ليس هذا وقت الصمت
فارس الخطاب
في العراق ، وفي محافظة الأنبار تحديدا ، دم عراقي يراق منذ أكثر من شهر ، ومن هناك هاجر عشرات الآلاف من المواطنين المدنيين الأبرياء مخلفين وراءهم بيوتهم التي تنهال عليها نيران المدفعية للجيش العراقي دون أي رؤية عسكرية واضحة لإسباب القصف الجوي والمدفعي بما يوحي إلى نية سياسية فيما يبدو لتدمير مدن مثل الفلوجة والرمادي بشكل هستيري لإسباب لا يخطئها أي عراقي أو مراقب للأوضاع في العراق . بعض هذه الاسباب رغبة الولايات ظنا منها أن هذا التدمير سيمحو من ذاكرة العسكرية الأميركية تحديدا ، ومن ذاكرة التاريخ الشخصي للعوائل التي خسرت أبنائها في معركتي الفلوجة عام (2004) ، طعم وحجم المرارة والأسى لمآلات ما ساقتهم إليه زيف الأدعاءات المساقة لمجمل الحرب على العراق. وبالعود إلى حرب الفلوجة فإننا نجد أن مواقف الكتل المنضوية في العملية السياسية داخل العراق متباينة في درجة وطريق التعليق عليها ثم المواقف منها كل بحسب سعيه لكسب اصوات أكثر في الأنتخابات المقبلة وبالتالي كيفية تسقيط أو مواءمة الآخرين وصولا إلى أوراق الأقتراع التي تأمل هذه الكتل في زيادتها على حساب دم ووعي ومستقبل العراقي بكافة أنحاء العراق ، وهو ما فطن إليه منذ بداية الأحداث أبناء العراق بمختلف طوائفهم ورأوا فيه سقوطا مدويا ؛ أخلاقيا وسياسيا لشخصيات وأحزاب حاولت تمرير مناهج مسمومة وعقائد ممسوخة وتصبغ بها شعب العراق ذو السبعة الآف سنة من الحضارة والقيم والتجارب بكل أنواعها ومستوياتها ، فشاءت الأنبار ومعها محافظات ذي قار وصلاح الدين وديالى ونينوى وغيرها أن تسقط هذا الزبد ليذهب قريبا جفاء دون رجعة . عود الى معركة الفلوجة التي أجزم أنها لم تبدأ بعد، والأهم تدمير الدور الإيراني البغيض والأمريكي الرخيص، في العراق ، وإن كانت معركة الفلوجة لم تبدأ بعد، فإن الحرب على الفلوجة واقعة منذ أربعين يوما وأكثر، وبات الوطنيون في العراق يرقبون مواقف ، من تحسب عندهم المواقف ، وهم قلة قليلة في العراق، ولعل أبرزهم موقف رئيس أقليم كردستان العراق ، مسعود البرزاني لثقله الشخصي والرسمي ، ثم موقف رجل لطالما أنبرى بصوت وطني عال ليشخص مواطن الفساد والظلم في عراق ما بعد 2003، وكان له تحديدا مع الفلوجة وأهلها مواقف لا تنسى أيام معركتها الأولى والثانية مع المحتل الأمريكي عام (2004) ، مواقف تجاوزت الكلام إلى الدعم والإعلان ، نعم ، ذاك الرجل الذي لا يخطئه المراقب والمتابع ، هو سماحة السيد مقتدى الصدر ، ولعل ذكر أسمه يكفي ليعطي مدلولات كثيرة يعيها كل عراقي شريف .
لن نتكلم الآن عن مسعود البرزاني ؛ بحكم مصالح أقليمه مع المركز ، ورهانات المكاسب والخسائر في أي تحالفات ومواقف يجريها البرزاني لإنتزاع ما يمكن أنتزاعه من تفاصيل على الأرض لصالح أقليمه ، في الحاضر والمستقبل . لكن دعونا نتحدث عن الرجل الذي طالما تحدث عن المظالم والمفاسد والويلات التي تتحقق باستمرار ، رجل يشكل هو وزعماء دينيون اخرون من عائلته تيارا سياسيا وسط المجتمع الشيعي في العراق ، ذاك هو السيد مقتدى الصدر ، الذي خرج إلينا بعد بدء الحرب على الأنبار بخطبة مباشرة يخاطب فيها الجيش العراقي ويطالبهم أن لا يوجهوا نيرانهم لإبناء شعبهم داعيا اياهم الى”القتال من اجل البلد وليس لدوافع سياسية او انتخابية” ، ويتابع مخاطبا قوات الجيش “لا تقاتلوا احدا بدافع غير الوطنية على الاطلاق ولاتقاتلوا اي جهة بدافع الطائفية فذلك يمس بسمعتكم وقوتكم بل دافعوا عن كل شيعي يعاني من الارهاب الذي لادين له ودافعوا عن كل سني الذي يعاني من الميليشيات الحكومية واللاوطنية وغيرها ودافعوا عن كل الاقليات التي تعاني من ويلات الشذوذ الديني والانحراف العقلي الذي يطال مقدساتهم ومنازلهم ومدنهم وكل مناحي الحياة”. ويؤكد سماحته لإهل الأنبار في ذات الخطبة على ضرورة “إبلاغه في حال اعتداء الجيش عليهم أو توثيق ذلك”، كما دعا المنظمات الدوليّة الحقوقيّة إلى القيام بواجباتها الإنسانية فيما يجري في المحافظة المعتدى عليها ، ذاك الكلام سماحة السيد كان قبل أربعين يوما تحديدا ، ولينظر سماحتكم حجم الدمار وعدد القتلى والجرحى وما هيتهم وأعداد العوائل التي نزحت جراء تلك الحرب التي طالبت بتوثيقها وأعتقد أن الآلاف من الوثائق وصلتكم عن طريق مكاتبكم في بغداد وكربلاء وغيرها بما يجعل بشكل لا لبس فيه بينونة الحق وبينونة الباطل بمجريات الأمور ومسبباتها هناك واضحة لكم، فهل كان ذلك غير كاف لإتخاذ موقف واضح وصريح مما يجري أم أن سماحتكم تنتظر مزيدا من الدم لتكون للمواقف أثرها وللكلمة ثمنها أيضا ! في عام 2004 كان لكم موقف كبير ، وهي مواقف تحسب باستمرار لآل الصدر ، حين دعمتم بشكل أنساني وإعلامي مجاهدي الفلوجة في تصديهم لماكنة الحرب الأمريكية حتى كان لإثر مواقفكم أن نعتت صحف أجنبية ذاك المتغير بـالتحالف السني الشيعي” ظنا منهم أن العراق مقسم لسنة وشيعة وأن هناك ناراً حامية الوطيس بينهما عبر التاريخ دائما ، كما كان لمواقفكم بالإضافة لمواقف آخرين دور نفسي وأجتماعي كبير لإحداث هبة شعبية أشعرت الأمريكان بوجودهم الخطأ على أرض الرافدين وخطورة أستمرار الحرب على الفلوجة ، وهو موقف لم ينسه لك الرئيس الأمريكي الذي أرتكب جريمة الحرب على العراق (بوش الصغير) ، فكانت أهم توصياته خلال لقاء في عمان 2006 هي تحجيمك إلى أقصى حد ممكن وتقليم أظافر تيارك والضغط عليك لإبعادك عن الساحة السياسية والعملياتية ، وقد حدث. إن مستقبل العراق بوصفه بلدا موحدا ومستقلا، بات اليوم في دائرة الخطر بسبب ما يروج من حرب شيعية ـ سنية ، وأنت سماحة السيد ، الزعيم الذي دعا لقتال جيوش امريكا وبريطانيا بالكلمة وبالفعل أبان أحتلال العراق 2003، يعلم أن هذا محظ أفتراء ، وأن شيعة وسنة العراق دونما بقية طوائف شعوب العالم أجمع ، لطالما ربطهم الوطن وجمعتهم مناسبات دينية يعتز بها الجميع ، وأنت تعلم و(تتعجب) أيضا ، وهذه مصيبة عند تحليل مواقفكم الأخيرة ، ثم ها أنت تعترف في أكثر من مناسبة بشرعية مطالب وأعتصام أهل الأنبار حتى أنك وبعد أن طالت فترات الأعتصام قلت ان الحكومة العراقية فقدت فرصتها بالتصالح مع المحتجين في الأنبار، مطالبين بحقوق مدنية اكثر وانهاء الاضطهاد ! إذن ، ليس هذا وقت الصمت سماحة السيد ، فالعراق على شفا مفترق كبير ، وقد عبثت به العملية السياسية حتى بات هذا البلد خارج حسابات الزمن وحضارته ، العراق يشتعل بدءا من الأنبار ، وتتساقط حمم كبيرة على مدن رئيسة في كل مكان ، ليس مطلوبا أن نتهادن مع القتلة والظلمة لإن حريق الأنبار فتح الأبواب أمام الوطنيين ليقولوا قولة الحق ويسلكوا طريقه بإي قدرة يمتلكونها ، وأنت سماحة السيد تملك الكثير وسيحاسب الله كل على قدرته يوم القيامة ، وأنت تعلم أن لا أحد يريد من أحد القتال إلى جانبه لكن لكلمة الحق وقع أكبر من الطائرات والصواريخ كما لتظاهرات قد تدعو لها ، لو شاءت إرادتك الوطنية ، وقع الزلازل على حكومة أستهانت بدماء وأعراض وحقوق وأموال شعب كامل .