونات هي الثمار الجديدة لرياح الربيع العربي، فليرحم الله قتلى العرب، وليصبّر المعوّز منهم، ويشبع الجائع، ويكسي العريان، وهنيئا للميديا العربية المتجبرة وهي تنتصر بالعشق الممنوع على شعوبها الذليلة الخانعة.
/7/2012 Issue 4262 – Date 28 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4262 التاريخ 28»7»2012
AZP20