لوازم رمضان عند العراقيين العدس والماش والحبيِّة والنومي بصرة وقمر الدين والطرشانة والحمص واللحوم
السوريون يتفننون بأطباق التبولة والمنتوشة والكفتة وداوود باشا والكوسة المحشوة والكبة والمقلوبة والملوخية
يبدو رمضان في العراق قبل قدومه بأيام عديدة، فتكون الحركة غير اعتيادية في الأسواق والمحلات، وباستطاعة المرء أن يشاهدها، لتدل على مجيئه الكريم. ويُعد سوق الشورجة القديم في قلب العاصمة بغداد أكبر سوق تجاري في العراق. فيذهب الناس إليه ليتبضعوا ويشتروا لوازم شهر الصوم من مواد تموينية مثل العدس والماش والحبيِّة، والنومي بصرة والقمر الدين، والطرشانة، والحمص، إضافة إلى شراء اللحوم بمختلف أنواعها.
العـراق
وتحرص العوائل العراقية على أن يذهب الأب مع أولاده إلى المسجد القريب من سكناهم، وهم يحملون صينية مليئة بالطعام لتوضع على مناضد في حديقة المسجد، لتفطير الصائمين. ومن العادات التي يحرص الأولاد على ترديدها في ليالي رمضان الكريم، هي الماجينة، الأغنية الشعبية المتوارثة عند أطفال مناطق العراق، حيث تقوم مجموعة من الأطفال وعقب تناول طعام الإفطار بالتجمع في الأحياء، ويحمل أكبرهم سنّاً كيساً من القماش أو النايلون، ليدور مع زملائه على بيوت الحي، فيبدأ أحد الأطفال بطرق أحد أبواب الجيران، ويردد مع الآخرين بصوت واحد
ماجينة ياماجينة
حلُّوا الجِيس الكيس وأنطونه أعطونا
تنطونه تعطونا لو ننطيكم نعطيكم
بيت مكة أنوديكـم
يا أهل السطوح
تنطونا لو نروح؟
وما إنْ تسمع ربّة المنزل هذا النداء الطفولي، حتى تخرج إليهم حاملة بيديها أو بوساطة وعاء كمية من الحلويات أو النقود لتوزعها عليهم، وعندها يتسلّم كل واحد نصيبه من الهدايا، وهنا يقفون أمام البيت نفسه، ليرددوا باسم صاحبه، فإذا كان ابن صاحب الدار اسمه محمد، فإنهم يصغرون هذا الاسم إلى حمودي، فيقولون مرددين معاً
الله يخلِّي حمودي… آمين
ابجاه الله واسماعيل… آمين
وإثر ذلك ينتقل أهل الماجينة ليطرقوا بابا آخر في الحي، ليعودوا إلى بيوتهم محملين هدايا وافرة من الجيران وسكان الطَرَف الحيّ ويحرص العراقيون ـ الرجال فقط ـ بعد أداء صلاتي العشاء والتراويح على إجراء مسابقات شعبية تعرف بالمحيبس الخاتم وتضم عدداً كبيراً من أهل المحلات الحي أو الشارع وتشمل حتى المدن ليشاركوا في هذه الألعاب التي تمتد حتى وقت السحور طيلة شهر الصيام المبارك.
سورية
ويتفنن السوريون بقدوم شهر الصيام بإعطائه الاهتمام المميز، حيث تستعد العوائل بتهيئة عدد من الأكلات السورية المعروفة كالمقبلات نحو التبولة، والمنتوشة، وتقديم الوجبات الرمضانية الخاصة كفتة الحمص، وداوود باشا، والكوسة المحشوة والكبة المقلية وكبة لبنية، والباذنجان المحشو، وورق العنب، والمقلوبة، والملوخية بالدجاج. أما الحلويات في سورية، فتزدهر محلات بيعها أيام رمضان، مثل القطايف بالجبنة، وبالجوز، والهريسة، والقشطلية، والمهلبية.
كذلك يجتمع الأطفال قبيل آذان المغرب في رمضان تحت مئذنة المسجد في حيِّهم، وهم يحملون بأيديهم فطورهم، ينتظرون بفارغ الصبر انطلاق المؤذن بالآذان ويقولون
يا مؤذن قولها رِيْت دّقْنَكْ طُولها طول المئذنة
وإنْ كنت ما بتقولها تُوْقَع من فوق الماْدِنَه
وعقب تناول الفطور، يتجمع أطفال الحيّ، وبيد كلّ واحد منهم صحن فارغ، ويدورون على بيوت الأغنياء منهم ليأخذوا السحور، ويقولون عند باب البيت
محمّد على فَرسُه
ويقول لها دُورِي
يامَحْرَمَه من دَهَبْ
والشَّبَ غنْدُورِي
باريتني دُوْدِه على الحِيط مصْمُودَه
وعَرُوسْتَكْ يا محمّد مكحّله ومَصْمُودَه
ولولا محمّد ماجِيْنَا يحلّ الكِيس ويَعطِينا
يعطينا مِصْرِيَّه، ماكَفَتْنَا الخَرْجِيّه
أعطونا سحور أحسن
ما نخلع الباب والناجور
لبنان
ويبرز دور التكافل الاجتماعي بصورته الكبيرة خلال أيام الصوم المبارك في لبنان.. حيث تقوم الجمعيات الخيرية بدورها في مساعدة المحتاجين والمتعففين، كذلك يقوم المحسنون بتقديم وجبات الإفطار للصائمين والمحتاجين عن طريق أحد الموسرين.
ونجد حلقات حفظ القرآن الكريم تكثر في المساجد اللبنانية، حيث يقوم حفظة كتاب الله العزيز بإعادة ختمه على شكل حلقات.. وتبرز مظاهر الاحتفالات برمضان من خلال أعلام الزينة التي ترتفع في كل مكان، واطلاق الأسهم النارية. وأما المقاهي الشعبية فيؤمها مرتادوها بعد صلاة التراويح لقضاء ساعات من السمر الثقافي والاستماع إلى بعض الدروس، ومشاهدة بعض الفنون المحلية. ومن مظاهر رمضان في لبنان في النصف الثاني منه مشاهدة الأطفال الوداع الذين يشكلون حلقة ذكر النوبة تطوف بإدارة المسحراتي إلى كل بيوت المنطقة فيأخذون العيدية وهم يحملون الرايات الملونة والطبل والصنوج للإعلان عن وقت السحور في ليالي الصيام.
الأردن
ومما يميز شهر الصيام في الأردن تلك الخيام التي تنصب في الأحياء لاستخدامها في الجلسات الرمضانية ويشهد السوق الأردني حركة شراء واسعة لتأمين احتياجات الناس من المؤن مثل الأرز والتمر هندي والحلويات وأنواع العصير. ويتم تبادل الأطعمة بين الجيران، علاوة على تبادل الزيارات بين الأهل والأقارب وتفطيرهم في البيوت حيث ينتظر الجميع إعلان أذان المغرب ومدفع الإفطار، ليبدءوا فطورهم الجماعي، بعدما يؤدي الرجال والنساء صلاتي العشاء والتراويح في مساجد الأحياء القريبة.
فلسطين
تتسِّم ليالي الصيام الرمضاني في المدن والقرى الفلسطينية بالسّهر والبهجة والترفيه البريء، فعقب غروب الشمس تُضاء الطرقات والشوارع والمآذن والمحلات التجارية في الأسواق، التي تعرض أنواعاً من الحلويات والبذورات والأشربة الخاصة بصائمي رمضان.
ولليالي الشهر الكريم في الأرض المحتلة طعمها الخاص للتواصل مع العادات المتوارثة بين الأجيال، ومن تلك العادات التي تقدم في ليالي رمضان المبارك تشكيل فرقة جوالة تعرف بـ الحوّاية ، أو المدّاحة التي تجوب الأحياء والأزقة بعد تناول الفطور. ويقف أفرادها في زاوية مظلمة من دهاليز أحد البيوت ويشرعون منشدين بصوت واحد
لولا فلان ما جينا يسمون صاحب البيت ،
حلُّو الكيس وأعطونا،
أعطونا حلاوانا، صحنين بقلاوة،
جاي علينا جاي،
بأيدنا العصاي نضرب الحواية،
وإرغيفين شلبيات،
وارغيفين حلبيات،
حي الله يا بلاد الشام،
فيها الخوخ والرمان،
دولابي يا دولابي،
يا سكر حلابي .
وعندما يسمع نداء الأولاد يتجمع الأطفال الآخرون معهم، وسرعان ما ينفرد أحد الأولاد ليصبح رئيسا عليهم ويصعد على كتف أقواهم، وينادي بصوت عال مخاطبا صاحب الدار وعائلته
الله يخلي له أمه
الله يخلي له أبوه
الله يخلي له ابنه
وتردد الجماعة بعده آمين. وما إنْ يسمع أهل الدار هذا الدعاء، حتى يخرج عليهم أحدهم ليوزع لكل واحد ما يحمل من حلوى كالزلابية والقطائف، بينما يتسلم رئيس الأولاد قطعا نقدية، فيغادرون هذا البيت، ليزوروا بيتا آخر يقيمون أمامه الحوايّة من جديد.
ولعلّ أهم أحداث ليالي رمضان في فلسطين المحتلة تقديم فصول القرقوز الكراكوز ، ويعني باللغة التركية العيون السُود ، وتهدف من خلال سردها لحكايات فكهة إلى توجيه النقد اللاذع لعدد من الظواهر الاجتماعية المحليّة، علاوة على تقديم السلوى البريئة والترفيه الذي لايخلو للمشاهدين من فائدة، بقضاء ليالي رمضان في سهرات جماعية تضم الأهل والأصدقاء.
مصر
رمضان بأيامه الجميلة له طعمه الخاص في مصر، فإقبال المصلين الصائمين على المساجد وكثرة حلقات الدروس والوعظ وتلاوة القرآن الكريم وهو ما يلفت النظر في المدن المصرية .. وغالبا ما يستقبل الشهر الفضيل بالألحان والأغاني الدينية، علاوة على ازدحام المساجد منذ رؤية الهلال وحتى وداع هذا الشهر المبارك، ويتميز ليل رمضان في مصر بالسهر، حيث الأمسيات الثقافية والأدبية، وتقدم الفنون الشعبية المصرية، ويشاهد المرء الأحياء المعروفة في القاهرة مليئة بالناس مثل حي سيدنا الحسين، والسيدة زينب أما الأطفال فلهم طقسهم وفرحهم الخاص بهم، وهم يطوفون في الأزقة والحارات حاملين فوانيس رمضان التي عرفتها مصر عندما دخلها معز الله الفاطمي فخرج أهل مصر لاستقباله وهم يحملون في الليل الفوانيس، فصارت عادة عندهم هي الفوانيس الرمضانية لأن ذلك قد حدث في ليالي الشهر الكريم.. أجل فالأطفال يطوفون ليترنموا بأغنية وحوي المشهورة
وحوي يا وحوي ..إياحه
وكمان وحوي إياحه
رحت يا شعبان.. إياحه
وجيت يا رمضان.. إياحه
السودان
من التقاليد الموروثة عند السودانيين أن أحدهم لا يستطيع الفطور لوحده، إذ لا بد من مشاركة أحد الصائمين له في إفطاره . ونجد السودانيين يجتمعون في الحي الواحد وتفرش الموائد قبيل وقت الفطور ويضع كل واحد طعامه على المائدة، ويجتمع الجميع لتناول الفطور الجماعي الذي يتكون من حبات التمر ثم يؤدون الصلاة، ويبدؤون فطورهم المكون من لحم أم دكوكة، والعصيدة، والبليلة لوبيا عدس وتؤكل مع التمر ويشربون الأبرية حلو ومر وبعد صلاة التراويح يجلس الرجال للمسامرة وتبادل الزيارات بين الأصدقاء، ويقرأ كبار السن القرآن الكريم ويتجول الشباب لزيارة الأقارب والأصدقاء، بينما يمارس الأطفال إحدى الألعاب الشعبية مثل ترديدهم للأغنية المتوارثة والتي تجري بينهم
الأول شليل وينو
الجماعة أكل الودو
الأول شليل وين راح
الجماعة أكل التمساح
ثم يرمي الأول حجراً بعيداً عن تجمعهم وهو يقول
شل إيد الرجال ما تنحل
وهنا يتراكض الأطفال المشاركين ليحاولوا التقاط الحجر والعودة به إلى صاحبهم الذي رماه.
ليبيا
تنفرد ليالي الصيام في ليبيا، حيث يطول سهر الناس حتى الهزيع الأخير من الليل، بوجود النوبادجي المسحراتي الذي يحمل النوبة على كتفه وهي عبارة عن طبلة كبيرة ينقرها بوساطة عصاتين تكون الأولى مقوّسة الشكل وتستعمل في الدُّمْ، وبينما تكون العصا الثانية أرفع من الأولى وتستعمل للتيك، في أوزان آلات النقر.
ويرافق النوبادجي في أثناء تجواله عبر أزقة وشوارع الحيّ في القرى والمدن الليبية، رفيق يحمل الفنار الفانوس الذي يضيء طريقهما الذي يسلكانه في عتمة الظلام، حيث يشتركان في إيقاظ النائمين لوقت السحور، وذلك حين كانا يرددان على أوزان هذه النوبة أغنية تؤكد بأنّه قد حلّ عليهم فلا ينزعجون منه. ويأتي دور سهر الليل أو الطبيبيلة ، ويعرف في أغلب الأقطار العربية باسم المسحراتي، ويسير هذا الرجل في الطرقات حاملاً بين يديه طبلته الصغيرة التي ينقرها بوساطة عصاً صغيرة مردداً هذه الكلمات
يا سهر الليل
نوضوا استيقضوا تسحروا يا صائمين
توكلوا على الله يا صائمين
تونس
وتشهد تونس المدينة العتيقة في العاصمة تونس مهرجان المدينة الذي يقدم فيه المنشدون المحليون والعرب ألواناً من الغناء والتواشيح والمعزوفات التي يقبل عليها الجمهور من كل مكان. أمّا الأولاد فيسمح لهم أهلهم بالطواف في ليالي الشهر الكريم للتجول في الأزقة، يقدمون أناشيد وأغانيّ خاصة بهم. ويتزاور التونسيون فيما بينهم، ويدعو أحدهم الآخر لتناول طعام الفطور في بيته، ويبدأون فطورهم بتناول التمر مع خلطة الزبدة أو اللوز، واحتساء الشوربة، ثم يقدمون على مائدة فطورها الرمضاني أكلات خاصة مثل البريك، والكُسْكُسي، والنواصر، والحلويات، والشاي الأخضر. ويكون الفريس طعام السحور في تونس، ويشربون معه الحليب، طيلة أيام الصيام، ولا ننسى الطابع الاحتفالي الخاص الذي يحييه أهل تونس لليلة القدر المباركة، إذ بعد إحيائها غالباً ما يقوم الشباب باستغلالها لاعلان الخطوبة، ويكثرون فيها التزاور وتقديم الهدايا للأهل والأصدقاء.
الجزائر
ينطلق الأطفال عند سماعهم صوت المؤذن وقت المغرب وهم يصيحون أذن كأس لبن وأذن بمعنى أذن المؤذن فهات كأس لبن لنشرب.. وإذا لم يسمع الناس الأذان فصياح الأطفال يعرفهم بأنَّ موعد الفطور قد حان… ويفرح الأطفال برمضان لأنه موسم يتبارى فيه الأباء مع أبنائهم لتعويدهم على صيام الشهر المبارك. ويأخذ الوالد أولاده الصائمين إلى أداء صلاتي العشاء والتراويح في المسجد ثم ينطلق الصغار عقب الصلاة ليلتقوا مع أصدقائهم ويطوفون مرددين
رمضان كريم .. رحمن رحيم
وبالعبادة تلقي السعـــادة
تلقى السعادة وتلقى النعيـم
رمضان كريم رمضان كريم
ويحرص الجزائريون في الشهر الفضيل خاصة بعد إحياء ليلة القدر المباركة على إعلان الخطبة، وختان أولادهم بالليلة الخالدة.
المغرب
احتفالات المغاربة في رمضان تختلف من المدينة إلى الريف والبادية، فالقرية بحكم بساطتها، فإن لشهر الصوم طابعا خاصا، حيث تكثر الزيارات بين الأهل والأصدقاء، وتكون فترة الظهيرة للنوم، وبعد العصر يجتمع الرجال لتبادل رواية سير العظماء والأحداث الماضية، أما عند موعد الفطور فلا بد من اجتماع أسرتين أو أكثر على مائدة واحدة لتناول الفطور، وينقسم الرجال على سفرة وكذلك النساء والأطفال، لكل واحد منهم سفرته الخاصة، ويؤدي الجميع صلاة التراويح ويستمعون إثرها لقراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية. ومما يميز السحور في القرى المغربية خروج الرجال وهم يحملون الطبول والمزامير لينبهوا الصائمين على وقت السحور، وهنا يكون الأطفال حلقات ومجاميع مع هؤلاء المسحراتية وهم في غاية الفرح ويتنافس أطفال القرى على الصيام، لذا تقام احتفالات خاصة للأولاد أو البنات عند صيامهم للمرة الأولى حيث يقدمون لهم الهدايا من الحلويات والملابس أما الصيام في المدن المغربية، فنجد أنَّ حركة الناس غالبا ما تبدأ في الليل، حيث يذهب قسم إلى المقاهي الشعبية أو التزاور، وفيما يخص الأكلات المغربية التي تقدم للفطور فتكون الحريرة هي المشروب المعروف عند المغاربة وتصنع من الطحين والتوابل ولحم الأغنام أو الدجاج، ولقريشلة، ومسمن وحلوى. وتكون مساجد المغرب في ليلة السادس والعشرين من رمضان على صباح يوم السابع والعشرين منه في أبهى زينتها من الشموع والبخور، وتقام عقب صلاة التراويح وتلاوة القرآن الكريم مائدة السحور في ليلة القدر، حيث يشربون الشاي الأخضر المعروف عند المغاربة. مع بعض الأكلات الخفيفة.
/8/2012 Issue 4267 – Date 2 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4267 التاريخ 2»8»2012
AZP07