لمناسبة ذكرى 14 تموز 1958
رسالة مجهولة على مكتب فيصل تنذر الإطاحة بالملكية
بغداد – جواد الرميثي
في احد ايام حزيران عام 1958 وجد الملك فيصل الثاني رسالة من مجهول تتضمن تفاصيل (مؤامرة) ، وبعد اجراء تحقيق دقيق لمعرفة من وضع تلك الرسالة على مكتب الملك ، لم يتوصلوا الى اية نتيجة تذكر والى اثر ذلك عقد اجتماع ضم كلا من الامير عبد الاله ونوري السعيد والفريق رفيق عارف (رئيس اركان الجيش ) واستعرضوا اسماء الضباط المتهمين فوجدوا ان اغلبهم من المقربين الى اركان الدولة، فالزعيم عبد الكريم قاسم من المقربين من نوري سعيد والزعيم ناجي طالب مقرب من البلاط الملكي والعقيد عبد السلام عارف (يعطف) عليه الفريق رفيق عارف والعقيد رفعة الحاج سري يحميه جميل المدفعي ….الخ .
انكار قاسم
وتم اتفاق المجتمعين على ان يستدعي اركان الدولة الضباط المحسوبين عليه ويصارحهم بالامر وكان نوري السعيد اول من استدعى اولئك الضباط الى وزارة الدفاع وفي مقدمتهم الزعيم عبد الكريم قاسم حيث سأله السعيد :
(اصحيح انك تتأمر علينا ياكرومي ؟) فأنكر قاسم واقسم للسعيد الايمان مؤكدا ولاه ووفاءه للملك فأطمأن نوري السعيد وخرج عبد الكريم قاسم وهو يعطي رفاقه المنتضرين اشارة تطمين متفقا عليها ، فيما سارع السعيد بابلاغ الامير عبد الاله بأنه اجرى تحقيقا مع قاسم رئيس (المؤامرة) المزعومة ، فثبت ان الامر لايعدوا ان يكون وشاية !وقد كان عبد الكريم قاسم اكثر الضباط حظوة عند نوري السعيد واكثرهم دلالا عليه وهذه الحظوة هي التي حمت قاسم من كل ملاحقه .
لقد كانت التقارير ترد من الاردن عام 1957 تفيد بأن عبد الكريم قاسم قام بأتصالات مع خصوم الدولة العراقية ، وعن اجتماعات عقدها و(مؤامرة) دبرها ، ولكن نوري السعيد كان يسخر من تلك التقارير ويعدها وشاية مختلقة من حساد قاسم للايقاع به لديه ظلما، وعلى هذا الاساس فأن السعيد كان يرفض ان يصغي الى اي كلمة ضد قاسم .
وفي مطلع تموز 1958 طلب الملك حسين ملك الاردن ارسال قوة عسكرية عراقية ترابط في الاردن لتوطيد الاتحاد الهاشمي الجديد المعقود بين العراق والاردن ، واوفد الفريق رفيق عارف رئيس اركان الجيش الى عمان لدراسة الموقف وفي 11 تموز قرر الفريق عارف العودة الى بغداد ليكون في وداع الملك فيصل يوم 14تموز ، وعند ذهابه الى قصر (بسمان) ليستأذن الملك حسين في السفر ،قال للملك :(لقد قررنا ان نوفد الى الاردن اللواء التاسع عشر بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم) فاجابه الملك وبحضور رئيس الديوان الملكي بهجت التلهوني : (لاترسلوا لنا عبد الكريم قاسم ، فعندنا عنه معلومات غير مرضية، واضاف :لقد كنت قد قررت ان اجتمع اليك قبل سفرك لابلغك بوجود حركة غير عادية في الجيش العراقي ، ان لدينا معلومات وثيقة عن (مؤامرة) يدبرها عبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف) .
وكان قد سبق لدوائر الاستخبارات الاردنية ان قدمت للقيادة العراقية معلومات عن حركات (مريبة) قام بها عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف اثناء وجودهما في الاردن، ولكن بغداد لم تأبه لهذه المعلومات، فأبدى الفريق عارف استغرابه وقال :(ياسيديلايوجدشىء من هذا، فنحن واثقون من صفاء صفوف جيشنا) وعاد الملك حسين يكرر التحذير ثم تناول الهاتف واستدعى ضابطين اردنيين كانا قد عادا اخيرا من العراق بعد جولة تدريبية طويلة لهم هناك مما اتاح لهما فرصة الاتصال بعدد من ضباط الجيش العراقي ، ورويا للفريق عارف امام الملك حسين ماحصلا عليه من معلومات و(المؤامرة) التي يدبرها قاسم وعارف ، مع ايضاحات مدعومة بالاسماء والايام ولكن الفريق عارف لم يكن يصدق ماسمعه وقال بسخرية: )طيب…. طيب… بنشوف) .
وكان الفريق عارف قبل مقابلته الملك حسين كان قد قابل رئيس الوزراء الاردني سمير الرفاعي وبحضور رئيس اركان الجيش الاردني اللواء المجالي ، وحدثه الرفاعي عن المعلومات الواردة الى الاستخبارات الاردنية من العراق عن مشروع الانقلاب ، ولكن عارف اجاب (اتريدون كلما نسمع صوتا او شائعة ، ان نعتقل المتهمين بها ؟ كلا هذه كلها اكاذيب ، ولما الح عليه رئيس الاركان الاردني اللواء المجالي في حديث شخصي ، بالتحقيق في الامر فور عودته الى بغداد ، قال الفريق عارف ( لاياباشا ـ فالجيش العراقي بكامله في جيبي ) وبعد عودة الفريق عارف الى بغداد، تقرر تأجيل سفر الزعيم عبد الكريم قاسم على رأس اللواء التاسع عشر الى الاردن، على ان يسافر اولا اللواء العشرون الذي يقود عبد السلام عارف احد افواجه الثلاثة .
اتخاذ تدابير
وقد جرت العادة في جميع الدول عندما تمر قطعات الجيش في عاصمتها ان تضع قوى الجيش والشرطة بالانذار ، ولكن لارئيس الوزراء نوري السعيد ولارئيس الاركان الفريق عارف اتخذا اية تدابير في هذا الصدد ، وكان وزير الداخلية سعيد قزاز قد صرح فيما بعد ان رئاسة الوزراء لم تبلغه شيئا عن قدوم القطعات الى بغداد ، لكي يضع قوى الشرطة في حالة الانذار ، وخاصة القوى الضاربة في معسكر الصالحية والمكونة من ثلاثة الاف شرطي مدربين تدريبا جيدا ومجهزين بأحدث الاسلحة الاوتماتيكية والعجلات المدرعة ، وهي القوة الرئيسة التي كان نوري السعيد يعتمد عليها .
وهكذا دخل اللواء العشرون بغداد في 14 تموز 1958 والكل فيها ينام واحتل العاصمة من دون اية مقاومة .