لوركا بترجمة عراقية
عوّاد ناصر
نستعيد فيديركو غارثيا لوركا، من مكان قريب، والأمكنة القريبة لا تكون في متناول النظر، غالباً، لكنها في متناول الروح.
لا شيء جديد، باللغة العربية، غير كتاب لوركا قصائد مختارة بترجمة كاظم سعد الدين عن دار المأمون البغدادية الذي وصلني قبل أيام بإهداء كريم من مترجمه المبدع.
هناك مراجعة مقارنة مع الأصل الإسباني أيضاً، وهذا ما يؤكد صدقية عمل المترجم وإخلاصه لعمله، ومثلما استعدت لوركا في هذه الترجمة المخلصة، استعدت معه قراءاتي الأولى، لهذا الشاعر المبدع، وأنا فتى أقرض الكتب المتوفرة، أنذاك، مثل فأر فضولي، وبينها عدد خاص من مجلة الهلال المصرية أفرد للشاعر الشهيد عدده الخاص، ومن جملة ما استحوذ علي، وقتها، مرثيته الرائعة لمصارع الثيران الجميل انطونيو ميخياس، الذي لا سيف يضارع سيفه حيث مقتله في الساعة الخامسة عصراً في ترجمة سعد الدين أو في الساعة الخامسة من بعد الظهر في ترجمات أخرى.
طفل إسبانيا الشهيد الذي حول الأغنية إلى أسطورة ونقل التراث الإسباني إلى سوريالية عجيبة تشهد بها جملته الشعرية غريبة الأطوار، وله من شجن الموسيقى والرسم ما يؤكد ما قاله في شراييني دم عربي .
كان صديقاً لمشاهير عصره مثل روفائيل إلبرتي وبابلو نيرودا وسلفادور دالي ولويس بونويل وغيرهم.
هذه الصداقات ذات مغزى كبير يؤكد الخيارات الفكرية والفنية للشاعر الشهيد، وهي تضعه في قلب الحراك الفني والثقافي والفكري لشعبه وسائر العالم المتحول وانحيازه التلقائي لحركة شعبه الصاعدة أيام الحرب الأهلية التي ذهب خلالها شهيداً على أيدي الحرس المدني، رغم أن لوركا لم يعرف عنه أي انتماء سياسي، آيديولوجي، بالمعنى الضيق والحزبي للمصطلحات المتعلقة بهذه الناحية.
إن كون المرء شاعراً حقيقياً، مثل لوركا، يجعل الفاشست، وإن لم يفهموا الشعر وما يعنيه أن يكون المرء شاعراً، على قدر كبير من الكراهية والشعور بالخطر، وهو القائل أنا مع الخاسر .
أفرد له بابلو نيرودا، الشهيد هو الآخر، صفحات ضافية في كتابه الشهير مذكرات بابلو نيرودا أشهد أني عشت ، وأشار فيها إلى عبقريته الكبيرة وتلك اللحظات الحميمة التي جمعتهما معاُ، بما في ذلك مغامراتهما النسائية.
وخصه المخرج السينمائي الإسباني الشهير لويس بونويل بصفحتين أو أكثر قليلاً في مذكراته مذكرات بونويل ترجمة مروان حداد منشورات وزارة الثقافة السورية.
يقول بونويل حاولت أن أثنيه عن السفر إلى غرناطة بسبب خطورة المدينة أثناء الحرب. وكذلك فعل أصدقاء آخرون، لكنه لم يذعن لتحذيراتنا.. كان فيديركو يحتل موقع الصدارة من بين جميع من عرفتهم. لست أتحدث عن مسرحه وشعره، إنما أتحدث عنه هو. العمل العظيم كان هو نفسه، حتى ليبدو لي أنه من الصعب العثور على نظير له.
عندما كان يجلس إلى البيانو ليعزف بعض مؤلفات شوبان، أو عندما كان يرتجل اللوحات الإيمائية أو المشاهد المسرحية القصيرة، كان إنساناً لا يقاوم. كان باستطاعته أن يقرأ أي شيء بالجمال نفسه النابع من بين شفتيه. كان يتمتع بالعاطفة والفرح والشباب. لم يعثر على جثته إطلاقاً، وترددت حكايات كثيرة حول موته، حتى ما لم يكن معقولاً على الإطلاق. الحقيقة هي إن فيديركو مات لأنه كان شاعراً. كانت الصيحات تعلو في الجانب الآخر فيصمت الفكر .
لوركا أقرب شاعر أجنبي لشعرنا وحياتنا ومصائرنا في العراق، بل أكاد أحسه عراقياً
تاثر به وأعجب به شعراؤنا الرواجد وما بعد الرواد، وحتى اليوم، منذ بدر شاكر السياب، واستحوذ على مخرجينا المسرحيين فأخرجوا له مسرحيته بيت برنارد ألبا داخل العراق وخارجه.
ترجمة كاظم سعد الدين الجديدة تستحق الاهتمام والتقدير.
AZP09