الدكتور عبد الاله أحمد في يومياته
لماذا أنتصرت الشخصية الأكاديمية على الوجودية؟ – اضواء – نوزاد حسن
الى وقت قريب كنت اتخيل الدكتور عبد الاله احمد بهذه الصورة:استاذ جامعي مشغول حتى اخر خلية في دماغه بعالمه الجامعي من محاضرات وسفر ومناقشة رسائل الماجستير واطاريح والدكتوراه.كنت اتخيله شخصا متصالحا مع الحياة ولم تستطع فكرة واحدة ان تؤرقه،فهو ضد الارق لانه محصن بتعويذة اكاديمية قوية التاثير.
كان عبد الاله احمد في نظري استاذا اكتشف الحياة خلف اسوار الجامعة فعانقها دون اي انزعاج،وكان مشغولا باهم هدفين يوجدان في راس اي اكاديمي في هذا العالم.هذان الهدفان هما الموضوعية والتوثيق.لكني في حقيقة الامر اكتشفت اني كنت بعيدا عن الصواب في فكرتي التي كونتها عنه.وكانت اوراقه ويومياته التي نشرت مؤخرا عن دار الشؤون الثقافية وثيقة صريحة وقوية في تغيير الصورة التي رسمتها له.
الكتاب الذي صدر ضمن منشورات بغداد عاصمة الثقافة بعنوان “جذوة الروح ورمادها” وبعنوان فرعي هو”عبد الاله احمد في يومياته ونصوص اخر” كان في حقيقة الامر كتاب او اوراق كاشفة مهمة،ولا بد ان توقف عندها طويلا.واذا حاولنا ان نفهم ما قاله بطريقة وصفية عابرة فسنخطيء في فهم الصراع الداخلي الذي كان الاستاذ الراحل يعاني منه.هناك دائما من يريد ان ينظف الحرم الجامعي من اية مشاعر بعيدة عن سيادة الموضوعي ضمانا لحيادية الراي وحفاظا على الحقيقة العلمية.ولا يمكننا ان نتخيل استاذا يعاني من قلق وجودي وهو يعلم طلبته كيف يكونون موضوعيين الى اقصى حد.لذا لم افهم جيدا الوصف الخارجي الذي قدمته لنا الدكتورة نادية غازي العزاوي في محاولة منها لتقديم تلخيص لكل ما في اوراقه من ثورة وحيرة.الفكرة التي اريد الاشارة اليها ان الدكتور عبد الاله احمد رجل عاش ليرضي شخصيته الاكاديمية وكان مرغما على السير في هذا الطريق الموضوعي الوعر.ان طبيعة تفكيره لا تنسجم مع قيد الواقع المنهجي المفروض عليه،ولا حيلة في يده للخلاص منه.وانا اعتقد ان اهم صفة في الانسان هي:ملله الدائم.ان قراءة كل تلك اليوميات التي كتبها الدكتور في اعوام قليلة في ستينات القران الماضي،ثم واصلها بتقطع عام 1974 وعام 75 ثم استمر في كتابتها عام 83 تدل على مشكلة معقدة لا يمكن النظر اليها على انها مجرد موقف يتخذه الانسان وهو في وضعية الدفاع عن نفسه.ولا اعتقد اني ابالغ لو قلت ان اوراق ويوميات الدكتور هي من اقسى واحزن ما قرات.ولعل هذا ما جعلني اقول انه فقد قيمة معاناته وعاش في دوامة لا نهاية لها.لا اريد الان تلخيص ما جاء في اوراقه الذاتية لكني ساحاول القول ان الدكتور عبد الاله احمد حاول ان يجد سبب شعوره بالفشل والتفاهة والعبث حين اعترف صراحة ان كل مشكلته كبرت بسبب عقله.هذه نقطة بحث لا بد من التوقف عندها مستقبلا لفهم كل تلك المعاناة الموجودة في يومياته.يقول”انني اشرنق نفسي،انني بسبب هذا العقل اسدل حواجز واستارا بيني وبين الحياة..لان العقل العقل الذي علمني ان اتجنب المغامرة عقل جبان حرمني متع الحياة جميعا.(جذورة الروح ورمادها،دار الشؤون الثقافية،بغداد،2013 ص182).
في الحقيقة لن تكون هذه الفقرة الا اعترافا قويا عن دور العقل في تهديم شخصية الانسان،وابعاده عن انسانيته.كنت اتمنى لو ان الدكتور عبد الاله احمد التقى بابراهيم الفقي مثلا وبالدكتور صلاح الراشد.ان الحديث عن العقل الجبان هو حقيقة لا يمكن لاحد ان ينكرها.وقد احس الدكتور بهذا الامر وشخصه لكنه لم يضع له حلا جذريا.وفي التنمية البشرية توجد حلول قوية لتشخيص بعض اعراض عدم الثقة والخوف والعبث وعدم التقدير الذاتي.وما كشفه الدكتور عبد الاله احمد يندرج ضمن هذه الخانة.فالعقل قد ينمو ويصبح عائقا ضد تقدم الانسان المهني والنفسي.وهذا ما يسمونه بالبرمجة العصبية.ويبدو ان حالة الدكتور وسيطرة العقل عليه الى هذا الحد الخطير دفعته الى اتخاذ مواقف لم تكن في مصلحته ابدا.ان كل صفحات يومياته تردد انه ضائع وفاشل وكسول وقليل القيمة لكن لنقرا بعضا من اشاراته التي وصف بها وضعه النفسي وشخصيته الغريبة التي لم تكن تهدأ.ولا حاجة بنا الى الانتقاء لان اية صفحة نفتحها ستكون دليلا جيدا على تحطم روحه وثقته بنفسه.يقول مثلا:”انا كسول بصورة مرعبة،وانا مهمل حتى الاحتقار،وانا ميت،لا ابعث الفرحة في قلب اخر”ص55(وبعد ان سكرنا اخذت اشعر بتفاهتي من جديد)ص154(ولكن هناك ما ينقصني،اريد ان احترم حياتي)ص155(لست الا صدى اجوف يردد ما تعبئه الكتب من افكار)ص158(عبث +عبث=عبث)ص163..
هذه الانفعالات وغيرها كثير واقسى منها قد تفسر نفسيا على ان الدكتور يعاني من مشكلة في التقدير الذاتي.ان الافكار تسبب انفعالات تقوى يوما بعد اخر.وهذه مشكلة تحتاج الى علاج يعيد للانسان ثقته بنفسه.من هنا فان ابراهيم الفقي كان يتحدث دائما عن ان الانسان قد يكون في كثير من الاحيان ناجحا في الفشل كما هو ناجح في امور اخرى.هناك اذن فشل يصل القمة لان الانســــان يــــــريد بسبب ضــــــعفه ان ينـــــجح في فـــــشله.
لكني رغم قناعتي الكبيرة باهمية التحليل النفسي الذي قامت به مدرسة التنمية البشرية الا اني افضل ان انظر الى شخصية الدكتور الراحل نظرة واقعية تكشف عن طريقتنا فـــي التــــفكير.
اعتقد


















