مابعد الموصل ليس ما قبلها – جاسم مراد

jasem murad

مابعد الموصل ليس ما قبلها – جاسم مراد

متغيرات الاحداث التي تفرضها معارك تحرير الموصل ، من المفترض ان تحمل معها متغيرات سياسية ووطنية واجتماعية وبنيوية ، فليس من المعقول بعد هذه المعارك والدماء السيالة وصعود دماء جديدة ، أن تبقى سياسات التحالفات القديمة المبنية على المحاصصة الولادة للاختلاس وضعف دور مؤسسات الدولة والصراعات السياسية على اساس المصالح الذاتية والجهوية كما هو عليه .

الواقع الموضوعي للاحداث والتحولات الكبرى التي افرزتها المعارك ضد الارهاب الذي احتل نصف اراضي العراق ، يتوجب أن تفرز وقائع جديدة مبنية على المصلحة الوطنية اولا والعلاقات المجتمعية الرصينة بين كافة مكونات المجتمع ثانيا وعلى التوجه الفعلي لبناء الدولة وتعزيز دورها في كافة مرافقها وفرض هيبة الوطن على الجميع  وفرض الخطاب الوطني واشاعة ثقافة الاخوة والتسامح على اساس العراق للجميع وليس لطائفة أو عرق أو مذهب ، وان المواطنة والاخلاص ونزاهة العمل هما الحاكمية في التفضيل بين هؤلاء وأولئك ولاشيء سواهما .

إنه لم يعد هناك مبرر مابعد موصل التحرير ، لاي مسؤول سياسي أو زعيم كتلة وكيان وجبهة وحزب ان يتعامل على اساس المحاصصة مع الاخرين ، ولاسيما ان هذا النهج والسلوك هو الذي هيأ الارضية لداعش ، ولم يعد مقبولا الارتكاز والاحتماء وصياغة العلاقات مع الدول على حساب العراق ، وان اي طرف وشخصية وكيان سياسي يجعل من سياسات دول الاقليم والمحيط العربي ممرا له لتخريب العلاقات الوطنية والسياسية الداخلية، وتفضيل كيان مجتمعي على الكيانات المجتمعية الاخرى  ، هو بالضرورة يمثل الوجه السياسي لداعش ، ولم يعد مقبولا له ان يكون طرفا في صياغة حاضر ومستقبل البلاد.

لقد شبع العراقيون حتى التخمة ، من الصراعات والازمات السياسية والارهاب المسيس ، فبالتأكيد بعد مابعد الموصل ليسوا قادرين على الاطلاق قبول حالة ماقبل الموصل ، وان الوقائع السياسية والوطنية فرضت خيارات متعددة للسياسيين الوطنيين ، ومن ابرز تلك الخيارات إن المضحين من اجل العراق واستقلاله من الارهاب يتقدمون فعليا على غيرهم .

ليس من المقبول ابدا الاستمرار بسياسة المراضاة ، فالبلاد بحاجة الى رجال خلص وطنيين بنائين نزهاء ، وليس الى حكواتية يلوكون الحديث دون أن يضعوا طابوقة واحدة في البناء .

لقد مرت سنوات عديدة وتهدمت الشوارع وغصت الاحياء بالاوساخ وكثرت اعداد العاطلين من الشباب واستغل الارهاب سياسية رجل في البور واخرى بالمزرعة وصارت الكهرباء لعبة للابتزاز السياسي ومرتعاً للنهابين  وخطباء الجمعه يتحدثون بكلمات عرفناها من عهد النبي دون أن يضعوا الدواء على الجرح النازف وهم الاقدر على ذلك ، قلم يعد من الممكن بعد التحرير القبول بذلك ، فلابد من حل منطقي ثوري للحالة الراهنة المتردية .

إن التعكز على المذاهب والعرقيات هي سياسة فاشلة بامتياز ، وان منطق التوافقية والمراضاة فرخت النهابين وضعف الدولة وكثرت التفجيرات التي يروح ضحيتها الاف الناس الابرياء ، إن هذه السياسة لابد من مغادرتها ، ليس بفوضى الشوارع وإنما ببرنامج وطني عملي وبجهد شعبي وسياسي منظم .

الجميع اشترك بضعف العراق ، والكل يطلب الفرقة لاجل الاستقواء والوصول لمراكز الدولة ، هذا ماجرى ، ولكن بعد معارك تكريت والرمادي والموصل التي جمعت كل العراقيين في خندق واحد وعززت اللحمة الوطنية والمواطنة العراقية اصبح من الضرورة بمكان الاقلاع عن هذا النهج وصياغة منهجية عمل عبر برنامج وطني واضح عابر للطائفية والمذهبية والعرقية ، ومن لايحترم الدماء السيالة ويجري التغيير الفعلي بالتأكيد لايمكنه أن يبني الوطن ويدافع عنه .

إن الملاحظ حتى هذه اللحظة رغم اقتراب النصر لم نسمع وجهة نظر أو موقف فكري استراتيجي ينتقل من تلك المرحلة الى اخرى تعزز الثقة والامل لدى الناس .

بعد هذه الدماء العزيزة ، لم ولن نقبل بنظام سياسي متكور على الطوائف والعرقيات ، الشعب بحاجة الى حكومة قوية جامعة الكل على اساس الكفاءة والوطنية ، ورافضة الكل على اساس الطائفية والكتلوية المذهبية

مشاركة