لقمة..لقمتان…

لقمة..لقمتان…
دينا سليم
احتسيت سويعات الصباح حتى انتفت، وكعادتي، أخط ما تركته نمنمات الليل في خاطري، الشمس المشرقة في نصف وقتها، أناملي تلعب وتدوّن، استنشقت النهار بعبورة الدائم وقبل المغيب، عبر زجاج نافذتي تتواتر انهيارات غير عادية، السماء ملغمة بأحداث تصنعها يد البشرية، البلبل يحتار في أمره ويصمت، تركت مقعدي فارغا، نفضة ريح هبّت بي فجأة فارتعدت، مالت الأفكار في جنباتي، خارت نظراتي واستكانت، استقرت على ذلك المتسلق وبيده آلة حادة يقطع فيها أغصان الأشجار الوارفة الخضراء، عذبني المشهد، خضراء، يفصل أوصالها ويطرحها جانبا دون أن يوبخه أو يستوقفه أحد، فهو العبد المأمور، يقلّم الأشجار التي تروم في الأنحاء والمرصوصة على جوانب الأرصفة، تلك الموغلة بالنظافة حتى النقاء، لم أحتمل رؤية ذبح الأغصان فهربت، قضيت بخطواتي إلى حيث لا أعرف وآلة التصوير خاصتي تحت إبطي.
لا أعلم لماذا أعادتني الخطوات لأحضر مشهدا نادرا، ذاك الطير وهو يلتقط لقمتين تتدحرجان منه، يتسقّطها بعينية الصغيرتين، يقترب، يقفز حولها، يعود وبكل مشقّة يلتقطهما معا فتسقطان من منقارة الصغير مجددا، يدحرج لقمة ثم يتركها ويذهب ليدحرج الأخرى فتلتقي اللقمة بجانب اللقمة في مسيرة منهكة صعبة.
تسمّرت مكاني، جهزت آلة التصوير وصوبتها نحوه، فكرت بأن أساعده، لكني عدلت عن التفكير وتهيأتُ للمهمة، هو يقفز والعدسة تقفز خلفه تتعقبه، ابتعدت قليلا وبدأت أراقب الطير من بعيد لكي لا يرتع فيترك لقمتيه ويطير هاربا، وعندما اقترب نحو الشجرة حمل لقمة واحدة تاركا الأخرى أرضا، داهمها كالمجنون، غاص داخلها بسرعة ثم سقط، ارتفع ببطء ثم تهاوى مجددا وسقط على سطح بيتي، هذا المسكين لم يدرك أن الغصن الذي ترك فيه عشّه وخليلته قد جُزّ، وطرح أرضا مثل أي ميت ينتظر من يحمله إلى القبر، انكسر قلبي، وقع الطائر مجددا، تعقبته حتى غاب عني، لكنه عاود الكرة واللقمة ما تزال داخل منقاره، يجانح الهواء بشجاعة، يغير داخل الشجرة التي أصبحت معراة تماما، فيسقط مجددا، عدة محاولات كانت كفيلة لأن ترديه قتيلا وروحه تنزف، بينما اللقمة الأخرى بقيت ملقاة على الأرض تنتظر من يلتقطها.
خطوات آدمي تقترب، قاطع الأشجار يظهر من بين غمامة الغضب العارم الذي تصدرني، انهمرت الدموع من مقلتيّ، غبشت عيناي واحمرت وجنتاي، وغضبت، مدّ لي يده، شيء ما يتكور داخل كفه، وقال بصوت مرتعش متقطع
وجدت هذا العشّ على الشجرة، تلك التي أمام نافذتك، رأيته لكني لم أكترث، لقد كان هناك وقمت بقطعها، والطائر الذي رقد داخله طار وترك أطفاله يتناثرون، أشعر بذنب عظيم…هم أمروني بقطعها… لقد أمتُ شجرة كانت ممتلئة حياة
/9/2012 Issue 4300 – Date 10 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4300 التاريخ 10»9»2012
AZP09

مشاركة